## أميركا على أعتاب صدمة اقتصادية؟ بيانات الشحن البحري تدق ناقوس الخطر
في خضم نقاشات محتدمة حول تأثير السياسات
التجارية والرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي، تبرز الولايات المتحدة، أكبر
اقتصاد في العالم، كمحور لهذه التجاذبات. ورغم أن المؤشرات الاقتصادية الكلية
التقليدية، مثل معدلات النمو وبيانات التوظيف، لا تظهر حتى الآن علامات واضحة على
تضرر وشيك نتيجة للحرب التجارية المستمرة وفرض رسوم جمركية، خاصة على الواردات
الصينية، فإن تحليلات أعمق تعتمد على بيانات أكثر حداثة ودقة ترسم صورة مغايرة قد
تكون أكثر قتامة.
![]() |
## أميركا على أعتاب صدمة اقتصادية؟ بيانات الشحن البحري تدق ناقوس الخطر |
حديث لمجلة
فقد حذر تقرير حديث لمجلة "إيكونوميست" المرموقة من أن الاقتصاد الأميركي قد يكون مقبلاً على "صدمة اقتصادية هائلة" خلال أسابيع قليلة.
ويستند هذا التوقع المقلق ليس إلى البيانات الرسمية التي
غالباً ما تكون متأخرة وتعكس صورة الماضي القريب، بل إلى أدوات تحليلية مبتكرة
تركز على "البيانات الفورية المباشرة"، وهي مقاربة اكتسبت زخماً كبيراً
خلال جائحة كوفيد-19، حيث أثبتت المؤشرات التقليدية عجزها عن تقديم صورة دقيقة
لتأثير الإغلاقات الاقتصادية المفاجئة.
- في ذلك الوقت، لجأ الاقتصاديون إلى تتبع مؤشرات مثل حجوزات المطاعم وحركة التنقل لتقييم الأثر
- الآني للجائحة. واليوم، يتجه المحللون بشكل متزايد نحو تحليل بيانات الشحن البحري، باعتبارها
- مقياساً مباشراً وحيوياً لتدفقات التجارة العالمية وتأثير السياسات الجمركية عليها. تعتبر هذه البيانات
- أكثر دقة وحساسية للتغيرات الفورية مقارنة ببيانات سوق العمل أو مؤشرات النمو التي قد تحتاج
- أشهراً لتعكس الواقع الجديد.
**بيانات متضاربة أم مؤشرات مبكرة؟**
.jpeg)
للوهلة الأولى، قد تبدو بعض البيانات متضاربة. فبينما أظهرت مسوحات أجريت في أبريل الماضي قلقاً متزايداً لدى الشركات والمستهلكين الأميركيين بشأن الرسوم الجمركية الجديدة،
وأشار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في
دالاس إلى انخفاض قياسي في الناتج الصناعي آنذاك، يرى معلقون أن هذه المسوحات قد
تتأثر بالتوجهات السياسية، مستشهدين بفترة رئاسة جو بايدن حيث تراجعت ثقةا لمستهلكين في الاستطلاعات بينما استمر الإنفاق قوياً.
- كما أن البيانات الإيجابية، مثل أرقام التوظيف القوية لشهر مارس الماضي، تعكس قرارات توظيف
- اتخذتها الشركات في فترة سابقة، ربما قبل أن يتضح الموقف النهائي بشأن تطبيق الرسوم الجمركية
- وتداعياتها. وهنا تكمن
أهمية بيانات الشحن البحري الفورية.
**الشحن البحري يكشف المستور**
تعتبر حركة السفن التجارية، خاصة بين الولايات المتحدة والصين (ثاني أكبر اقتصاد عالمي)، مؤشراً بالغ الأهمية.
تبدأ السفن
رحلاتها قبل أسابيع من وصولها، وتكشف بيانات تتبع الأقمار الاصطناعية عن مواقعها
وحمولاتها المقررة. ورغم أن عدد سفن الحاويات الواصلة إلى الموانئ الأميركية
الكبرى (مثل لوس أنجلوس ولونغ بيتش) المحملة ببضائع صينية ظل مستقراً نسبياً حتى
أواخر أبريل الماضي (حوالي 555 ألف طن في الأسبوع المنتهي في 25 أبريل)، فإن هذا
الاستقرار قد يكون خادعاً.
- فمدة الإبحار من الصين إلى الساحل الغربي الأميركي تتراوح بين أسبوعين و40 يوماً، مما يعني أن
- السفن التي وصلت في تلك الفترة كانت قد أبحرت قبل أن تدخل الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ
- الفعلي
وتؤثر على قرارات الشحن.
لكن البيانات التي تعكس القرارات الأحدث ترسم
صورة مختلفة وأكثر قتامة:
1. **تراجع
الحجوزات:** شهدت حجوزات الشحن لرحلات جديدة بين الصين وأميركا انخفاضاً حاداً
بنسبة 45% في الأسبوع الثالث من أبريل مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي،
وفقاً لشركة "فيزيون" المتخصصة.
2. **زيادة
الإبحار الفارغ:** ارتفع عدد "عمليات الإبحار الفارغ" (حيث تتخطى
السفينة ميناءً مجدولاً أو تقلل شركة الشحن عدد رحلاتها على خط معين) بنسبة 40%،
مما يشير إلى تراجع الطلب.
3. **انخفاض
تكاليف الشحن (الصين-أميركا):** انخفضت أسعار الشحن بين شنغهاي ولوس أنجلوس بنحو 1000
دولار خلال الشهر الماضي (وفقاً لبيانات "فرايتوس")، مما يعكس تراجع
الشركات عن شحن البضائع لتجنب الرسوم، وليس استعداداً لها.
4. **ارتفاع
تكاليف الشحن (فيتنام-أميركا):** في المقابل، ارتفعت تكلفة الشحن من فيتنام إلى
أميركا بالقدر نفسه تقريباً، مما يؤكد أن المستوردين الأميركيين يبحثون بنشاط عن
بدائل للصين، وهو اتجاه تدعمه الصين نفسها بنقل بعض صناعاتها لدول مجاورة.
**الأسوأ لم يأت بعد؟**
أولاً، يعتقد أن
الشركات قامت بتكديس مخزونات كبيرة من البضائع قبل بدء تطبيق الرسوم، مستفيدة من "مخازن
المنافذ" القريبة من الموانئ لتأجيل دفع الجمارك. ثانياً، قد تحاول الشركات
امتصاص التكاليف الإضافية مؤقتاً للحفاظ على عملائها أو للوفاء بعقود مسبقة.
- لكن هذا الوضع لن يدوم. فبمجرد نفاد المخزونات المكدسة، ستضطر الشركات إلى تمرير تكلفة
- الرسوم الجمركية إلى الأسعار النهائية للمستهلكين، مما قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية وتباطؤ في
- الطلب.
يضاف إلى ذلك، الضغوط التي يعانيها قطاع الشحن
البحري العالمي أصلاً منذ جائحة كورونا، والتي تفاقمت بسبب هجمات الحوثيين في
البحر الأحمر. وكما يشير بيتر ساند من شركة "زينتيتا" للاستشارات، فإن
الرسوم الجمركية الجديدة تزيد من تعقيد أزمة قطاع الشحن، مما سيكون له "تأثير
سلبي كبير في التجارة العالمية عموماً".
في الختام
بينما قد تبدو المؤشرات الاقتصادية
التقليدية مطمئنة على المدى القصير، فإن بيانات الشحن البحري الفورية تدق ناقوس
الخطر، مشيرة إلى أن تداعيات الحرب التجارية والرسوم الجمركية قد تكون على وشك
الظهور بقوة في الاقتصاد الأميركي خلال الأسابيع المقبلة، مما يستدعي مراقبة حثيثة
لهذه المؤشرات المبكرة لتجنب صدمة اقتصادية قد تكون أعمق مما هو متوقع.
.jpeg)