قطرة قطرة
بدأت تتكشف تفاصيل المجزرة البشعة وجريمة الحرب التي ارتكبها جنود الاحتلال الأمريكي في بلدة الحديثة بالعراق في نوفمبر الماضي وقتل فيها24 ضحية, بينهم ستة أطفال وسبع نساء, وسط محاولات حثيثة من وزارة الدفاع الأمريكية للتغطية علي تفاصيل الجريمة وإيجاد أعذار لمرتكبيها من قبيل تعرضهم للضغط النفسي والغضب من مقتل أحد زملائهم وطول فترة الخدمة التي قضوها.
بدم بارد
وانعدام لأي شكل من أشكال الإنسانية أو التحضر المزعوم, انتقل جنود الاحتلال من مشاة البحرية( المارينز) من منزل الي منزل, يقتلون ساكنيها بغض النظر عن استغاثة الأمهات وصرخات الأطفال وتوسلات الآباء والعجائز. لم يلتفت جنود الاحتلال الي توسلات الأمهات الشهيدات اللاتي حاولن حماية ابنائهن الرضع بأجسادهن, فقتلوهم وقتلوا الرضع, وتم العثور علي جثة سيدتين في وضع يشبه السجود وأطفالهن بين أيديهن في محالة أخيرة لمنع قتل فلذات أكبادهن في ذلك اليوم المشئوم, كما قتل الجنود شيخا قعيدا علي كرسي متحركيبلغ من العمر76 عاما, وتم العثور علي جثته بعد أن مزقها الرصاص حتي خرجت احشاؤه من جروحه العديدة. وبناء علي التحقيق الأولي الذي قام به فريق تابع للمارينز والتقط خلاله30 صورة فوتوغرافية, فإن جثث الضحايا تؤكد أنهم تعرضوا لعملية إعدام, حيث ان الرصاصات اخترقت رؤوسهم وصدورهم فقط ومن مسافات قريبة, مما أدي الي خروج هذه الرصاصات من أجسادهم الطاهرة واختراقها للجدران.
البداية كانت
كانت بتفجير قنبلة وضعها أفراد المقاومة العراقية علي جانب الطريق في صباح يوم أسود في19 نوفمبر الماضي مما أدي الي مقتل جندي أمريكي يبلغ من العمر عشرين عاما وإصابة جنديين.وبعد لحظات بدأت تفاصيل المجزرة التي لاشك ان العراقيين يتعرضون لمثلها بشكل شبه يومي منذ بدء الاحتلال الأمريكي البغيض قبل مايزيد علي ثلاثة أعوام, وتعرض لها من قبلهم الفيتناميون والكمبوديون وآخرون من شعوب الدول التي اختارت الحكومات الأمريكية تحريرهم.وزاد من حجم الفضيحة المزرية محاولات قادة هؤلاء الجنود التغطية علي جريمتهم البشعة حتي أعلي المستويات في وزارة الدفاع التي يرأسها دونالد رامسفيلد, والزعم بأن القتلي العراقيين سقطوا نتيجة لتبادل في اطلاق النيران مع عناصر المقاومة, وبرغم ان قيادة الجيش الأمريكي في العراق قامت بدفع38 ألف دولار كتعويض لمقتل15 من الضحايا الـ24 بواقع2500 دولار لكل ضحية, فإن التحقيق والتهديد بملاحقة الجنود القتلة لم يبدأ عمليا الا بعد ان سلم مراسل مجلة التايم في بغداد شريط فيديو صوره أحد سكان المدينة من العراقيين للضحايا بعد قتلهم في نهاية فبراير الماضي,أي بعد وقوع المذبحة بنحو أربعة أشهر وحتي ذلك الحين تعاملت قيادة الجيش الأمريكي مع القتلة بكل رفق وتقدير, واعتبروا القتلي العراقيين خسائر جانبية غير متعمدةCollateralDamage.
ولكن صيحة الاعتراض
جاءت مدوية من النائب المخضرم في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي جون ميرثا الذي سبق له أن اثار جدلا واسعا نهاية العام الماضي عندما طالب للمرة الأولي بتحديد جدول زمني لسحب قوات الاحتلال من العراق. السيد ميرثا الذي تجاوز السبعين من العمر لم يعرف عنه يوما أنه من حمائم الديمقراطيين أو الليبراليين الأمريكيين الذين يعارضون الحروب في كل الأحوال, بل إنه من أكثر المؤيدين للقوات المسلحة الأمريكية وكان النائب الوحيد تقريبا الذي يحرص علي زيارة الجنود المصابين في الحرب والذين تجاوز عددهم حتي الآن ثمانية عشر ألفا بجانب نحو2500 قتيل,ولكنه عندما علم بتفاصيل المجزرة لم يستطع الصمت حرصا علي ماقال إنه سمعة الجيش الأمريكي ومعنويات الجنود, وقال بعبارات صريحة أن ماجري في الحديثة كان جريمة قتل بدم بارد, كما أعرب النائب عن استغرابه الشديد من إنه لم يتم تقديم أي جندي للمحاكمة حتي الأن وبرغم مضي ستة شهور علي وقوع المذبحة.
الجنود المتحضرون
افتتحوا المجزرة بعد مقتل زميلهم بتوقيف سيارة تاكسي كانت تحمل سائقها وأربعة طلاب في ريعان الشباب طلب جنود الاحتلال منهم النزول وبعد ذلك أفرغوا مالديهم من رصاص في أجسادهم بدون أي مبرر لم يشف ذلك غليل جنود الاحتلال ورغبتهم الانتقام لمقتل زميلهم, وانتقلوا بعد ذلك لعدة منازل مجاورة لموقع الحادث.ووفقا للتقارير العديدة التي نشرتها الصحف الأمريكية منذ تفجر الفضيحة, فإن عملية القتل استغرقت نحو أربع الي خمس ساعات. بل ان الجنود وفي محاولة واضحة للتغطية علي جريمتهم, أبلغوا قيادتهم علي مايبدو أنهم يتعرضون لهجوم وطلبوا المدد, فما كان إلا ان جاءت الطائرات الأمريكية الفتاكة علي عجل واسقطت قنابل زنتها500 رطل أو نحو200 كيلوجرام علي رءوس سكان مدينة الحديثة, ومما لاشك فيه أن ذلك السلوك من قبل جنود الاحتلال يدفع للتساؤل عن حجم المجازر المماثلة التي قاموا بارتكابها من دون أن يقودهم حظهم العاثر عن الكشف عن تفاصيلها.
كما يقول
المثل العربي الشهير فإن ماخفي كان أعظم. المتحدث باسم البيت الأبيض توني سنو كشف عن ان الرئيس بوش لم يتم اطلاعه علي الجريمة إلا في نهاية شهر فبراير الماضي وذلك بعد أن بدأت مجلة التايم التحقيق في الحادث وفي محاولة لحفظ ماء الوجه, صرح الرئيس بوش يوم الأربعاء الماضي إنه منزعج من التقارير التي وردته بشأن الحادث, ووعد بالتحقيق وإنزال العقوبة علي الجنود المسئولين في حالة ثبوت وقوع جريمة, وتوقعت وزارة الدفاع ان ينتهي التحقيق خلال أسبوعين في الوقت الذي بدأ فيه المسئولون في الادارة إطلاع أعضاء الكونجرس علي تفاصيل الفضيحةوذلك خشية تكرار رد الفعل السلبي الذي تلا الكشف عن جرائم التعذيب التي جرت في سجن أبوغريب ببغداد, والتي وصفها الرئيس بوش بأنها من أكبر الأخطاء التي ارتكبها جيش الاحتلال منذ غزو العراق,وبرغم تأكيد الرئيس الأمريكي علي أنه ستتم معاقبة المجرمين ممن ارتكبوا المجزرة ومن قاموا بالتستر عليها, فإن مسئولين في وزارة الدفاع بدأوا, كما هو متوقع في ترويج التقارير التي تشير الي صعوبة التحقيق الذي يجري الأن في ضوء مضي ستة أشهر علي وقوعها, الي جانب رفض أهالي الضحايا استخراج جثث أقاربهم لتشريحها
ولكن تبقي المشكلة الحقيقية
أن الرأي العام الأمريكي لايبدي ذلك الاهتمام الكافي بحرب العراق, كما أنه في ضوء المجازر التي ترتكب في العراق منذ بدء الاحتلال, ويسقط نتيجتها نحو أربعين ضحية كل يوم, فإن تقريرا آخر عن مقتل24 عراقيا لايبدو أنه سيقيم الدنيا ويقعدها, فالقتل ورؤية جثث العراقيين وهي تتكوم في السيارات النصف نقل دون أدني مراعاة أن هؤلاء بشر أيضا أصبح هو الأمر المعتاد والاستثناء هو الهدوء ولو لأيام معدودة, الرئيس بوش لايمل ولايكل عن التذكير بجرائم النظام العراقي السابق ومقابره الجماعية ولكن ماذا عن المقابر الجماعيةالتي قام بها جنوده بملئها منذ قراره بغزو واحتلال العراق من دون أي مبرر سوي أوهامه والأصوات التي قال انه كانت تأتيه من السماء لتأمره للقيام بهذه المغامرة التي يدفع ثمنها يوميا العشرات من العراقيين الأبرياء كما كان حال سكان مدينة الحديثة التعساء؟!