**حمير إثيوبيا: عمود فقري للاقتصاد ومعاناة تستدعي التدخل الإنساني**
في قلب الهضبة الإثيوبية، حيث تمتزج التقاليد
العريقة مع تحديات الحاضر، تقف الحمير كشاهد صامت وفاعل رئيسي في حياة الملايين. تُعد
إثيوبيا موطناً لأكبر عدد من الحمير على مستوى العالم، إذ تشير تقديرات منظمة
الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) لعام 2018 إلى وجود ما يناهز تسعة ملايين
حمار، أي ما يمثل قرابة 20% من إجمالي الحمير في العالم، وذلك في بلد يبلغ تعداد
سكانه حوالي 130 مليون نسمة. هذه الأرقام لا تعكس مجرد وفرة عددية، بل تشير إلى
اعتماد اقتصادي واجتماعي عميق على هذه الدواب التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المشهد
اليومي.
![]() |
**حمير إثيوبيا: عمود فقري للاقتصاد ومعاناة تستدعي التدخل الإنساني** |
الحمير فى إثيوبيا
إن الدور الذي تلعبه الحمير في إثيوبيا يتجاوز مجرد المساعدة في الأعمال الزراعية أو النقل؛ فهي بمثابة شريان حياة للعديد من الأسر التي ترزح تحت وطأة الفقر.
في المناطق الريفية، لا تزال الحمير الأداة الأساسية لحرث الحقول ونقل المحاصيل والمياه، وفي المدن الكبرى مثل أديس أبابا، تتحول إلى وسيلة نقل بضائع لا غنى عنها، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الوقود وصعوبة وصول المركبات الآلية إلى الأزقة الضيقة والمكتظة.
- يقول تيسفاي ميغرا، أحد مديري عيادة "دانكي سانكتشويري" (ملاذ الحمير): "لدينا مثل شعبي في
- إثيوبيا يقول: إذا لم يكن لديك حمار، فأنت حمار"، وهو تعبير يجسد القيمة العالية لهذه الحيوانات في
- الثقافة المحلية.
الأهمية الحيوية
لكن خلف هذه الأهمية الحيوية، تكمن قصة معاناة
واسعة النطاق. فغالبية هذه الحيوانات الكادحة تتعرض لسوء معاملة، سواء بالإهمال أو
بالقسوة المفرطة، وتعيش في ظروف صحية متردية. الأحمال الثقيلة التي تفوق طاقتها،
والعمل لساعات طويلة دون راحة كافية أو تغذية مناسبة، والضرب، وندرة المراعي في
المدن المتوسعة عمرانياً، كلها عوامل تساهم في تدهور حالتها.
- في هذا السياق المؤلم، تبرز مبادرات إنسانية تسعى لتخفيف هذا العبء. تعد عيادة "دانكي
- سانكتشويري"، وهي منظمة بريطانية غير حكومية، نموذجاً رائداً في هذا المجال. ففي مركزها
- القريب من سوق "ميركاتو" الصاخب في أديس أبابا، والذي تم افتتاحه عام 2007، يتلقى عشرات
- الحمير يومياً رعاية بيطرية مجانية.
هنا، يعمل الأطباء البيطريون ومساعدوهم بجد لعلاج مختلف
الإصابات والأمراض التي تعاني منها هذه الحيوانات، من جروح الأقدام والحوافر
المتشققة، إلى المغص الناتج عن سوء التغذية أو ابتلاع مواد بلاستيكية، ومشكلات
العيون وغيرها.
قصص أصحاب الحمير
قصص أصحاب الحمير الذين يرتادون العيادة تعكس
مدى ارتباط مصيرهم بحيواناتهم. غولوما بايي، رجل في الثامنة والثلاثين من عمره،
قطع مسيرة ساعة ونصف ليصل بحماريه المريضين إلى العيادة. يقول بحسرة: "حماريّ
مريضان منذ ثلاثة أسابيع... عجزت منذ أن مرضا عن شراء الخبز لأولادي". يعتمد
غولوما على حماريه في نقل وبيع المياه، وبعد ساعات قليلة من العلاج المكثف، يستطيع
العودة بهما لمواصلة كسب رزقه.
- مثله تشاني باي، البالغ من العمر 61 عاماً، الذي يجني ما بين 200 و400 بر إثيوبي يومياً (ما يعادل
- 1.48 إلى 2.96 دولار أمريكي) من نقل أكياس الحبوب على حماريه. هذا الدخل، على ضآلته، يشكل
- فارقاً كبيراً في بلد يعيش فيه نحو 34.6% من السكان تحت خط الفقر، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
- يرتاد تشاني العيادة بانتظام لفحص حماريه، ويشيد بالرعاية الحديثة مقارنة بالطرق التقليدية التي
- كانت تلحق أذى إضافياً بالحيوانات أحياناً.
الأطباء البيطريون في العيادة، مثل ديريجه
تسيغاي، يبذلون جهوداً مضنية. يصف تسيغاي، الذي يعمل في العيادة منذ عام 2019، كيف
أن انسداد الجهاز الهضمي شائع بسبب تناول الحمير الجائعة لأي شيء تجده، بما في ذلك
البلاستيك. بابتسامة تعكس فخره بعمله، يقول: "أحاول حل مشكلات أصحاب الحمير
الذين يعتمدون مالياً على هذه الحيوانات".
الختام
إن عمل "دانكي سانكتشويري" وغيرها من المبادرات المماثلة لا يقتصر على تقديم العلاج، بل يمتد ليشمل التوعية بأهمية الرفق بالحيوان وتحسين ظروف عمل الحمير. فصحة هذه الحيوانات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقدرة المعيشية لأصحابها، وبالتالي فإن الاستثمار في رعايتها هو استثمار في التنمية البشرية والاقتصادية المحلية.
حمير إثيوبيا، هذه الكائنات الصبورة، تستحق
أن تُعامل بكرامة واحترام، وأن يُقدّر دورها الجوهري في استدامة الحياة اليومية
لمجتمع بأكمله.