recent
أخبار ساخنة

### **صرخة صامتة: تجارة "الإيجياو" الصينية تهدد بقاء الحمير وتستنزف أفريقيا**

 ### **صرخة صامتة: تجارة "الإيجياو" الصينية تهدد بقاء الحمير وتستنزف أفريقيا**

 

في زوايا نائية من العالم، حيث لا تزال الحمير تمثل شريان الحياة لملايين الأسر الفقيرة، يتردد صدى أزمة عالمية صامتة. هذه الأزمة لا تُبث في نشرات الأخبار اليومية، لكنها تترك ندوباً عميقة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعات بأكملها. إنها قصة الطلب النهم على جلود الحمير، الذي يغذيه سوق دواء صيني تقليدي يُعرف باسم "إيجياو" (Ejiao)، سوق تقدر قيمته بمليارات الدولارات ويدفع ثمناً باهظاً له حيوان خدم البشرية بصبر لآلاف السنين.

في زوايا نائية من العالم، حيث لا تزال الحمير تمثل شريان الحياة لملايين الأسر الفقيرة، يتردد صدى أزمة عالمية صامتة. هذه الأزمة لا تُبث في نشرات الأخبار اليومية، لكنها تترك ندوباً عميقة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي لمجتمعات بأكملها. إنها قصة الطلب النهم على جلود الحمير، الذي يغذيه سوق دواء صيني تقليدي يُعرف باسم "إيجياو" (Ejiao)، سوق تقدر قيمته بمليارات الدولارات ويدفع ثمناً باهظاً له حيوان خدم البشرية بصبر لآلاف السنين.
### **صرخة صامتة: تجارة "الإيجياو" الصينية تهدد بقاء الحمير وتستنزف أفريقيا**



### **صرخة صامتة: تجارة "الإيجياو" الصينية تهدد بقاء الحمير وتستنزف أفريقيا**


 

  • تحذر منظمة "ملاذ الحمير" (The Donkey Sanctuary)، وهي منظمة بريطانية غير حكومية
  •  رائدة في هذا المجال، من أن ما يقرب من ستة ملايين حمار يُذبح سنوياً لتلبية هذا الطلب، وهو رقم
  •  مرشح للارتفاع إلى ما يقرب من سبعة ملايين بحلول عام 2027. هذه الأرقام المفزعة لا تمثل
  •  مجرد إحصائية، بل هي شهادة على تجارة وحشية وغير مستدامة تهدد بقاء الحمير كنوع في بعض
  •  المناطق وتفكك سبل عيش المجتمعات التي تعتمد عليها.

#### **ما هو "الإيجياو"؟ محرك الأزمة**

 

"الإيجياو" هو مادة جيلاتينية تُستخلص من غلي جلود الحمير. في الطب الصيني التقليدي، يُعتبر هذا المنتج الثمين "إكسير حياة"، ويُنسب إليه طيف واسع من الفوائد الصحية، أبرزها تحسين الدورة الدموية، مكافحة فقر الدم، إبطاء علامات الشيخوخة، تعزيز الرغبة الجنسية، ومنع الإجهاض.

 

  • تاريخياً، كان "الإيجياو" منتجاً فاخراً محصوراً في بلاط الأباطرة والطبقة الأرستقراطية في الصين.
  •  لكن مع الطفرة الاقتصادية الهائلة التي شهدتها الصين في العقود الأخيرة، وصعود طبقة وسطى قوية
  •  تتمتع بقدرة شرائية متزايدة، تحول "الإيجياو" إلى سلعة مرغوبة ورمز للمكانة الاجتماعية والصحة
  • الجيدة. أصبح يُباع في أشكال متعددة، من القوالب الصلبة والبودرة إلى المشروبات والوجبات الخفيفة
  •  مما وسع قاعدة مستهلكيه بشكل هائل. ونتيجة لذلك، انفجر الطلب ليصل حجم السوق العالمية إلى ما
  •  يزيد عن 6 مليارات دولار سنوياً.

 

المشكلة الجوهرية تكمن في أن إنتاج "الإيجياو" يعتمد حصراً على جلود الحمير، ولا يمكن استبدالها بجلود حيوانات أخرى وفقاً للمعتقدات التقليدية. هذا الاعتماد المطلق وضع ضغطاً هائلاً على أعداد الحمير في الصين نفسها، التي كانت تمتلك أكبر قطيع في العالم.

 

#### **انهيار القطيع الصيني وتحول الأنظار إلى أفريقيا**

 

تُظهر الأرقام حجم الكارثة داخل الصين. في عام 1992، كانت الصين تضم حوالي 11 مليون حمار. بحلول عام 2023، انهار هذا الرقم إلى 1.5 مليون حمار فقط. هذا الانخفاض الدراماتيكي، الذي تجاوز 86%، لم يكن نتيجة كارثة طبيعية، بل كان نتاجاً مباشراً للذبح الممنهج لتلبية الطلب المحلي على "الإيجياو".

 

  1. مع تضاؤل أعداد الحمير المحلية، وجد المنتجون الصينيون أنفسهم في مأزق. وبدلاً من كبح جماح
  2. الصناعة، حولوا أنظارهم إلى الخارج، لتصبح قارات مثل أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا الوسطى
  3.  المصدر الجديد للجلود. وبسبب وجود أعداد كبيرة من الحمير فيها، وضعف الأطر التنظيمية في كثير
  4. من دولها، تحولت أفريقيا إلى البؤرة الرئيسية لهذه التجارة العالمية.

 

#### **الأثر المدمر على المجتمعات الأفريقية**

 

في أفريقيا، الحمار ليس مجرد حيوان، بل هو محرك اقتصادي صغير، وشريك لا غنى عنه في الحياة اليومية لملايين الأسر الريفية. إنه "سيارة الفقراء"، و"جرار المزارع الصغيرة". تعتمد عليه النساء في جلب المياه والحطب من مسافات بعيدة، مما يوفر لهن الوقت والجهد للقيام بمهام أخرى. يعتمد عليه المزارعون في حرث حقولهم ونقل محاصيلهم إلى الأسواق. كما أنه وسيلة لنقل الأطفال إلى المدارس والمرضى إلى العيادات.

 

  • عندما يُسرق حمار عائلة ما، فإن الأثر يكون مدمراً وفورياً. تفقد الأسرة أداة إنتاجها الرئيسية
  •  وتتراجع قدرتها على كسب العيش، وقد تضطر الفتيات لترك المدارس للمساعدة في الأعمال المنزلية
  •  التي كان يقوم بها الحمار. إن فقدان حمار واحد يمكن أن يدفع أسرة بأكملها إلى دائرة الفقر من جديد.


هذه التجارة "حولت الحمير من أصول ثمينة إلى سلع مستهدفة"، كما يصف التقرير، مما أدى إلى وباء من السرقات المنظمة.

 

#### **الجانب المظلم: شبكات إجرامية وتجارة غير مشروعة**

 

الطلب الهائل على الجلود خلق سوقاً سوداء مزدهرة. تعمل شبكات إجرامية منظمة عبر الحدود، حيث يقوم لصوص بسرقة الحمير من القرى ليلاً، ثم يذبحونها بطرق وحشية في مجازر مؤقتة ومخفية، وغالباً ما يتم سلخها وهي لا تزال على قيد الحياة. تُترك جثث الحيوانات في العراء لتتعفن، مما يسبب مشاكل بيئية وصحية خطيرة، كتلوث مصادر المياه وانتشار الأمراض.

 

  1. هذه التجارة غير المشروعة لا تغذي الجريمة المنظمة فحسب، بل تقوض أيضاً سيادة القانون وتثير
  2.  التوترات داخل المجتمعات المحلية. إنها تجارة لا تعرف الرحمة، مدفوعة بجشع لا حدود له، وتعمل
  3.  غالباً دون أي رادع أو عقاب يذكر.

 

#### **صوت المقاومة والتحرك الدولي**

 

لحسن الحظ، لم تمر هذه الأزمة دون أن يلاحظها أحد. بدأت منظمات المجتمع المدني، وعلى رأسها "ملاذ الحمير"، في دق ناقوس الخطر منذ سنوات، من خلال الأبحاث الميدانية وحملات التوعية والضغط على الحكومات.

 

  • وقد تكللت هذه الجهود بنجاح تاريخي في فبراير 2024، عندما اتخذ الاتحاد الأفريقي قراراً تاريخياً
  •  يدعو إلى فرض حظر على مستوى القارة على تجارة جلود الحمير. جاء هذا القرار اعترافاً بأن
  •  التجارة أصبحت تشكل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي والتنمية المستدامة في أفريقيا. ورغم أن القرار
  •  ليس ملزماً قانونياً بشكل فوري، إلا أنه يمثل إشارة سياسية قوية ويشجع الدول الأعضاء على اتخاذ
  •  إجراءات وطنية حاسمة.

 

وقد سبقت عدة دول أفريقية هذا القرار، مثل بوتسوانا، تنزانيا، النيجر، وساحل العاج، بفرض حظر على تصدير جلود الحمير، لكن فعالية هذه الإجراءات الفردية كانت محدودة بسبب سهولة التهريب عبر الحدود إلى الدول المجاورة التي لا تفرض قيوداً. لذلك، يمثل النهج القاري الذي دعا إليه الاتحاد الأفريقي خطوة حاسمة نحو إغلاق الثغرات وتجفيف منابع هذه التجارة المدمرة.

 

#### ** مفترق طرق حاسم**

 

تقف البشرية اليوم عند مفترق طرق حاسم في علاقتها مع هذا الحيوان الصبور. فإما أن نسمح للطلب على منتج كمالي في جزء من العالم بأن يقضي على نوع حيوي ويدمر سبل عيش الملايين في جزء آخر، أو أن نتخذ موقفاً أخلاقياً حازماً لحماية الحمير والمجتمعات التي تعتمد عليها.

 الختام

إن الدعوة إلى وقف مؤقت لهذه التجارة، كما طالبت منظمة "ملاذ الحمير"، ليست مجرد دعوة لحماية الحيوان، بل هي دعوة لحماية كرامة الإنسان، واستقرار المجتمعات الريفية، والحفاظ على التوازن البيئي. إن الصرخة الصامتة لملايين الحمير التي تُذبح سنوياً يجب أن تُسمع، ويجب أن تدفعنا إلى العمل قبل فوات الأوان.

 فمستقبل هذا الحيوان النبيل أصبح اليوم مرتبطاً بشكل وثيق بضميرنا الجماعي وقدرتنا على اتخاذ الخيارات الصحيحة.

### **صرخة صامتة: تجارة "الإيجياو" الصينية تهدد بقاء الحمير وتستنزف أفريقيا**


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent