### **خروج الكبار الأفارقة من المونديال: إخفاق عابر أم عرض لأزمة هيكلية؟**
لم يكن الخروج المبكر والمفاجئ لأقطاب الكرة
الإفريقية – الأهلي المصري والترجي التونسي والوداد المغربي وماميلودي صن داونز
الجنوب إفريقي – من النسخة الموسعة الأولى لكأس العالم للأندية مجرد سلسلة من
النتائج المخيبة للآمال، بل كان بمثابة صدمة مدوية كشفت عن الفجوة العميقة التي
تفصل بين طموحات القارة السمراء وواقعها الكروي. هذا الإخفاق، الذي جاء رغم
الإنفاق السخي والآمال العريضة، فتح الباب واسعًا أمام نقاش حتمي حول الأسباب
الجذرية التي تكبّل تطور أندية القارة وتمنعها من مجاراة نظرائها على الساحة
العالمية.
![]() |
### **خروج الكبار الأفارقة من المونديال: إخفاق عابر أم عرض لأزمة هيكلية؟** |
- في هذا السياق، تأتي تصريحات كجوسانا ماساسينج، الأمين العام للاتحاد الدولي للاعبي كرة القدم
- المحترفين (فيفبرو) في إفريقيا، لصحيفة "جارديان" البريطانية، لتقدم تشخيصًا دقيقًا وصريحًا
- لهذه المعضلة. يرى ماساسينج أن ما حدث في الولايات المتحدة لم يكن وليد الصدفة، بل هو النتيجة
- المنطقية لتراكمات وأزمات هيكلية يعاني منها الهيكل الكروي في إفريقيا.
**الإرهاق القشة التي قصمت ظهر البعير**
بدأ ماساسينج تحليله من السبب الأكثر مباشرة ووضوحًا: الإرهاق البدني والذهني للاعبين. وأوضح قائلًا: "على ضوء المباريات التي شاهدتها، استنزفت كرة القدم الكثير من اللاعبين". فالأندية الإفريقية وصلت إلى المونديال بعد موسم ماراثوني شمل منافسات محلية شرسة
- وبطولات قارية طويلة، بالإضافة إلى التزامات اللاعبين الدوليين مع منتخباتهم الوطنية. هذا الجدول
- الزمني المكتظ، والذي لا يترك أي مساحة للراحة أو الاستشفاء، أفرغ اللاعبين من طاقتهم وجعلهم
- غير قادرين على تقديم أفضل مستوياتهم في بطولة تتطلب قمة الجاهزية البدنية والفنية. لقد كانت
- الفرق الإفريقية، ببساطة، تصل إلى خط النهاية بينما
كانت البطولة العالمية قد بدأت للتو.
**هشاشة الدوريات المحلية أساس الأزمة**
لكن المشكلة، بحسب ماساسينج، تتعمق أكثر لتصل إلى جذر الأزمة: ضعف وهشاشة الدوريات المحلية في القارة. انتقد ماساسينج الوضع بحدة قائلًا: "دورياتنا ضعيفة جدًا إلى حد كبير، وتفتقر حتى إلى البنية التحتية الأساسية".
- هذه الضعف ليس مجرد نقص في التنافسية، بل هو أزمة شاملة تشمل بنية تحتية متهالكة، وغيابًا شبه
- تام للتخطيط الاستراتيجي الموحد. ما نراه هو "بؤر صغيرة من التقدم الجيد" أو مبادرات فردية
- معزولة لأندية بعينها، لكنها تظل جزرًا في محيط من التخبط، مما يجعل من المستحيل تسويق
- "المنتج"
الكروي الإفريقي بشكل احترافي وجذاب.
**نزيف المواهب والفجوة المالية**
هذه البيئة الطاردة تؤدي حتمًا إلى نتيجة كارثية
أخرى: "نزيف المواهب". يواصل أفضل اللاعبين الأفارقة الهجرة نحو أوروبا
والدوريات الكبرى بحثًا عن رواتب أفضل، وظروف تطوير احترافية، ومنافسة حقيقية. هذا
الأمر يخلق حلقة مفرغة: رحيل النجوم يضعف الدوريات المحلية أكثر، وهذا الضعف يدفع
المزيد من المواهب للرحيل.
- وتتجسد هذه الفجوة في الأرقام بشكل صارخ. فبينما تبلغ القيمة السوقية للنادي الأهلي، الأعلى في
- إفريقيا، حوالي 48 مليون يورو، تصل قيمة ريال مدريد إلى 1.3 مليار يورو. بل إن التفاوت داخل
- القارة نفسها هائل، فقيمة بطل الدوري الغاني قد لا تتجاوز 1.85 مليون يورو. هذه الأرقام ليست
- مجرد إحصائيات، بل هي مؤشر على غياب القدرة على الاحتفاظ بالمواهب وتطويرها، وهو ما يقتل
- أي فرصة حقيقية للمنافسة على المدى الطويل.
**الطريق إلى الأمام العودة إلى الأساسيات**
أما عن الحلول، فيرى ماساسينج أنها لا تبدأ
بالصفقات المليونية، بل بالعودة إلى أبجديات الاحتراف. يجب أن تبدأ الإصلاحات
بضمان الحقوق الأساسية للاعبين، وفي مقدمتها دفع الرواتب بانتظام. "لا تزال
هناك أندية تتأهل لبطولات الأندية الإفريقية، لكنها لا تدفع رواتب لاعبيها"،
يقول ماساسينج، وهو ما يعكس حجم الخلل.
- علاوة على ذلك، شدد على ضرورة فرض ثقافة الاحتراف في التعامل مع المنافسين والشركاء
- التجاريين، ووضع حد للممارسات غير المسؤولة مثل إغلاق الملاعب في وجه الفرق الزائرة أو إلغاء
- مباريات مذاعة تلفزيونيًا لأسباب غير مقنعة. فغياب المصداقية والاتساق يطرد الاستثمار الإعلامي
- والرعاة، ويقوض أي محاولة لبناء منتج رياضي مستدام.
في الختام
دق ناقوس الخطر الذي قرعته نتائج مونديال الأندية بقوة. لقد أثبت أن النجاح القاري لا يكفي للمنافسة عالميًا، وأن الطريق نحو القمة يتطلب ثورة حقيقية تبدأ من القاعدة: ببناء دوريات قوية، وبنية تحتية سليمة، ومنظومة احترافية تحترم اللاعبين وتجذب الاستثمار، وقادرة على الاحتفاظ بكنوزها البشرية. فهل يستجيب صناع القرار في إفريقيا لهذا النداء قبل أن تتسع الفجوة أكثر؟