recent
أخبار ساخنة

**ظاهرة الحديث مع الموتى: بين الحقيقة والخرافة والاستغلال**

الحجم
محتويات المقال

**ظاهرة الحديث مع الموتى: بين الحقيقة والخرافة والاستغلال**

 

تُعد فكرة التواصل مع العالم الآخر والتحدث مع أرواح الموتى من الأفكار القديمة قدم الحضارة الإنسانية، وهي ظاهرة تتجدد باستمرار وتتخذ أشكالاً مختلفة عبر الثقافات والعصور. من كهنة المعابد القديمة وشامانات القبائل، إلى وسطاء القرن التاسع عشر الروحانيين، وصولاً إلى "المتصلين الروحانيين" و"قارئي الطاقة" في العصر الحديث، لطالما وُجد أفراد يدّعون امتلاك القدرة على جسر الهوة بين عالم الأحياء وعالم الأموات. يثير هذا الادعاء أسئلة جوهرية حول طبيعة الوعي، مصير الروح بعد الموت، وإمكانية استمرار التواصل، ولكنه يفتح الباب أيضاً أمام التساؤل حول الصدق، الدوافع، واحتمالات الخداع.


تُعد فكرة التواصل مع العالم الآخر والتحدث مع أرواح الموتى من الأفكار القديمة قدم الحضارة الإنسانية، وهي ظاهرة تتجدد باستمرار وتتخذ أشكالاً مختلفة عبر الثقافات والعصور. من كهنة المعابد القديمة وشامانات القبائل، إلى وسطاء القرن التاسع عشر الروحانيين، وصولاً إلى "المتصلين الروحانيين" و"قارئي الطاقة" في العصر الحديث، لطالما وُجد أفراد يدّعون امتلاك القدرة على جسر الهوة بين عالم الأحياء وعالم الأموات. يثير هذا الادعاء أسئلة جوهرية حول طبيعة الوعي، مصير الروح بعد الموت، وإمكانية استمرار التواصل، ولكنه يفتح الباب أيضاً أمام التساؤل حول الصدق، الدوافع، واحتمالات الخداع.
**ظاهرة الحديث مع الموتى: بين الحقيقة والخرافة والاستغلال**


**ظاهرة الحديث مع الموتى: بين الحقيقة والخرافة والاستغلال**

**الجذور التاريخية والثقافية**

 

لم تخلُ حضارة تقريباً من ممارسات أو معتقدات تتعلق بالتواصل مع الموتى. ففي بعض الثقافات، كان يُنظر إلى الأسلاف كمرشدين وحماة، وكان التواصل معهم جزءاً لا يتجزأ من الطقوس الدينية والاجتماعية. شهد القرن التاسع عشر في أوروبا وأمريكا صعود "الحركة الروحانية" (Spiritualism) التي روجت لجلسات تحضير الأرواح (Séances) كوسيلة لإثبات استمرارية الروح بعد الموت وتقديم العزاء للمفجوعين.

  •  خاصة في أعقاب الحروب والأوبئة التي خلفت وراءها ملايين الضحايا.
  •  ورغم تراجع شعبيتها كحركة منظمة،
  •  فإن الاعتقاد بإمكانية التواصل مع الموتى استمر بأشكال متنوعة.

 

**ادعاءات العصر الحديث ومنهجياتهم**

 

في يومنا هذا، يتخذ الادعاء بالتواصل مع الموتى صوراً متعددة.

 فهناك الوسطاء الروحانيون (Mediums) الذين يزعمون أنهم يتلقون رسائل مباشرة – سمعية، بصرية، أو حسية – من الأرواح. وهناك من يستخدم أدوات مثل "الكتابة التلقائية"، أو "ألواح الويجا"، أو حتى التكنولوجيا الحديثة مثل أجهزة تسجيل "الظواهر الصوتية الإلكترونية" (EVP) التي يُعتقد أنها تلتقط أصوات الأرواح. 

  1. غالباً ما يقدم هؤلاء خدماتهم بهدف توفير الراحة والطمأنينة للأحياء
  2.  أو مساعدتهم على تجاوز حزنهم، أو تقديم إجابات عن أسئلة عالقة
  3.  أو حتى المساعدة في كشف غموض بعض الحوادث.

 

**منظور الشك والتحليل النقدي**

 


**ظاهرة الحديث مع الموتى: بين الحقيقة والخرافة والاستغلال**

على الجانب الآخر، يقف المشككون والعلماء الذين ينظرون إلى هذه الظاهرة بعين النقد والتحليل. من أبرز حججهم:

 

1.  **غياب الأدلة العلمية القاطعة:** لم يتمكن أي وسيط روحاني حتى الآن من إثبات قدراته بشكل قاطع تحت ظروف علمية صارمة ومضبوطة. فشلت التجارب المتكررة التي أجريت للتحقق من صحة هذه الادعاءات في تقديم دليل يمكن تكراره والتحقق منه.

2.  **التفسيرات النفسية:** يلعب العامل النفسي دوراً كبيراً في تفسير هذه الظاهرة. فالرغبة العميقة لدى المفجوعين في التواصل مع أحبائهم الراحلين، والحاجة إلى الشعور بالراحة أو الإرشاد، تجعلهم أكثر قابلية للتصديق والإيحاء. كما أن ظواهر مثل "الباريدوليا" (Pareidolia) – الميل البشري لرؤية أنماط أو وجوه مألوفة في محفزات غامضة أو عشوائية – قد تفسر "رؤية" الأشباح أو "سماع" الأصوات.

3.  **تقنيات الخداع والاحتيال:** يشير النقاد إلى أن العديد ممن يدّعون هذه القدرات يستخدمون تقنيات نفسية معروفة لخداع عملائهم. من أشهر هذه التقنيات "القراءة الباردة" (Cold Reading)، وهي فن استخلاص المعلومات من الشخص دون علمه عبر طرح أسئلة عامة جداً ومراقبة ردود فعله اللفظية وغير اللفظية، ثم بناء "رسائل" تبدو شخصية ودقيقة. وهناك أيضاً "القراءة الساخنة" (Hot Reading) التي تعتمد على جمع معلومات مسبقة عن العميل.

4.  **الدافع المادي:** كما أشار التساؤل الأصلي، فإن الدافع المادي يمثل محركاً قوياً للكثيرين في هذا المجال. تقديم خدمات التواصل الروحاني يمكن أن يكون مربحاً للغاية، خاصة عندما يستهدف الأشخاص في أوقات ضعفهم وحزنهم الشديد. يتحول العزاء المزعوم إلى سلعة، وتتحول القدرة المزعومة إلى مهنة تستغل أعمق المشاعر الإنسانية.

 

**مواقف الأديان والفلسفات**

 

تتباين مواقف الأديان من هذه الظاهرة. ففي الإسلام، يُعتبر عالم البرزخ (ما بعد الموت وقبل القيامة) غيباً لا يعلمه إلا الله.

 ومحاولة استحضار الأرواح أو التواصل معها غالباً ما تُعتبر من الأمور المنهي عنها أو المستحيلة، وقد يُفسر ما يحدث على أنه تلاعب من الجن أو مجرد أوهام. وفي المسيحية، تختلف الآراء، لكن العديد من الطوائف تحذر من هذه الممارسات وتعتبرها نوعاً من استدعاء الأرواح المحرم أو حتى تعاملاً مع قوى شيطانية.

  •  بينما قد تتبنى بعض التقاليد الروحية الشرقية أو الفلسفات الحديثة
  •  رؤى أكثر تقبلاً، مع التأكيد على أهمية النية والتمييز بين التواصل الروحي الحقيقي والدجل.

 

**خاتمة**

 

تبقى ظاهرة الحديث مع الموتى منطقة رمادية تتقاطع فيها الرغبة الإنسانية العميقة في الخلود والتواصل، 

معالاحتمالات القائمة للخداع والاستغلال. في غياب أي دليل علمي يدعم إمكانية التواصل الحرفي مع أرواح الموتى عبر وسطاء، يظل التفكير النقدي والحذر واجبين. من الضروري التفريق بين الحاجة المشروعة للعزاء والدعم النفسي في أوقات الفقد، وبين الانسياق وراء وعود زائفة قد تستنزف الجيوب وتعمق الجراح النفسية.

 إن فهم الدوافع النفسية والاجتماعية وراء هذه الظاهرة، والوعي بتقنيات الخداع المحتملة، هو خط الدفاع الأول ضد من قد يسعون لاستغلال أقدس المشاعر الإنسانية لتحقيق مكاسب شخصية.


**ظاهرة الحديث مع الموتى: بين الحقيقة والخرافة والاستغلال**


تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent