recent
أخبار ساخنة

التفاؤل في ضوء القرآن الكريم: آياتٌ تزرعُ الأمل في النفوس

 

  التفاؤل في ضوء القرآن الكريم: آياتٌ تزرعُ الأمل في النفوس

 

يُعدّ التفاؤل من أهمّ السمات التي تُميّز المسلم في حياته، فهو مِفْتاحٌ للصبر على الشدائد، ودافعٌ قويٌّ لمواجهة التحديات، ومُلهمٌ للعمل والإنجاز. إنّ القرآن الكريم، كتاب الله الخالد، يُزخرُ بآياتٍ تُشيعُ التفاؤلَ.


التفاؤل في ضوء القرآن الكريم: آياتٌ تزرعُ الأمل في النفوس
  التفاؤل في ضوء القرآن الكريم: آياتٌ تزرعُ الأمل في النفوس

 وتُزرعُ الأملَ في قلوب المُؤمنين، مُذكّرةً إياهم بأنّ رحمةَ الله واسعةٌ وأنّ نصره قريبٌ، وأنّ ما يُخفيه الله من خيرٍ أكبرُ بكثيرٍ مما يُدركه الإنسان.


 

آيةٌ عن الأمل في أصعب المواقف

 

تُجسّد آية (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [١]  من سورة البقرة، جوهرَ التفاؤل في أصعب المواقف. فقد وردت هذه الآية في سياق الطلاق، مُذكّرةً الطرفين بوجود الأمل حتى في تلك اللحظات العصيبة. فبعد مرور الزوجين بتجربةٍ مؤلمةٍ مثل الطلاق، يُذكّرهما الله -تعالى- بأنّه قادرٌ على تغييرِ مجرى الأحداثِ، وأنّ ما يُخفيه من خيرٍ قد يكون أعظمَ مما يتصوران.

 

  • فلا يُدرك أحدٌ ما يُخفيه الله -تعالى- في المستقبل
  •  ولا يُمكن للزوجين أن يُدركا عاقبةَ طلاقِهما
  •  فربما ينتظرُهما الله -تعالى- بتوبةٍ مُقبولةٍ، أو بعلاقةٍ جديدةٍ تُقرّبُهما من بعضِهما
  • أو بفرجٍ غير مُتوقعٍ يُنيرُ حياتهما.
  •  تُذكّر هذه الآيةُ المُؤمنين بأنّ الله -تعالى- حكيمٌ، ورحيمٌ، وأنّه يُمكنه أن يُغيّرَ الأمورَ من سيئِها إلى حسنِها في أيّ لحظةٍ.

 

الاستبشار بنعمة الله

 

تُعزّز آية (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ) [٥] من سورة الروم، شعورَ التفاؤل عند المُؤمنين.

 

فبعد أن تُفَصّلُ الآيةُ فضلَ الشهادةِ في سبيلِ الله، تُوسّعُ دائرَةَ الاستبشارِ لتشملَ جميعَ المُؤمنين، مُؤكّدةً أنّ الله -تعالى- لا يُضيعُ أجرَ من عملَ صالحًا، سواءٌ أكانَ شهيدًا أم مُؤمنًا يُؤدّي واجباتهِ بحُبٍّ وإخلاصٍ.

 

  1. تُذكّر هذه الآيةُ المُؤمنين بأنّ الله -تعالى- مُعطيٌّ رحيمٌ
  2.  وأنّه يُقدّرُ صبرَهم وأعمالَهم الصالحة
  3.  وأنّ لهم أجرًا مُستحقًا في الآخرة.
  4.  يُلهمهم الاستبشارُ بنعمِ الله -تعالى- على مواصلةِ السعيِ والتطلّعِ لِمُزيدٍ من رضاه
  5. مُؤكّدةً أنّ التفاؤلَ بنعمةِ الله هو مِفْتاحُ السعادةِ الدائمةِ في الدنيا والآخرة.


 

الخروج من الظلمات إلى النور

 

تُجسّد آية (وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ) [٧] من سورة البقرة، فكرةَ التغييرِ من حالٍ إلى حالٍ أفضل، ومُطابقةً للتجاربِ الإنسانيةِ التي تُشيرُ إلى أنّ الله -تعالى- يُخرجُ عباده من الظلماتِ إلى النورِ، من الضيقِ إلى الفرجِ، من المحنةِ إلى السعادةِ.

 

فقد يكون الإنسانُ مُصابًا بمرضٍ عضالٍ، أو مُحاطًا بالهمومِ والمصائبِ، أو مُتعسرًا في شؤونِه، لكنّ الله -تعالى- قادرٌ على تغييرِ حالِهِ في أيّ وقتٍ، وإخراجِهِ من الظلماتِ إلى النورِ، من الشقاءِ إلى السعادةِ، من اليأسِ إلى الأملِ.

 

  • تُذكّر هذه الآيةُ المُؤمنين بأنّ الله -تعالى- يُحِبّ عباده
  •  وأنّه يُريدُ لهم الخيرَ، وأنّ الصبرَ على البلاءِ مُكافأةٌ عظيمةٌ
  •  تُؤهّلُهم لِحياةٍ أفضلَ في الدنيا والآخرة
  •  مُشدّدةً على أنّ الله -تعالى- قريبٌ منهم، وأنّه لن يتركهم مُصابينَ بالألمِ  والشقاءِ للأبد.

 

الفرح بنعمة الله

 

تُشجع آية (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [١٦] من سورة يونس، على الفرحِ بنعمِ الله -تعالى- والابتهاجِ بِفضلهِ ورحمتِه.

 

فبينما يُعرّفُ الله -تعالى- عباده بالفرحِ الحقيقيّ، الذي ينبعُ من شكرِ الله -تعالى- على نعمِه، يُوجّهُهم بعيدًا عن الفرحِ الزائفِ الذي ينبعُ من جمعِ الأموالِ والممتلكاتِ، مُذكّرةً إياهم بأنّ سعادةَ الدنيا فانيةٌ، وأنّ سعادةَ الآخرة هي الدائمةُ التي تسعى إلى تحقيقِها.

 

تُذكّر هذه الآيةُ المُؤمنين بأنّ  الفرحَ الحقيقيّ ينبعُ من الإيمانِ بالله -تعالى-، وبالحياةِ التي رسمها لهم،  وأنّ الله -تعالى- هو مُنعمُهم، وأنّهم مدينونُ له بشكرِهِ.

التفاؤل بالعدل الإلهي

 

تُؤكّد آية (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور* إِلَّا الَّذينَ صَبَروا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولـئِكَ لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ كَبيرٌ) [١٨] من سورة هود، على أهميةِ التواضعِ والشكرِ  بعدَ ابتلاءٍ، وأنّ النعمةَ بعدَ الضراءِ  مُكافأةٌ لمن صبرَ وعملَ صالحًا.

 

فقد يبتلى الإنسانُ بالمرضِ، أو بالفقرِ، أو بِمصائبَ أخرى، لكنّ الله -تعالى- يُمكنه أن يُخرجَهُ من تلك المحنةِ، وأن يُنعمَ عليه بِخيرٍ  وأمانٍ بعدَ ذلك.

 

تُذكّر هذه الآيةُ المُؤمنين بأنّ النعمةَ بعدَ الضراءِ  هي اختبارٌ حقيقيٌّ  لِشكرِهم ولِتواضعِهم، وأنّ الله -تعالى- يُكافئُ الصابرينَ على بِلائِهم، وأنّ لهم أجرًا مُستحقًا في الآخرة.

 

النصر الإلهي والفرح به

 

تُبشّر آية (بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [٢١] من سورة الروم، المُؤمنين بالنصرِ الإلهيّ  والتفاؤلِ بِرجوعِهِ  في أيّ وقتٍ.

 

  1. فقد يُحِسّ المُؤمنون بضعفِهم  ومعاناتِهم  في مواجهةِ الظلمِ  والعدوانِ،
  2.  لكنّ الله -تعالى- قويٌّ  وعزيزٌ  وعادلٌ  وعدَلُهُ  قريبٌ  فسيُنصرُهم  في الوقتِ المناسبِ.
  3. تُذكّر هذه الآيةُ المُؤمنين بأنّ الله -تعالى- معَهم، وأنّه  قادرٌ على إعزازِهم  وَتَسْخيرِ
  4. الأمورِ لصالحِهم، وأنّ نصرَهُ قريبٌ  ومُستحقٌّ  لِمَن صبرَ  وعملَ  صالحًا.

 

أحاديث نبوية تُعزز التفاؤل

 

إلى جانب آياتِ القرآن،

تُؤكّد أحاديثُ النبيّ صلى الله عليه وسلم على أهميةِ التفاؤلِ، ودورهِ في حياةِ المُؤمن.

 

ومن تلك الأحاديثِ:

 

* حديثُ أبي موسى الأشعريّ  عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: (كان إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعضِ أمرِهِ قال: بشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا، ويسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا). [٢٥]

  فإنّ الله -تعالى- يُحبّ المُبشرةَ، ويُكرهُ المُنفّرةَ، فينبغي على المُسلم أن يُبشّرَ إخوانَهُ  بالخيرِ، وأن يُذكّرَهُم برحمةِ الله -تعالى-  وَقُدرتِهِ على إخراجِهم من الشدائدِ.

* حديثُ النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لا يَزالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شابًّا في اثْنَتَيْنِ: في حُبِّ الدُّنْيا وطُولِ الأمَلِ). [٢٦]  فإنّ طولَ الأملِ  هو مِفْتاحُ  الشبابِ  والنشاطِ  والحياةِ،  فيمكّنُ المُؤمنَ من مواصلةِ العملِ  والتطلعِ  لِمُزيدٍ من الخيرِ  والإنجازِ  في حياتِه.

 

**التفاؤل: سلوكٌ محمودٌ ومُنصفٌ:**

 

فمن خلال آياتِ القرآنِ الكريمِ  وأحاديثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم،  نُدركُ أهميةَ التفاؤلِ  في حياةِ المُؤمن.  إنّ التفاؤلَ ليسَ  مجردَ شعورٍ إيجابيٍّ  بل هو سلوكٌ  ومبدأٌ  ومُنصفٌ  للنفسِ  والآخرين. 

 

فإنّ التفاؤلَ  يُساعدُ  المُؤمنَ  على:

  •  
  • * **الاستمرارِ  في  السعيِ  والتطلعِ  لِمُزيدٍ  من  الخيرِ  والإنجازِ:  فبِالتفاؤلِ  يُصبحُ  المُؤمنُ  أكثرَ  أملًا  في  مستقبله،  ويُحَفّزُهُ  على  التّغلبِ  على  التحدياتِ  والصعوباتِ،  وعلى  البحثِ  عن  حلولٍ  لِمُشكلاتِه.
  • * **التغلبِ  على  اليأسِ  والإحباطِ: فالتفاؤلُ  يُذكّرُ  المُؤمنَ  أنّ الله -تعالى-  معَهُ،  وأنّ نصرَهُ  قريبٌ،  ويُساعدُهُ  على  التّمسكِ  بِالأملِ  والتّغلبِ  على  الشعورِ  باليأسِ  وَالإحباطِ.
  • * **التّعاملِ  بِشكلٍ  إيجابيٍّ  معَ  الآخرين:**  فالتفاؤلُ  يُساعدُ  المُؤمنَ  على  تَقبّلِ  الآخرينَ  وَمساعدتِهم،  وَعلى  تَشجيعِهم  وَتَحفيزِهم  على  الخيرِ  وَالإنجازِ.
  • * **تحقيقِ  السعادةِ  وَالرضاِ:**  فالتفاؤلُ  يُساعدُ  المُؤمنَ  على  تَقبّلِ  حياتِهِ  وَالشكرِ  لِله -تعالى-  على  نعمِه،  وَعلى  السعيِ  لِتحقيقِ  رضاه.

 

خاتمة

 

إنّ التفاؤلَ  مِفْتاحٌ  لِحياةٍ  مليئةٍ  بِالسعادةِ  وَالرضاِ،  وهوَ  من  أهمّ  السماتِ  التي  يُميّزُ  المُؤمنَ  في  حياتِه.  وَلهُ  دورٌ  كبيرٌ  في  مواجهةِ  التحدياتِ  وَالتغلبِ  على  الصعوباتِ.  يُلهمُنا  القرآنُ  الكريمُ  وَأحاديثُ  النبيّ  صلى الله عليه وسلم  على  التّمسكِ  بِالتفاؤلِ  وَالأملِ  في  الله -تعالى-،  وعلى  التّطلعِ  لِمُستقبلٍ  أفضلَ  وَأكثرَ  رضاًا.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent