خلف الأبواب المغلقة: رحلة في عالم الخوف من الانغلاق

 

خلف الأبواب المغلقة: رحلة في عالم الخوف من الانغلاق

يُصيبنا غالبًا شعورٌ غامض عند مُجرد التفكير في أبوابٍ مغلقةٍ، خاصة تلك التي لم نفتحها أو لم نُلقي نظرةً وراءها. فما الذي يُخفي هذا البابُ؟ ما الذي يُخفيه الظلامُ خلفه؟ تُصبح تلك الأسئلةُ صرخاتٍ داخليةٍ، تُغذي الخوفَ والفضولَ معًا.

في عالم النفس، يطلق على هذا الخوفِ اسم "كليثروفوبيا" (Cleithrophobia)، وهو رُهابٌ يُعرفُ بالخوفِ من الأبوابِ المغلقةِ أو المساحاتِ الضيقةِ، أو حتى الشعورِ بالانغلاقِ والحصرِ. قد يبدو هذا الخوفُ غريبًا للوهلةِ الأولى، لكنه في الواقعِ منتشرٌ أكثرَ مما نعتقدُ، ويؤثّرُ على حياةِ العديدِ من الأشخاصِ بشكلٍ ملحوظٍ.


خلف الأبواب المغلقة: رحلة في عالم الخوف من الانغلاق

خلف الأبواب المغلقة: رحلة في عالم الخوف من الانغلاق




 

مُسبّبات الخوف من الأبواب المغلقة

تُعدّ مُسبّباتُ هذا الخوفِ متنوعةً، وتختلفُ من شخصٍ لآخر،

 

1. الأسباب الوراثية:

قد يكونُ الخوفُ من الأبوابِ المغلقةِ مُتوارثًا، فالعديدُ من الدراساتِ يُشيرُ إلى أنّ الأشخاصَ الذين يعانونَ من مخاوفَ مُحدّدةٍ، مثل الخوفِ من الأماكنِ المُغلقةِ، قد ورثوا هذا الخوفَ من آبائهمِ أو أجدادهمِ.

 

2. الخبرات السلبية:

تُلعبُ الخبراتُ السلبيةُ دورًا هامًا في تكوينِ الرُهابِ. فقد يتعرّضُ الأشخاصُ لحوادثٍ أو مواقفَ مُخيفةٍ مرتبطةٍ بالأبوابِ المغلقةِ، مثل:

 

الحبسُ أو القَفلُ في مكانٍ مُغلقٍ: تُعتبرُ تجربةُ الحبسِ أو القَفلِ في مكانٍ مُغلقٍ تجربةً مُخيفةً للغاية، وخاصةً بالنسبةِ للأطفالِ، فقد تترسّخُ هذهِ التجربةُ في الذاكرةِ وتُصبحُ مُسبّبًا للخوفِ من الأبوابِ المغلقةِ في المستقبلِ.

 

العنفُ أو الاعتداءُ في مكانٍ مغلقٍ: قد يتعرّضُ بعضُ الأشخاصِ للعنفِ أو الاعتداءِ في مكانٍ مُغلقٍ، مما يُسببُ لهمِ رهابًا من الأماكنِ المُغلقةِ، وخاصةً الأبوابِ المغلقةِ.

 

الخوفُ من الظلامِ: قد يُصابُ البعضُ بالخوفِ من الظلامِ، ويربطُونَ بينهِ وبين الأبوابِ المغلقةِ، حيثُ تُصبحُ هذهِ الأبوابُ بمثابةِ بوابةٍ للظلامِ والرعبِ.


 

 

3. الاضطراباتُ النفسيةُ:

تُعاني بعضُ الأشخاصِ من اضطراباتٍ نفسيةٍ، مثل اضطرابِ القلقِ العامِ أو اضطرابِ الوسواسِ القهريِ، مما يُؤثرُ على سلوكهمِ تجاهَ الأبوابِ المغلقةِ.

 

4. العواملُ الثقافيةُ:

تلعبُ العواملُ الثقافيةُ دورًا في تشكيلِ نظرةِ الأفرادِ إلى الأبوابِ المغلقةِ، فالبعضُ يُنظرُ إلى الأبوابِ المغلقةِ على أنّها رمزٌ للأمانِ والحمايةِ، بينما يُنظرُ إليها الآخرونَ على أنّها رمزٌ للخطرِ والانعزالِ.

 

 

أعراضُ الخوف من الأبواب المغلقة:

1-يُعاني الأشخاصُ المُصابونَ بكليثروفوبيا من مجموعةٍ من الأعراضِ، تتراوحُ بينَ الخوفِ الشديدِ والقلقِ والرعبِ، وتُصبحُ حياتهمُ صعبةً بسببَ هذا الخوفِ.

أبرزُ الأعراضِ:

 

2-الشعورُ بالخوفِ الشديدِ والقلقِ عند التواجدِ بالقربِ من الأبوابِ المغلقةِ: قد يُصبحُ الشخصُ مُتوتّرًا أو مُصابًا بالقلقِ عند التواجدِ بالقربِ من بابٍ مغلقٍ، حتى لو كانَ بابًا عاديًا في منزلهِ.

 

3-الابتعادُ عن الأماكنِ المُغلقةِ: قد يُحاولُ الشخصُ تجنّبَ الدخولِ إلى أيّ مكانٍ مُغلقٍ، مثل الغرفِ أو المصاعدِ أو حتى السياراتِ.

4-الشعورُ بالرعبِ عند غلقِ بابٍ خلفهِ: قد يُصابُ الشخصُ بالرعبِ عند غلقِ بابٍ خلفهِ، وخاصةً لو كانَ وحيدًا.

 

5-التعرّقُ والغثيانُ وضيقُ التنفسِ: تُعتبرُ هذهِ الأعراضُ جسديّةً، وتحدثُ بسببَ إفرازِ هرمونِ الكورتيزولِ، وهو هرمونُ التوترِ، عند الشعورِ بالخوفِ.

 

6-صعوبةُ التركيزِ والنومِ: يُؤثرُ الخوفُ على قدرةِ الشخصِ على التركيزِ والنومِ، حيثُ يُصبحُ مُشغولَ الذهنِ بالخوفِ.



 

مُواجهةُ الخوف من الأبواب المغلقة:

لا يُمكنُ تجاهُلُ هذا الخوفِ أو تجاهُلُ تأثيرهِ على حياةِ الشخصِ، لذا يُصبحُ من الضروريِ مُواجهتُهُ بطريقةٍ سليمةٍ، وربما من خلالِ مساعدةِ مختصٍّ في الصحةِ النفسيةِ.

 

 

أبرزُ خطواتِ مُواجهةِ الخوفِ:

1-التعرّفُ على مسبّباتِ الخوفِ: يُساعدُ فهمُ مسبّباتِ الخوفِ على تخطّيهِ، لذا ينبغي على الشخصِ محاولةَ استكشافِ العواملِ التي تُثيرُ خوفهِ من الأبوابِ المغلقةِ.

 

2-التعرّضُ المُدَرّجِ للخوفِ: تُعتبرُ هذهِ الطريقةُ من أفضلِ الطرقِ لمُواجهةِ الرُهابِ، وهي تُشملُ التعرّضَ التدريجيّ للخوفِ في بيئةٍ آمنةٍ، مثل بدءَ التعرّضِ لأبوابٍ مفتوحةٍ، ثمّ غلقِ بابٍ واحدٍ، ثمّ التدرّجُ إلى غلقِ أبوابٍ أكثرَ.

 

3-التقنياتُ الاسترخائيةُ: تُساعدُ التقنياتُ الاسترخائيةُ، مثل تقنياتُ التنفسِ العميقِ وتخيّلِ المشاهدِ الهادئةِ، على التخلّصِ من التوترِ والقلقِ.

 

4-العلاجُ السلوكيُ المعرفيُ (CBT): يُركزُ هذا العلاجُ على تغييرِ الأفكارِ السلبيةِ التي يُؤمنُ بها الشخصُ حولَ الأبوابِ المغلقةِ، واستبدالِها بأفكارٍ إيجابيةٍ واقعيةٍ.

5-العلاجُ الدوائيُ: في بعضِ الحالاتِ، قد يصفُ الطبيبُ أدويةً تُساعدُ على تخفيفِ أعراضِ القلقِ، مثل مثبّطاتِ امتصاصِ السيروتونينِ الانتقائيةِ (SSRIs) أو مثبّطاتِ أكسيديزِ مونوامينِ (MAOIs).

 

 

دورُ المحيطين:

لا يُمكنُ للشخصِ مُواجهةَ هذا الخوفِ بمفردهِ، لذا يُصبحُ دورُ المحيطينَ هامًا في دعمِهِ ومُساعدتِهِ.

 

 

أبرزُ الأدوارِ:

1-التفهّمُ والدعمُ: من المهمّ أن يُفهمَ الأشخاصُ المُحيطونَ بالشخصِ المُصابِ بكليثروفوبيا خوفهِ، وأن يُقدّموا لهِ الدعمَ والتشجيعَ.

 

2-تجنّبُ السخريةِ: قد تُؤدي السخريةُ من الخوفِ إلى تفاقمِهِ، لذا ينبغي على المحيطينَ تجنّبَ السخريةِ من الشخصِ.

 

3-المُشاركةُ في العلاجِ: يمكنُ للمحيطينَ مُشاركةَ الشخصِ في رحلةِ علاجهِ، من خلالِ المُساعدةِ في تحديدِ مسبّباتِ الخوفِ، أو مرافقتِهِ في جلساتِ العلاجِ.

 

 

الخوفُ من الانغلاقِ: ظاهرةٌ مُعقّدةٌ

لا ينبغي التقليلُ من شأنِ الخوفِ من الأبوابِ المغلقةِ، فهو يُؤثّرُ على حياةِ الشخصِ بشكلٍ كبيرٍ، وربما يُصبحُ عائقًا أمامَ تحقيقِ أهدافهِ.

أبرزُ التأثيراتِ:

 

الشعورُ بالانعزالِ: قد يُؤثّرُ هذا الخوفُ على حياةِ الشخصِ الاجتماعيةِ، حيثُ يُصبحُ مُتردّدًا في حضورِ المناسباتِ أو زيارةِ الأصدقاءِ.

 

القلقُ المستمرُ: قد يُصابُ الشخصُ بالقلقِ المستمرِ، وخاصةً عند التواجدِ في الأماكنِ المُغلقةِ أو عند غلقِ بابٍ خلفهِ.

 

الحدّ من النشاطاتِ: قد يجدُ الشخصُ صعوبةً في ممارسةِ بعضِ النشاطاتِ، مثل ركوبِ المصاعدِ أو السفرِ.

 

تأثيرُهُ على العملِ أو الدراسةِ: قد يُؤثرُ هذا الخوفُ على أداءِ الشخصِ في العملِ أو الدراسةِ، حيثُ يُصبحُ مُشغولَ الذهنِ بالخوفِ.

 

في الختام، يُعتبرُ الخوفُ من الأبوابِ المغلقةِ رهابًا مُعقّدًا، ويتطلّبُ مُواجهتُهُ الصبرَ والتحدّيَ. من خلالِ الفهمِ الجيدِ لمسبّباتِهِ وأعراضهِ، واختيارِ العلاجِ المناسبِ، يمكنُ للأشخاصِ المُصابينَ بكليثروفوبيا التخلّصَ من هذا الخوفِ وتحقيقَ حياةٍ أكثرَ راحةٍ وسعادةً.

Tamer Nabil Moussa

الزمان والمكان يتبدلان والفكر والدين يختلفان والحب واحد فى كل مكان /بقلمى انسان بسيط عايش فى هذا الزمان

إرسال تعليق

احترامى وحبى وتقديرى لمن يبادلنى نفس المشاعر والاحساس

أحدث أقدم

اعلان اول المقال

اعلان اخر المقال

نموذج الاتصال