recent
أخبار ساخنة

## جزر وقرى يونانية نائية تبحث عن سكان بعدما هجرها أبناؤها: معركة ضدّ الانقراض الديموغرافي

 

## جزر وقرى يونانية نائية تبحث عن سكان بعدما هجرها أبناؤها:  معركة ضدّ الانقراض الديموغرافي

 

تُعدّ اليونان، مهد الحضارة الغربية، وجهة سياحية عالمية، مشهورة بشواطئها المتلألئة ومواقعها الأثرية القديمة.  لكنّ خلف هذه الواجهات الجمالية، تُخفي اليونان حقيقةً مُقلقة،  وهي تناقص عدد سكانها بشكل ملحوظ، خاصةً في المناطق النائية،  حيث تتناقص الأسر الشابة وتهجر القرى والبلدات،  مُخلفةً وراءها شبحًا من الفراغ والانقراض.


## جزر وقرى يونانية نائية تبحث عن سكان بعدما هجرها أبناؤها:  معركة ضدّ الانقراض الديموغرافي
## جزر وقرى يونانية نائية تبحث عن سكان بعدما هجرها أبناؤها:  معركة ضدّ الانقراض الديموغرافي


 

في جزيرة أنطيكيثيرون الصغيرة

 الواقعة بين جزيرتي كيثيرا وكريت في بحر إيجه،  تُصارع بلدية بوتاموس من أجل البقاء.  يُمثل رئيس البلدية، يورغوس هارهالاكيس،  رمزًا لمقاومة هذا الواقع المُرّ،  فمنذ سنوات  يشهد  انخفاض عدد السكان بشكل مُستمر.  في عام 2021، لم يتجاوز عدد سكان  الجزيرة  39 نسمة،  مقارنة بـ120 نسمة في عام 2011.

 

تُشبه قصة أنطيكيثيرون قصة العديد من المناطق الريفية في اليونان،  حيث  تهجر الأجيال الشابة هذه  المناطق  لتبحث عن  فرص عمل  وأفضل ظروف معيشية  في المدن الكبرى.  تُعاني  اليونان  من  مشكلة  فراغ  الجيل  الشاب  وخلوها من  النشاط  الاقتصادي  والتنمية.  ويُظهر  التعداد  السكاني  لعام  2021  أنّ  22.7% من  سكان  اليونان  بلغ  منهم  العمر  65 سنة  فما  فوق،  وهذا  يُصنف  اليونان  في  المرتبة  الرابعة  بين  دول  الاتحاد  الأوروبي  من  جهة  عدد  كبار  السن،  بعد  إيطاليا  (23.8%)،  البرتغال  (23.7%)  و فنلندا  (23.1%). 

 

تُواجه  أنطيكيثيرون  تحديات  كبيرة 

فلا  توجد  مدارس  للتعليم،  ولا  مستشفيات  للمعالجة،  ولا  أسواق  لتلبية  احتياجات  السكان  القليلين  المتبقين.  يُذكر  أنّ  مدرسة  الجزيرة  قد  أُغلقت  قبل  عقود  من  الزمن  وأُعيد  فتحها  في  عام  2018  لمدة  قصيرة  فقط  لثلاثة  أطفال  من  عائلة  انتقلت  إلى  الجزيرة،  لكنّ  هذه  العائلة  اضطرت  لمغادرة  الجزيرة  في  عام  2021  عندما  أنهت  ابنتها  الكبرى  دراستها  الابتدائية،  ليُصبح  مصير  الجزيرة  معلّقًا  بِعدم  وجود  مستقبل  لِأطفال  اليونان  في  هذه  القرية  النّائية.

 

ولم  تُعدّ  أنطيكيثيرون  حالة  منفردة،  فقد  شهدت  عدّة  مناطق  في  اليونان  إغلاق  عشرات  المدارس  بِسبب  قلة  عدد  التلاميذ،  مُشكلًا  ضغطًا  إضافيًا  على  المناطق  المُتعثرة  ديموغرافيًا.

 

تُثير  هذه  الظاهرة  القلق

  من  خطر  "الانهيار  الديموغرافي"  الذي  تُواجهه  اليونان.  فمعدل  الخصوبة  في  اليونان  منخفض  جِدًّا،  حيث  بلغ  1.43  طفل  لكل  امرأة  في  عام  2021،  مُقارنة  بمعدل  الاتحاد  الأوروبي  (1.53  في  عام  2021).  وفي  عام  2022  بلغ  عدد  المواليد  في  اليونان  أقل  من  80 ألف  نسمة،  مُقارنة  بـ150 ألف  نسمة  في  عام  1980.  وتُظهر  هذه  الأرقام  التراجع  الخطير  في  معدلات  الولادة  ومعدلات  التكاثر  الطبيعي  في  اليونان.

 

تُشير  دراسة  أجراها  المعهد  اليوناني  للأبحاث  السكانية  إلى  أنّ  "واحدة  من  كل  ثلاث  بلديات  من  بين  1035  بلدية  في  البلاد  تُسجل  أقل  من  10  ولادات  سنويًا"،  وهذا  يُشير  إلى  عدم  توازن  سكاني  كبير  بين  المناطق  الحضرية  والمناطق  الريفية،  حيث  تُركز  الولادات  في  المدن  الكبرى  مثل  أثينا  التي  تُشكل  أكثر  من  ثلث  سكان  اليونان. 

 

وإدراكًا  لِخطورة  هذه  الظاهرة 

أطلق  رئيس  الوزراء  اليوناني،  كيرياكوس  ميتسوتاكيس،  مبادرة  في  الربيع  لِتقديم  علاوات  أعلى  للأهل  الذين  ينجبون  أطفالًا،  وذلك  في  محاولة  لِتغيير  اتجاه  الانهيار  الديموغرافي.  وفي  سبتمبر  الماضي،  أطلق  ميتسوتاكيس  مجموعة  من  التدابير  لِمحاولة  زيادة  معدل  الولادة،  بِما  فيها  إعفاءات  ضريبية  لِآباء  الجدد  ودعم  لِروّاد  الأعمال  في  المناطق  الريفية.

 

تُظهر  أرقام  المعهد  اليوناني  للأبحاث  السكانية 

أنّ  الجزء  الأكبر  من  الإناث  بين  العمر  20  و 49  سنة  يقمن  بِمغادرة  المناطق  الريفية  أو  الهجرة  إلى  الخارج،  مما  يُشكل  عاملًا  أساسيًا  في  تراجع  معدلات  الولادة.  وقد  غادر  أكثر  من  نصف  مليون  شاب  اليونان  خلال  الأزمة  المالية،  مُخلفًا  فراغًا  كبيرًا  في  المنظومة  الديموغرافية  اليونانية. 

 

وليس  فقط  الظروف  الاقتصادية  تُشكل  عائقًا  للّولادة،  بل  تُعاني  المناطق  الريفية  من  قلة  البنية  التحتية  التي  تُشكل  عائقًا  أساسيًا  لِجذب  الّأفراد  لِلاستقرار  فيها.  ففي  قرية  فورنا،  وهي  قرية  جبلية  في  وسط  اليونان،  حثت  الكنيسة  المحلية  العائلات  الكبيرة  على  الّأنتقال  لِلاستقرار  في  المنطقة  فِي  محاولة  لِحفظ  مدرسة  القرية  من  الإغلاق،  وقد  انتقلت  عائلة  واحدة  بِأطفالها  الستة  إلى  فورنا  في  سبتمبر  الماضي.

 

لكنّ  الوضع  في  أنطيكيثيرون  أقلّ  تفاؤلاً،  فلا  توجد  حوافز  لِجذب  الّأفراد  إلى  الجزيرة.  ويُعتقد  أنّ  بناء  مرصد  تغيّر  المناخ  في  الجزيرة  سَوْف  يُساعد  في  خلق  فرص  عمل  وإحياء  الاقتصاد  المُتَقّدم  في  الجزيرة.  لكنّ  الوقت  دائمًا  مُحدد،  فلا  تُوجد  كَفِيلًا  بِحماية  الّأفراد  من  الانهيار  الديموغرافي.

 

تُواجه  القرى  والبلدات  اليونانية  النّائية  معركة  صعبة  ضدّ  الّانقراض  الديموغرافي،  وتُمثل  أنطيكيثيرون  رمزًا  لِحالة  هذه  المناطق  المُتعثرة.  وتُشير  أرقام  السكان  إلى  أنّ  التحديات  الّتي  تُواجهها  اليونان  ليست  فقط  اقتصادية،  بل  تُشكل  مسألة  وجودية  لِلبنية  الاجتماعية  والثقافية  في  البلاد.

 

ولِإنقاذ  هذه  القرى  والبلدات  من  مصير  الّانقراض،  تُتطلّب  جهدًا  مشتركًا  من  قبل  الحكومة  والقطاع  الخاص  والمواطنين.  يجب  على  الحكومة  أن  تُعزز  البنية  التحتية  في  المناطق  الريفية  وتُقدم  حوافز  اقتصادية  لِجذب  الّأفراد  إلى  الاستقرار  فيها.  ويجب  على  القطاع  الخاص  أن  يُساهم  في  توفير  فرص  العمل  وإنشاء  مشاريع  اقتصادية  في  المناطق  الريفية.  ويُفترض  أن  تُساهم  المواطنين  في  حفظ  الثقافة  والتراث  الّذي  تُحافظ  عليه  الّقرى  والبلدات  اليونانية  النّائية. 

 

لا  يُمكن  تجاهل  الّمشكلة  الديموغرافية  في  اليونان،  فقد  أصبحت  مُهددةً  لِوجودها  الّاجتماعي  والثقافي.  و  بِدون  جهدٍ  مشتركٍ  من  قبل  جميع  الّأطراف،  قد  نُشاهد  اليونان  تُفقد  جزءًا  كبيرًا  من  موروثها  التاريخي  والثقافي  بِسبب  الّانقراض  الديموغرافي  في  مناطقها  الّريفية  النّائية. 

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent