جواز المخرجة ايناس الدغيدى من الاعلامية هالة سرحان

 

 

## الدهشة: رحلة إلى حدود المجهول

 

تتخلل رحلة الإنسان عبر الزمن شغفٌ غامضٌ، يلهمه للبحث عن المعرفة، ويدفعه نحو حدود المجهول. إنه شغفٌ يزهر في لحظات الدهشة، حينما تواجهنا ظواهرٌ غريبةٌ، تُثير في دواخلنا مشاعرَ الفضول والرهبة في آنٍ واحد. 

## الدهشة: رحلة إلى حدود المجهول

  رحلة إلى حدود المجهول

ففي طريقنا عبر مساحاتٍ شاسعةٍ من اللاوعي، نصادف صُوراً غريبةً، وأفكارًا جديدةً، لا تنتمي إلى واقعنا المُعتاد. هذه الصُوَرُ تُثيرُ في نفوسنا شعورًا غامضًا بالدهشة، يُحركُ رغبتنا في فهمِها، والتعرف عليها، مهما كانت مخيفةً أو غير مألوفة.

 

ويمتدُّ هذا الشعورُ بالدهشة إلى مختلف مجالات الحياة،  من الطبيعة الساحرة إلى الفنون الرائعة، من التقنيات الحديثة إلى أعماقِ الفضاء.  فكلما واجهنا شيئًا جديدًا أو غريبًا، سُرعان ما تتملكنا الدهشة، وتهمسُ لنا: "استكشف، تعرف، افهم!"

 

ولكن كيف تتولد هذه الدهشة؟ وما هو سرّها الخفيّ الذي يُحرّكنا نحو المعرفة؟ 

 

إن الدهشة تُولد من لقاءٍ بين المعروف والمجهول. حينما تواجهنا ظاهرةٌ جديدةٌ، تُثيرُ في نفوسنا سلسلةً من الأسئلةِ والتساؤلاتِ، تُحاولُ فهمَها وتفسيرَها.  ففي كلّ مرةٍ نُحاولُ فهمَ شيءٍ جديد، نُعيدُ النظرَ في مفاهيمنا  ومعتقداتنا  القديمة، ونتحررُ من قيودِها، ونفتحُ عقولنا على آفاقٍ جديدة.

 

وقد تكون الدهشةُ نابعةً من التناقضِ بين الواقعِ والمُتوقعِ.  ففي بعض الأحيان، تواجهنا ظواهرٌ تخرقُ توقعاتنا،  وتُثبتُ لنا أن العالمَ أكثرَ تعقيدًا مما كنا نظنّه، وأنَّ ما اعتقدناهُ من قبل، قد يكونُ خاطئًا. 

 

وهناك أيضًا الدهشةُ الناتجةُ عن  الإدراكِ لجمالِ شيءٍ ما.  ففي بعض الأحيان،  نشعرُ بالدهشةِ حينما نرى  مناظرَ طبيعيةً خلابةً أو  عملًا فنيًا مدهشًا.  إنَّ هذه الدهشةَ هي  نتاجٌ لقدرةِ الإنسانِ على  التأملِ والتقديرِ للجمالِ،  وهو شعورٌ يمتدُّ إلى  عمقِ الروحِ،  ويُلهمنا  للخلقِ والابتكارِ.

 

ولكن الدهشةَ،  على الرغمِ من  جمالِها  وتأثيرها  الإيجابي  على  الإنسان،  قد  تكونُ  أحيانًا  مخيفةً  مُقلقةً.  ففي  بعضِ الأحيان،  تواجهنا  ظواهرٌ  غريبةٌ  لا  نستطيعُ  فهمَها،  وتُثيرُ  في  نفوسنا  مشاعرَ  الخوفِ  والترددِ. 

 

فمثلاً،  حينما  كان  الإنسان  أول  مرةٍ  يُشاهدُ  الكُسوفِ  الشمسِ،  كانَ  مُصابًا  بالخوفِ  والتوجسِ،  فلم  يُدركِ  السببِ  الذي  يُخفي  الشمسَ  عن  الأنظارِ. 

 

والمثيرُ للانتباهِ  هو  أنَّ  الدهشةَ  الذي  نُصابُ  به  من  ظاهرةٍ  غريبةٍ،  قد  تُحفزُ  رغبتنا  في  فهمِها،  وهو  ما  يُحفزُ  علينا  البحثَ  والتحقيقِ. 

 

فعلى  سبيلِ  المثال،  أدى  الخوفُ  من  العواصفِ  البرقيةِ  إلى  اهتمامِ  العلماءِ  بدراسةِ  الظواهرِ  الطبيعيةِ،  وهو  ما  أدى  إلى  ظهورِ  علمِ  الأرصادِ الجويةِ. 

 

وهكذا،  فإنَّ  الدهشةَ  هي  قوةٌ  دافعةٌ  قويةٌ  للإنسان،  تُحفزُ  عليه  البحثَ  والتحقيقِ،  وتُساعده  على  فهمِ  العالمِ  الذي  يعيشُ  فيهِ. 

 

ولكن  الدهشةَ  تُشيرُ  أيضًا  إلى  حدودِ  المعرفةِ البشريةِ.  فعلى  رغمِ  التقدمِ  العلميِ  والفكريِ  الذي  حققهُ  الإنسان،  لا  يزالُ  هناكَ  كثيرٌ  من  الألغازِ  والظواهرِ  الطبيعيةِ  التي  لا  نستطيعُ  فهمَها  بعدُ. 

 

فمثلاً،  لا  زالَ  العلماءُ  يبحثونَ  عن  أصولِ الكونِ  وأسرارِهِ،  ولم  يتوصلوا  بعدُ  إلى  إجاباتٍ  قاطعةٍ  حولِ  مسألةِ  وجودِ  حياةٍ  فضائيةٍ  من  عدمِهِ. 

 

وكلما  تعمقنا  في  معرفةِ  العالمِ  الذي  نُحِطُّ  بهِ،  زادتِ  الدهشةُ  في  نفوسنا،  وأدركنا  أنَّ  ما  نُحاولُ  فهمَه  لا  يُمثلُ  سوى  قطرةٍ  من  مُحيطٍ  شاسعٍ  من  المعرفةِ. 

 

وإنَّ هذه  الدهشةَ  هي  الذي  تُحفزُ  الإنسانَ  على  الاستمرارِ  في  البحثِ  والسعيِ  إلى  المعرفةِ،  مهما  كانتِ  العقباتُ  والمصاعبُ. 

 

ففي  كلّ  مرةٍ  نُحاولُ  فهمَ  شيءٍ  جديدٍ،  نُصبحُ  أكثرَ  وعيًا  بالعالمِ  الذي  نُحِطُّ  بهِ،  و  نُدركُ  أهميةَ  المعرفةِ  في  تشكيلِ  حياتنا  وتحديدِ  مستقبلنا. 

 

فإنَّ  الدهشةَ  ليستِ  مجردَ  شعورٍ  غامضٍ،  بل  هي  قوةٌ  دافعةٌ  قويةٌ  للإنسان،  تُحفزُ  عليه  البحثَ  والتحقيقِ،  وتُساعده  على  فهمِ  العالمِ  الذي  يعيشُ  فيهِ.  وهي  أيضًا  تُذكّرُ  الإنسانَ  بحدودِ  معرفتهِ،  وتُحفزُ  عليه  الاستمرارِ  في  السعيِ  إلى  المعرفةِ،  مهما  كانتِ  العقباتُ  والمصاعبُ. 

 

وإنَّ  الإنسانَ  لا  يتوقفُ  أبدًا  عن  الشعورِ  بالدهشةِ،  ففي  كلّ  لحظةٍ  يُواجهُ  شيئًا  جديدًا  غريبًا  يُثيرُ  في  نفسه  مشاعرَ  الفضولِ  والرغبةِ  في  الفهمِ. 

 

وهكذا،  فإنَّ  الدهشةَ  هي  من  أعظمِ  الهداياِ  التي  منحنا  إياها  الإلهُ،  هي  التي  تُلهمنا  للخلقِ  والابتكارِ،  وتُحفزُ  عليه  البحثِ  والتحقيقِ،  وتُساعدنا  على  فهمِ  العالمِ  الذي  نُحِطُّ  بهِ.