recent
أخبار ساخنة

**روبرت ريدفورد: أيقونة هوليوود المتعددة المواهب بين التمثيل، الإخراج، والالتزام السياسي**

 

**روبرت ريدفورد: أيقونة هوليوود المتعددة المواهب بين التمثيل، الإخراج، والالتزام السياسي**

 

خلف ملامحه الهادئةوصوته الرصين، يتربع روبرت ريدفورد، الذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز 89 عامًا، كأحد أبرز وجوه الشاشة الأمريكية وأكثرها تعبيرًا عن صراع القيم والتحديات الإنسانية. لم يكن ريدفورد مجرد ممثل أو مخرج، بل كان مشروعًا فنيًا وثقافيًا متكاملًا، يمزج بين الشغف بالسينما، الالتزام الأخلاقي، والرؤية السياسية العميقة.

خلف ملامحه الهادئة وصوته الرصين، يتربع روبرت ريدفورد، الذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز 89 عامًا، كأحد أبرز وجوه الشاشة الأمريكية وأكثرها تعبيرًا عن صراع القيم والتحديات الإنسانية. لم يكن ريدفورد مجرد ممثل أو مخرج، بل كان مشروعًا فنيًا وثقافيًا متكاملًا، يمزج بين الشغف بالسينما، الالتزام الأخلاقي، والرؤية السياسية العميقة.
**روبرت ريدفورد: أيقونة هوليوود المتعددة المواهب بين التمثيل، الإخراج، والالتزام السياسي**


**روبرت ريدفورد: أيقونة هوليوود المتعددة المواهب بين التمثيل، الإخراج، والالتزام السياسي**


**بدايات نجم صاعد التكوين واللحظات الفارقة**

 

بدأت إطلالات روبرتريدفورد التمثيلية في مطلع الستينيات، ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يجد نفسه يحتك بكبار نجوم وصناع هوليوود، فارضًا حضوره المميز بهدوء وثقة. بفضل وسامته الكلاسيكية الساحرة وحضوره الكاريزماتي الطاغي، استطاع ريدفورد أن يعبر ببراعة أكثر من نصف قرن من تاريخ السينما الأمريكية، حاملًا معه مشروعًا فنيًا طويل الأمد.

  •  هذا المشروع لم يقتصر على الأداء التمثيلي المتميز والطموح الإخراجي، بل تشابك معه موقف
  •  سياسي راسخ والتزام ثقافي عميق. لم يكن مشروعه مؤطرًا بأدلجة جاهزة، بل كان مدفوعًا بحس
  •  إنساني مرهف، مستلهمًا من الطبيعة التي جعلها أفقًا أخلاقيًا وجماليًا لتجربته الفنية والإنسانية بأكملها.

 

ثلاثة أفلام محورية شكلت بداية ريدفورد وكرسته كنجم صاعد

1.  **"المطاردة" (The Chase) للمخرج آرثر بن (1966):** حيث وقف ريدفورد إلى جانب عمالقة مثل مارلون براندو، جين فوندا، وأنجي ديكنسون، مقدمًا أداءً لفت الأنظار.

2.  **"بوتش كاسيدي وساندانس كيد" (Butch Cassidy and the Sundance Kid) (1969):** كان هذا هو التعاون الأول مع المخرج جورج روي هيل، ومنح ريدفورد دفعة قوية، ووضعه في ثنائية سينمائية شهيرة لا تُنسى مع النجم بول نيومان.

3.  **"اللسعة" (The Sting) (1973):** جاءت النقلة النوعية التي رسخت مكانته كوجه أساسي في هوليوود مع هذا الفيلم، الذي كان ثاني شراكاته مع روي هيل. جسّد ريدفورد شخصية "جوني هوكر"، المحتال الذكي في قلب نيويورك الثلاثينيات، ضمن حبكة متقاطعة بين الخدعة والانتقام. حصد الفيلم سبع جوائز أوسكار، وأصبح لاحقًا جزءًا لا يتجزأ من الأرشيف الوطني الأمريكي، مؤكدًا على قيمته الفنية والثقافية.

 

**البحث عن الأصالة التحدي والالتزام**

 

منذ بداياته، أظهرريدفورد استعدادًا للتضحية من أجل ما يؤمن به، رافضًا الانجراف وراء بريق الشهرة السطحي. فيلم **"جيريميا جونسون" (Jeremiah Johnson) لسيدني بولاك (1972)**، كان بمثابة ساحة اختبار حقيقية لقدرته على الصمود في وجه الظروف القاسية، جسديًا ونفسيًا.

  1.  جسّد ريدفورد دور جندي سابق قرر الهرب إلى الطبيعة والعيش في أحضانها. كانت هذه إحدى
  2. التجارب السينمائية التي جعلته يدرك أن حياة الممثل لا تقتصر على المجد الباطل والجوائز والسجاد
  3.  الأحمر، بل هي سلسلة من التحديات المتواصلة نحو التجديد والارتقاء.

 في هذا الوسترن غير التقليدي، الذي أحدث قطيعة مع ثوابت هذا النوع السينمائي، أدى ريدفورد دورًا شبه صامت، أراد من خلاله تشكيل صورة أخرى عن أمريكا، أكثر عمقًا وأصالة، بعيدًا عن الأنماط النمطية.

 

**وعي سياسي وفني فيتنام وتشكيل الرؤية**

 

ينتمي روبرت ريدفورد إلى جيل شكّلت حرب فيتنام وعيه السياسي بشكل عميق. في إحدى المقابلات، يتذكر قائلًا: "عندما كنت شابًا، لم أكن ناضجًا فكريًا، لكن عندما أصبحت مراهقًا، اندلعت حرب فيتنام... عندها أدركت الدور الذي يمكن أن يؤديه الفن على صعيد المجتمع. لم أكن أفكر في السياسة حتى زرت أوروبا.

  •  بالنسبة إليّ، كانوا مجرد رجال مملين يرتدون البدل، لكن عندما وصلت إلى أوروبا، بدأت أفهم
  •  السياسة أكثر وأفهم الطبيعة البشرية، وعندما عدت أصبحتُ شديد الانتقاد لسياسات بلدي". هذا الوعي
  •  المبكر غذى مشروعه الفني بمنظور نقدي والتزام تجاه قضايا مجتمعه.

 

**ثنائية لا تُنسى ريدفورد وسيدني بولاك**

 

انطلاقًا من هذا الوعي، يصعب تناول مسيرة ريدفورد دون الحديث عن تعاونه المثمر مع المخرج سيدني بولاك (1934 - 2008)، الذي يُعد أهم تعاون في مسيرته الفنية مع مخرج. نشأت بينهما صداقة قوية بعد أن جمعهما فيلم مستقل في بداياتهما. معًا، شكّلا واحدة من أكثر الثنائيات تأثيرًا في سينما السبعينيات والثمانينيات، وأثمرت عن سبعة أفلام بين عامي 1966 و1990. تجاوزت العلاقة بينهما مجرد التعاون المهني لتصبح شراكة فكرية ذات نكهة أخلاقية مميزة.

 

  1. بدأ هذا التعاون بفيلم **"هذا العقار مغلق" (This Property Is Condemned) (1966)**، الذي
  2.  حملنا إلى زمن الكساد الكبير في أمريكا الثلاثينيات، مصورًا قصة شابة حالمة (ناتالي وود) تسعى
  3.  للهروب من واقعها البائس.

 

تلاه فيلم **"كما كنا" (The Way We Were) (1973)**، حيث لعب ريدفورد إلى جانب باربرا سترايسند دور الحبيب اللامبالي وسط علاقة حب تتخللها التوترات السياسية والطبقية، والخلفية المتداخلة للحرب المكارثية والصراعات الأيديولوجية.

 

ثم جاء **"أيام كوندور الثلاثة" (Three Days of the Condor) (1975)** مع فاي داناواي، وهو فيلم إثارة سياسي تحول إلى مرآة للواقع الأمريكي في عصر النفط والاستخبارات. ريدفورد هنا موظف صغير في جهاز كبير، يكتشف بالصدفة مؤامرة تفوق قدرته، لكنه يصرّ على فضحها عبر الصحافة، متحديًا آلة السلطة.

 

أما في **"الفارس الكهربائي" (The Electric Horseman) (1979)**، فيظهر ريدفورد بدور رياضي متقاعد يفضح الفساد المستشري. السيناريو بسيط ظاهريًا، لكنه يخفي تحليلًا عميقًا لانهيار القيم في المجتمع المعاصر. كان بولاك في تلك المرحلة ينجز أفلامًا عن أمريكا من موقع الحرص والنقد لا من موقع العداء.

 

ثم جاء **"خارج أفريقيا" (Out of Africa) (1985)**، النقطة الأعلى في تعاونهما، حيث تم تحويل قصة حب غير متوقعة بين ثرية دانماركية (ميريل ستريب) ومغامر بريطاني (ردفورد) في كينيا الاستعمارية إلى تأمل سينمائي في صدام الثقافات والعزلة والتضحية. حقق الفيلم إيرادات عالية، تجاوزت كل ما حققته أفلامهما السابقة معًا، ونال سبعة جوائز أوسكار من بينها أفضل فيلم.

 

أما ختام شراكتهما، فكان **"هافانا" (Havana) (1990)**، الذي يحمل عبق الحنين إلى كوبا في فترة الثورة، حيث تتداخل السياسة مع المشاعر في تركيبة حيوية.

 

عن تجربته مع بولاك، قال ريدفورد: "جمعتنا علاقة سينمائية رائعة أعوامًا طويلة، بدأت عام 1960 واستمرت حتى عام 1990. كانت تجربة تعاونية، كان سيدني المخرج وأنا الممثل، ولكن خلف الكواليس كنا نعمل معًا على السيناريو، كما أننا ربينا أطفالنا معًا. أخذنا على عاتقنا مشاريع صعبة جدًا، كثيرًا ما عرف سيدني كيف يجمع عناصر الفيلم كلها، وهذا ما منحني حرية الأداء، وثقت به جدًا، إذ كان هناك راحة وثقة وولاء من كلا الجانبين".

 

**السينما كأداة للالتزام "كل رجال الرئيس"**

 

بلغ التماهي بين السينما والالتزام السياسي ذروته مع فيلم **"كل رجال الرئيس" (All the President's Men) (1976) للمخرج آلان جيه باكولا**. يُعد هذا الفيلم أحد أهم الأفلام السياسية في السبعينيات، وقد أعاد تمثيل لحظة مفصلية في التاريخ الأمريكي: فضيحة ووترغيت، انطلاقًا من سرد لقصة تحقيق صحفي استقصائي.

  1.  أصبح الفيلم بيانًا حيًا لفكرة الدفاع عن الحقيقة، وجذب في نهاية مشواره داخل الصالات أكثر من 33
  2.  مليون مشاهد. أدى فيه ريدفورد دور الصحفي بوب وودوارد الذي فجر قضية ووترغيت مع زميله
  3.  كارل برنستين (داستن هوفمان)، ليقدم درسًا سينمائيًا في قوة الصحافة الاستقصائية.

 

**خلف الكاميرا "ساندانس" ومشروع الإخراج**

 

الأثر الحقيقي لروبرت ريدفورد بدءًا من مطلع الثمانينيات لم يكن مقتصرًا على دوره أمام الكاميرا، بل تجاوز ذلك إلى ما خلفها. كان تأسيسه لمعهد "ساندانس" (Sundance Institute)، الذي تحول لاحقًا إلى مهرجان "ساندانس" السينمائي الشهير (ويأتي الاسم من الشخصية التي أداها في فيلم جورج روي هيل)، خطوة رائدة جعلت منه أحد أبرز الداعمين للسينما المستقلة في أمريكا. فتح المعهد المجال لأصوات بديلة خارج آليات الإنتاج الهوليوودي الضخمة، مؤمنًا بأن الفن لا يُختصر في الاستوديوهات الضخمة.

 

  • بدءًا من هذه الفترة أيضًا، انطلقت مسيرته كمخرج، وقدّم طوال أربعة عقود تسعة أفلام روائية طويلة.
  •  كان أولها **"أناس عاديون" (Ordinary People) (1980)**، الذي فاز عنه بجائزة الأوسكار
  •  لأفضل مخرج وأفضل فيلم، وذلك منذ تجربته الإخراجية الأولى. تناول الفيلم الحالة النفسية لعائلة
  •  بورجوازية بعد فقدان ابنها، كاشفًا عن اهتمامه العميق بالشرط الإنساني.

 

منذ البداية، أظهر ريدفورد اهتمامه العميق بالشرط الإنساني: الفقد، التصدع، العزلة، والبحث عن الحقيقة، مما انعكس على رؤيته الإخراجية. في **"النهر يجري من خلاله" (A River Runs Through It) (1992)**، فتح الباب أمام نجم صاعد هو براد بيت، مقدمًا قصة مؤثرة عن الروابط العائلية والطبيعة. وفي **"هامس الخيول" (The Horse Whisperer) (1998)**، قدّم معالجة شاعرية لعلاقة الإنسان بالطبيعة، حيث وقف خلف الكاميرا وقبالتها إلى جانب كريستين سكوت توماس.

 

يمكن القول إن تجربتهالإخراجية كانت انتقائية، لكنها اتسمت دومًا برهافة حس وصدق شعوري واضح، بحث من خلالها عن الأصالة والقضايا الإنسانية العميقة، لكن النجاح التجاري كان أيضًا على الموعد. على الرغم من أدائه اللافت في عدد كبير من الأدوار الخالدة، لم يُتوَّج ريدفورد بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل. إلا أن الأكاديمية سعت إلى تدارك هذا الغياب، فمنحته في عام 2002 جائزة أوسكار فخرية عن مجمل أعماله، في خطوة تعويضية أشبه باعتراف بمكانته وتأثيره الكبير في السينما الأمريكية، ولا سيما المستقلة منها.

 

**خاتمة**

 

لقد ترك روبرت ريدفورد إرثًا سينمائيًا وثقافيًا لا يمحى، كفنان جمع بين الموهبة الفذة، النزاهة الفكرية، والالتزام بقضايا مجتمعه. سيظل اسمه محفورًا في ذاكرة السينما ليس فقط كوجه وسيم أو ممثل موهوب، بل كصانع سينما حقيقي، ومؤسس رؤيوي دعم الأجيال الجديدة، ورجل آمن بقوة الفن في تغيير العالم.

**روبرت ريدفورد: أيقونة هوليوود المتعددة المواهب بين التمثيل، الإخراج، والالتزام السياسي**


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent