## بين عالمين: سماسرة الأرواح في سويسرا – حقيقة الدعم أم براعة الاحتيال؟
في قلب جبال الألب الساحرة، حيث تتراقص الثلوج على القمم الشاهقة وتتهادى الأجراس في وديانها
الخضراء، تتجلى ظاهرة اجتماعية تثير الجدل وتستقطب الاهتمام: سماسرة الأرواح. هؤلاء
الوسطاء الروحانيون، الذين يزعمون القدرة على التواصل مع عالم الأموات، يجدون في
سويسرا أرضًا خصبة لانتشارهم، مدفوعين بشوق الناس إلى أحبائهم الراحلين،
وتساؤلاتهم العميقة حول الحياة بعد الموت.
سماسرة الأرواح في سويسرا |
لا يقتصر وجود هؤلاء
الوسطاء على الأطراف المهمشة من المجتمع؛ بل يمتد ليشمل شرائح متنوعة، بما في ذلك
المتعلمين وأصحاب المناصب الرفيعة، الذين يجدون في خدماتهم متنفسًا لأحزانهم
ونافذة على عالم غامض. فهل هؤلاء السماسرة الروحانيون هم بالفعل قنوات حقيقية
للتواصل مع الأرواح، يقدمون الدعم العاطفي للمفجوعين، أم أنهم مجرد محتالين
بارعين، يستغلون ضعف الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية؟
**الوساطة الروحية مهنة نبيلة أم تجارة رابحة؟**
يزعم سماسرة الأرواح أن
مهنتهم ذات أهداف سامية، تسعى إلى ربط عالمنا المادي بعالم الأرواح، وتقديم العزاء للمنكوبين، وتيسير عملية الوداع لأولئك الذين لم يتمكنوا من ذلك في الحياة. يصورون
أنفسهم كقنوات طاهرة، تستقبل رسائل من الأحباء الراحلين، وتنقلها بأمانة إلى ذويهم،
مما يخفف من وطأة الفقد ويضفي معنى على تجربة الموت.
- لكن، في المقابل، تتعالى أصوات المنتقدين
- الذين يرون في الوساطة الروحية مجرد ضرب من الدجل
- يستند إلى التلاعب النفسي والاستغلال العاطفي.
- يتهمون هؤلاء السماسرة بالاحتيال على قلوب الناس المكلومة
- واستغلال خوفهم وحزنهم لتحقيق أرباح طائلة.
- يشيرون إلى أن غياب الأدلة العلمية
- التي تثبت صحة التواصل مع الأرواح
- يجعل من هذه المهنة مجرد عملية خداع منظمة
- تهدف إلى استنزاف أموال الضحايا.
**شهادات من عالم الأرواح تجارب حقيقية أم أوهام مُتقنة؟**
سيلفيا، امرأة سويسرية
تبلغ من العمر خمسين عامًا، كانت تعمل سابقًا كوسيطة روحانية في زيورخ. تصف سيلفيا
قدرتها على رؤية وسماع وشعور وحتى شم رائحة الموتى. تقول: "التواصل مع
الأرواح يمكن أن يكون مفيدًا جدًا للأشخاص الذين لم يتمكنوا من توديع أحبائهم بشكل
صحيح. يمنحهم الفرصة لقول ما لم يُقال، ولإيجاد السلام في نهاية المطاف". ومع
ذلك، توقفت سيلفيا عن ممارسة هذه المهنة، معللة ذلك بعدم قدرتها على تحمل الضغط
العاطفي الذي تفرضه، والحاجة المستمرة إلى الحضور الذهني والروحاني.
- في المقابل، تبرز دوللي روشلي، البالغة من العمر 43 عامًا
- كأحد أشهر سماسرة الأرواح في سويسرا.
- اكتشفت دوللي موهبتها في سن مبكرة
- عندما رأت جدها المتوفى وهي تلعب في غرفة الأطفال.
- مع مرور الوقت، أصبحت دوللي ترى الأرواح في كل مكان
- في المطاعم والقطارات والمكاتب
- مما
جعلها تشعر وكأنها تعيش في فيلم رعب.
تحكي دوللي في كتابها "مرحبًا،
ما وراء الحدود"، كيف تعلمت التحكم في قدراتها، وكيف التحقت بكلية آرثر
فيندلاي في بريطانيا، وهي مؤسسة مرموقة تدرب سماسرة الأرواح من جميع أنحاء العالم.
هناك، اكتسبت دوللي المهارات اللازمة للتواصل مع الأرواح بشكل فعال، وكيفية إدارة
عملية الاتصال والتوقف عنها عند الحاجة. تتقاضى دوللي 170 يورو في الساعة مقابل
جلساتها، وتقدم الدعم والتوجيه للعملاء الذين يبحثون عن التواصل مع أحبائهم
الراحلين، أو الحصول على إجابات لأسئلتهم المتعلقة بالماضي والحياة بعد الموت.
**منطق العقل في مواجهة عالم الغيب هل من سبيل للتحقق؟**
يثير الحديث عن التواصل
مع الأرواح تساؤلات جوهرية حول طبيعة الوعي والموت والحياة الآخرة. فهل يمكن للعقل البشري أن يتجاوز حدود الزمان والمكان، وأن يتصل بعوالم أخرى غير مرئية؟ وهل يمكن
الاعتماد على شهادات سماسرة الأرواح كدليل قاطع على وجود حياة بعد الموت؟
- يرى العلماء والمفكرون الماديون
- أن الوعي هو نتاج للعمليات الفيزيائية والكيميائية
- التي تحدث في الدماغ
- وأن الموت يمثل نهاية هذه العمليات
- وبالتالي نهاية الوعي. في هذا السياق
- يعتبرون التواصل مع الأرواح مجرد وهم أو هلوسة
- ناتجة عن خلل في وظائف الدماغ أو عن التلاعب
النفسي.
بالمقابل، يؤمن البعض
الآخر بوجود بعد روحي للوجود، وأن الوعي يمكن أن يستمر بعد الموت، وأن التواصل مع
الأرواح ممكن من خلال قنوات معينة. يستندون في ذلك إلى تجارب شخصية، أو إلى
معتقدات دينية وفلسفية، أو إلى أبحاث علمية مثيرة للجدل، تدرس الظواهر النفسية غير
العادية، مثل التخاطر والاستبصار.
**الاحتيال الروحاني أساليب التلاعب وكيفية الوقاية**
بغض النظر عن الاعتقاد
بصحة التواصل مع الأرواح من عدمه، لا يمكن إنكار وجود حالات احتيال روحاني، يستغل
فيها المحتالون ضعف الآخرين لتحقيق مكاسب مالية. يعتمد هؤلاء المحتالون على مجموعة
من الأساليب النفسية والتكتيكات الخادعة، لإقناع الضحايا بصحة ادعاءاتهم.
من بين هذه الأساليب
- * **القراءة الباردة:** وهي تقنية تستخدم فيها الملاحظة الدقيقة والأسئلة الذكية، للحصول على معلومات حول الضحية دون أن تدرك ذلك.
- * **العبارات العامة:** وهي استخدام عبارات غامضة يمكن أن تنطبق على أي شخص، مثل "لديك مشاكل في علاقاتك العاطفية" أو "تشعر بالقلق بشأن مستقبلك".
- * **التلاعب بالعواطف:** وهو استغلال حزن الضحية وشوقها إلى أحبائها الراحلين، لخلق شعور بالتعاطف والثقة.
- * **الوعود الكاذبة:** وهي تقديم وعود بتحقيق المعجزات أو حل المشاكل المستعصية، مقابل مبالغ مالية كبيرة.
لتجنب الوقوع ضحية للاحتيال الروحاني، ينصح الخبراء باتباع الإرشادات التالية
- * **كن متشككًا:** لا تصدق أي شيء دون دليل قاطع، وحاول التحقق من صحة الادعاءات من مصادر موثوقة.
- * **لا تكشف عن معلومات شخصية:** لا تعطِ أي معلومات حساسة للمحتال، فقد يستخدمها ضدك لاحقًا.
- * **لا تدفع مبالغ مالية كبيرة:** لا تثق بأي شخص يطلب منك دفع مبالغ كبيرة مقابل خدمات روحية.
- * **استشر متخصصًا:** إذا كنت تعاني من الحزن أو الاكتئاب، فمن الأفضل استشارة طبيب نفسي أو معالج متخصص.
**خلاصة**
في الختام
يبقى موضوع
سماسرة الأرواح في سويسرا، وفي غيرها من بلدان العالم، محط جدل ونقاش مستمر. فبين
المؤمنين بقدرتهم على التواصل مع الأرواح، والرافضين لهذه الفكرة، يبقى من الضروريالتفكير النقدي والتحلي بالوعي والحذر، لتمييز الحقيقة من الوهم، والدعم من الاستغلال.
إن البحث عن العزاء والسلام الداخلي، يجب أن يتم من خلال قنوات سليمة، تعتمد على
العلم والعقل والمنطق، وليس على الخرافة والدجل والخداع. ففي عالم مليء بالتحديات
والصعوبات، تبقى الحاجة إلى التفكير العقلاني والتمييز بين الصدق والكذب، هي
السلاح الأقوى لمواجهة التحديات وتحقيق السعادة والرضا.