جواز المخرجة ايناس الدغيدى من الاعلامية هالة سرحان

 

### **زوجان لامرأة واحدة: تقليد هندي قديم يثير الجدل في العصر الحديث**

 

في قرية نائية تقع في أحضان جبال الهيمالاياالشاهقة، وتحديداً في ولاية هيماشال براديش الهندية، أُقيم حفل زفاف أثار عاصفة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، وأعاد إلى الأضواء تقليداً اجتماعياً ظن الكثيرون أنه قد اندثر مع رياح الحداثة.

### **زوجان لامرأة واحدة: تقليد هندي قديم يثير الجدل في العصر الحديث**

### **زوجان لامرأة واحدة: تقليد هندي قديم يثير الجدل في العصر الحديث**

•  لم يكن العريس واحداً، بل شقيقين، براديب وكابيل نيغي، اللذين عقدا قرانهما على عروس واحدة في
•  احتفال تقليدي حضره المئات من أفراد قريتهما "شيلاي". هذه الواقعة ليست مجرد خبر غريب، بل
•  هي نافذة تطل على عالم معقد من التقاليد المتجذرة، والضغوط الاقتصادية، والصراع بين الماضي
•  والحاضر في الهند المعاصرة.

**تفاصيل الواقعة فخر بالتقليد في مواجهة الاستغراب**

 

عندما انتشرت صور حفل الزفاف، التي تظهر العروس بجانب زوجيها الشقيقين، عبر الإنترنت، قوبلت بمزيج من الدهشة والاستنكار والسخرية. لكن بالنسبة لعائلة "نيغي" ومجتمع "هاتي" الذي ينتمون إليه، لم يكن الأمر سوى ممارسة طبيعية لعادة توارثوها عن أجدادهم. صرح براديب نيغي لوكالة أنباء محلية بفخر واضح: "كنا ببساطة نتبع تقليداً نفخر به". وأضاف شقيقه كابيل، مؤكداً على التزامهما المشترك: "سنوفر الدعم والاستقرار والحب لزوجتنا".

 

• حظي الزواج بمباركة العائلتين، وهو ما يؤكد أن هذه الممارسة، المعروفة بـ "تعدد الأزواج الأخوي"
•  (Fraternal Polyandry)، لا تزال مقبولة ومُمارسة في جيوب معزولة من شمال الهند، على
•  الرغم من أنها غير قانونية بشكل صريح بموجب القانون الهندي الحديث.

 

**الجذور الأسطورية والاقتصادية لتعدد الأزواج**

 

لفهم سبب استمرار مثل هذا التقليد، يجب الغوص في أعماق الثقافة والتاريخ الهندي. تستمد هذه الممارسة شرعيتها الثقافية من واحدة من أعظم الملاحم الهندوسية، "المهابهاراتا". في هذه الملحمة، تتزوج البطلة "دروبادي" من الإخوة الخمسة المعروفين بـ "الباند افا".

1.  تروي الأسطورة أن والدتهم، كونتي، طلبت منهم أن يتقاسموا ما أحضروه إلى المنزل دون أن تعلم
2.  أنهم فازوا بيد دروبادي في مسابقة، وبسبب قدسية كلمة الأم، تزوجها الإخوة الخمسة جميعاً. هذه
3.  القصة الأسطورية توفر غطاءً دينياً وثقافياً قوياً يبرر هذه الممارسة في أذهان المجتمعات التي تتبعها.

 

لكن وراء الأسطورة، تكمن دوافع اجتماعية واقتصادية عميقة وواقعية، كانت هي المحرك الأساسي لاستمرار هذا التقليد لقرون. في المناطق الجبلية الوعرة مثل هيماشال براديش، حيث الأراضي الزراعية شحيحة وثمينة، كان تعدد الأزواج الأخوي حلاً عملياً لمنع تفتيت ممتلكات العائلة.

 فبدلاً من تقسيم قطعة الأرض الصغيرة بين الإخوة عند زواج كل منهم وتأسيس أسرة منفصلة، يضمن زواجهم من امرأة واحدة بقاء الأرض والموارد ضمن وحدة عائلية واحدة، مما يعزز استقرارها الاقتصادي وقدرتها على البقاء في بيئة قاسية.

 

• علاوة على ذلك، في المجتمعات التي تعتمد على مزيج من الزراعة والرعي والعمل المهاجر، كان
•  وجود عدة أزواج يوفر شبكة أمان اقتصادية. يمكن لأحد الإخوة أن يبقى في القرية لرعاية الأرض
•  والأسرة، بينما يسافر الآخر للعمل في المدن أو في مهن أخرى، مما يضمن تدفق دخل مستمر للعائلة.

 

**الصراع بين القانون والتقاليد**

 

على الرغم من هذه الجذور العميقة، يقف هذا التقليد في مواجهة مباشرة مع القانون الهندي الحديث. قانون الزواج الهندوسي لعام 1955، الذي يحكم الأحوال الشخصية للغالبية العظمى من سكان الهند، ينص صراحة على أن الزواج هو علاقة أحادية (Monogamy)، ويجرّم تعدد الزوجات وتعدد الأزواج على حد سواء. من الناحية القانونية، يعتبر زواج براديب وكابيل نيغي باطلاً، ولا يتمتع بأي حماية أو اعتراف من الدولة.

 

1. ومع ذلك، في المناطق النائية حيث تأثير الدولة ضعيف والأعراف المحلية هي القانون السائد، غالباً ما
2.  يتم التغاضي عن هذه الممارسات. يقول هارشواردهان سينغ تشوهان، وهو نائب محلي، إن "تعدد
3.  الأزواج كان شائعاً في الأجيال السابقة ثم أصبح نادراً، لكنه لا يزال يمارس بين أفراد هاتي".
4.  وبحسب تقارير صحفية محلية، شهدت منطقة شيلاي وحدها خمس زيجات مماثلة خلال العام
5.  الماضي، مما يشير إلى أن الظاهرة، وإن كانت في تراجع، لم تختفِ بالكامل.

 

**تحديات الحداثة ومستقبل التقليد**

 

اليوم، يواجه هذا التقليد ضغوطاً متزايدة من عوامل الحداثة. انتشار التعليم، وزيادة الوعي بحقوق المرأة، وتغلغل وسائل الإعلام التي تروج لنمط الأسرة النووية، كلها عوامل تساهم في تآكل هذه الممارسة. الأجيال الشابة، وخاصة النساء، أصبحت أكثر ميلاً لرفض هذه الزيجات، باحثين عن علاقات زوجية أكثر استقلالية وخصوصية.

 

• كما أن التحولات الاقتصادية قللت من أهمية الحجة الرئيسية وراء هذا التقليد. مع توفر فرص عمل
•  جديدة خارج نطاق الزراعة، لم يعد الحفاظ على الأراضي العائلية بنفس الأهمية المصيرية التي كان
•  عليها في الماضي. بدأ الشباب يهاجرون إلى المدن بشكل دائم، ويندمجون في أنماط حياة مختلفة، مما
•  يضعف ارتباطهم بالتقاليد القديمة.

 

ومع ذلك، فإن قصة الأخوين نيغي تذكرنا بأن التغيير الاجتماعي ليس عملية خطية أو سريعة. في المجتمعات التي تشعر بالتهديد من العولمة وفقدان الهوية، يمكن أن يصبح التمسك بالتقاليد القديمة، حتى تلك التي تبدو غريبة للعالم الخارجي، وسيلة لتأكيد الذات والحفاظ على التراث.

 

**فى الختام**

 

إن زواج شقيقين من امرأة واحدة في الهند هو أكثر من مجرد قصة طريفة تثير الفضول. إنه دراسة حالة حية ومعقدة للصراع الدائم بين القديم والجديد، بين العرف والقانون، وبين الضرورات الاقتصادية والتطلعات الفردية. إنه يسلط الضوء على التنوع المذهل للممارسات الاجتماعية في شبه القارة الهندية، ويظهر كيف يمكن للتقاليد المتجذرة في الأساطير والواقع الاقتصادي الصعب أن تستمر في البقاء، متحديةً بذلك معايير الحداثة والقانون.

 وبينما يتجه العالم نحو مزيد من التوحيد الثقافي، تظل مثل هذه القصص تذكيراً قوياً بأن جيوباً من العالم لا تزال تعيش وفق إيقاعها الخاص، محتفظةً بماضٍ حي يرفض أن يصبح مجرد ذكرى في كتب التاريخ.