## لماذا يسحرنا مشهد نهاية العالم على الشاشة؟ هوس سينمائي يعكس قلقنا العميق
منذ فجر السينما تقريباً، شكلت فكرة نهاية
العالم وهلاك البشرية مادة دسمة ومغرية لصناع الأفلام، ووجدت صدى واسعاً لدى
الجماهير. من غزو الفضائيين المدمر في "حرب العوالم"، إلى الكوارث الطبيعية
العاتية في "2012"، مروراً بالأوبئة الفتاكة في "عدوى"،
وصولاً إلى التهديدات النووية في "دكتور سترينجلوف"، وانتهاءً بالانهيار
البيئي في "لا تنظر للأعلى" أو حتى الدراما الوجودية في "النهاية"؛
يبدو أن هناك شغفاً غريباً، وربما هوساً جماعياً، بمشاهدة كوكبنا وسكانه وهم
يواجهون الفناء المحتم بشتى الطرق المبتكرة والمروعة. فلماذا هذا الانجذاب القوي
لسرديات الدمار الشامل؟
![]() |
## لماذا يسحرنا مشهد نهاية العالم على الشاشة؟ هوس سينمائي يعكس قلقنا العميق |
**مرآة تعكس مخاوف العصر**
.jpeg)
يكمن أحد التفسيرات الرئيسية في كون أفلام نهاية العالم بمثابة مرآة تعكس القلق الجماعي السائد في كل حقبة.
ففيلم "نهاية
العالم" الدنماركي الصامت الصادر عام 1916، جاء وليد الذعر الذي أثاره مرور
مذنب هالي. وفي أوج الحرب الباردة، تجسدت المخاوف من الهولوكوست النووي في أفلام
مثل "على الشاطئ" و"كوكب القردة". ومع تصاعد القلق البيئي في
السبعينيات والثمانينيات، تناولت الأفلام قضايا التلوث والانفجار السكاني ومخاطر
التكنولوجيا الجامحة. وعندما ضربت جائحة كوفيد-19 العالم، تهافت المشاهدون على
أفلام مثل "تفشٍّ" و"عدوى"، بحثاً عن فهم أو ربما عزاء في
السينما التي تنبأت بواقعهم الجديد.
- وفي عصرنا الحالي، يتجلى القلق الأكبر في التغير المناخي، مما أدى إلى ظهور نوع فرعي مزدهر
- يُعرف بـ "الخيال المناخي" (Cli-Fi). أفلام مثل "لا تنظر للأعلى" الساخر، أو "النهاية" السوداوي
- أو حتى أفلام الرسوم المتحركة مثل "تدفق"، تتعامل مباشرة مع تداعيات تدميرنا للكوكب. هنا، لم
- يعد العدو كائناً فضائياً أو فيروساً غامضاً فحسب، بل أصبحنا نحن، البشر، الخطر الأكبر على
- وجودنا.
**جاذبية الفوضى المُنظمة**
.jpeg)
إنها تتيح لنا تأمل أسوأ السيناريوهات الممكنة، واستكشاف مصير البشرية من مسافة آمنة ومريحة. نجلس في مقاعدنا، نشاهد الانهيار والفوضى تتكشف أمامنا، لكنها فوضى مُنظّمة ضمن إطار سردي يستمر لساعتين تقريباً.
- غالباً ما ينتهي بخلاص جزئي أو على الأقل بفهم أو خاتمة ما. هذا الإحساس بالسيطرة على الفوضى
- حتى لو كانت مجرد وهم سينمائي، يمكن أن يوفر نوعاً من التنفيس والراحة النفسية في عالم حقيقي
- يبدو غالباً خارج عن السيطرة ومليئاً بالمخاطر غير المتوقعة. إنها فرصة لمواجهة مخاوفنا الوجودية
- في بيئة محكومة.
**التطهير العاطفي والبحث عن الأمل**
يمكن لهذه الأفلام أن تكون بمثابة تجربة تطهيرية (Catharsis). مشاهدة شخصيات تمر بظروف أسوأ بكثير من ظروفنا قد تمنحنا شعوراً بالامتنان النسبي أو الراحة المؤقتة.
كما أن رؤية صمود الروح البشرية في
مواجهة الشدائد، حتى لو كان ذلك ضمن سياق كارثي، قد يلهم ويقدم بصيص أمل. فغالباً
ما تركز هذه الأفلام، حتى الأكثر قتامة منها، على قصص البقاء، التضحية، الحب،
والبحث عن معنى في خضم الانهيار.
**المفارقة المستمرة استمرارية فناء العالم**
.jpeg)
من المفارقات اللافتة أن هذا النوع السينمائي الذي يتمحور حول "النهاية" هو نفسه واحد من أكثر الأنواع صموداً واستمرارية في تاريخ السينما.
منذ بداياته المبكرة وحتى اليوم، يتجدد هذا النوع
باستمرار، متكيفاً مع مخاوف كل جيل جديد. هذه الاستمرارية بحد ذاتها قد تحمل رسالة
أمل ضمنية: لقد مررنا بهذه المخاوف من قبل (في السينما على الأقل)، ووجدنا طرقاً
لسردها ومعالجتها، وسنستمر في ذلك.
في الختام
يبدو أن عشقنا لمشاهدة نهاية العالم على الشاشة ينبع من مزيج معقد من العوامل: إنه يعكس قلقنا العميق تجاه مستقبلنا، ويوفر مساحة آمنة لاستكشاف هذه المخاوف، ويمنحنا إحساساً بالسيطرة الوهمية على الفوضى، وقد يقدم نوعاً من التطهير العاطفي أو حتى الأمل الخافت.
إنها طريقة
السينما لمساعدتنا على التعامل مع فكرة الفناء، بتحويل الكارثة إلى فن، والانهيار
إلى سردية يمكننا مشاهدتها، التفكير فيها، وربما التعلم منها، قبل أن نعود إلى
واقعنا، آملين ألا يكون مشابهاً لما رأيناه للتو على الشاشة.
.jpeg)