### **الهروب من كورباس: حين تتحول حقيبة السفر إلى أداة حرية وتُحرج نظام السجون الفرنسي**
في عالم الجريمة والقصص البوليسية، غالبًا ما تبدو أغرب السيناريوهات حكرًا على شاشات السينما وروايات
الخيال. لكن في يوم جمعة هادئ بالقرب من مدينة ليون الفرنسية، تحولت قصة خيالية
إلى حقيقة صادمة، عندما نجح سجين في العشرين من عمره في تنفيذ خطة هروب جريئة
وبسيطة في آن واحد، لم تعتمد على الأنفاق أو طائرات الهليكوبتر، بل على حقيبة سفر
وزميل زنزانة كان يستعد للخروج إلى الحرية.
![]() |
### **الهروب من كورباس: حين تتحول حقيبة السفر إلى أداة حرية وتُحرج نظام السجون الفرنسي** |
- هذه الحادثة التي وقعت في سجن كورباس، أحد السجون الرئيسية في فرنسا، لم تكن مجرد عملية
- هروب ناجحة، بل كانت بمثابة صفعة قوية وجهت إلى إدارة السجون الفرنسية، كاشفة عن ثغرات
- أمنية فادحة، ومثيرةً لأسئلة عميقة حول كفاءة النظام العقابي بأكمله، بدءًا من اكتظاظ السجون وصولًا
- إلى الإجراءات الروتينية التي يبدو أنها أصبحت شكلية أكثر منها
فعّالة.
#### **تفاصيل الخطة البساطة الجريئة**
وفقًا للبيان الرسمي
الصادر عن إدارة السجون الفرنسية، والذي جاء مقتضبًا ومحرجًا، فإن السجين الشاب "استغل
الإفراج عن نزيل آخر في نفس الزنزانة للاختباء داخل أمتعته والخروج". هذه
الجملة القصيرة تخفي وراءها تفاصيل مذهلة تتحدى المنطق. كيف يمكن لإنسان بالغ، حتى
لو كان نحيف البنية، أن يختبئ داخل حقيبة أمتعة دون أن يثير أي شكوك؟ وكيف مرت هذه
الحقيبة، التي من المفترض أنها تحمل وزنًا غير طبيعي، عبر نقاط التفتيش والحراسة
دون أن يتم فحصها بدقة؟
- تكمن عبقرية الخطة في استغلالها للحظة نفسية وإجرائية بالغة الحساسية: لحظة الإفراج عن سجين.
- في هذه اللحظة، يكون التركيز الأمني والإداري منصبًا على استكمال الأوراق الرسمية، والتأكد من
- هوية السجين المُفرج عنه، وتسليمه مقتنياته الشخصية. قد يتراخى الانتباه لدى الحراس، الذين
- يتعاملون مع هذا الإجراء بشكل يومي، ويتحول فحص الأمتعة إلى إجراء روتيني سريع، خاصة إذا
- لم تكن الحقيبة تبدو مريبة بشكل صارخ.
يطرح هذا السيناريو عدة
احتمالات:
1. **تواطؤ زميل الزنزانة:** وهو الاحتمال الأقوى. من شبه المستحيل
أن تتم العملية دون علم ومساعدة نشطة من السجين المُفرج عنه. فقد كان عليه أن يحمل
الحقيبة الثقيلة بطريقة لا تثير الشكوك، وأن يتصرف بشكل طبيعي تمامًا وهو يعلم أنه
يهرّب إنسانًا. هذا يفتح تحقيقًا جنائيًا جديدًا بحق هذا الزميل، الذي تحول من
سجين سابق إلى هارب من العدالة أو شريك في جريمة.
2. **طبيعة الحقيبة:** لا بد أنها كانت حقيبة كبيرة جدًا ومتينة،
ربما من النوع المستخدم في الشحن، وهو ما يثير سؤالًا آخر حول كيفية السماح بإدخال
مثل هذه الحقائب إلى السجون أو الاحتفاظ بها.
3. **فشل أمني كارثي:** النقطة الأكثر إثارة للقلق هي الفشل التام
في البروتوكولات الأمنية. هل تفتقر السجون الفرنسية إلى أجهزة مسح بالأشعة السينية
للأمتعة الخارجة؟ هل يعتمد الأمر كليًا على التفتيش اليدوي الذي يبدو أنه لم يتم
بجدية؟ أم أن الإرهاق ونقص الموظفين، وهي مشاكل مزمنة في السجون الفرنسية، قد وصلا
إلى درجة تسمح بمرور مثل هذه الخروقات الفاضحة؟
#### **من هو السجين الهارب؟ ليس مجرد مجرم عادي**
لم تكن خطورة الحادثة
تكمن في طريقة الهروب فقط، بل في هوية الهارب. لم يكن مجرد سجين يقضي عقوبة بسيطة.
فوفقًا لمصادر مطلعة نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية، فإن الشاب البالغ من العمر
20 عامًا كان يقضي بالفعل عدة أحكام قضائية، والأخطر من ذلك، أنه كان يخضع للتحقيق
في قضية كبرى مرتبطة بـ"الجريمة المنظمة".
- هذا التفصيل يغير المعادلة تمامًا. هروب عضو في شبكة إجرامية منظمة لا يعني فقط وجود مجرم
- طليق، بل يعني أيضًا احتمال وجود شبكة دعم خارجية ساعدت في التخطيط والتنفيذ، وستعمل الآن
- على إخفائه وتوفير الموارد اللازمة له للاختفاء عن الأنظار. كما أنه يمثل خطرًا أكبر على المجتمع
- فهؤلاء المجرمون غالبًا ما يعودون إلى أنشطتهم الإجرامية فور خروجهم. إن هروبه لا يمثل إحراجًا
- إداريًا فحسب، بل تهديدًا أمنيًا حقيقيًا يتطلب
استنفارًا واسع النطاق للقبض عليه.
#### **رد الفعل الرسمي تحقيق مزدوج ومحاولة لاحتواء الأزمة**
كما هو متوقع، سارعت
السلطات إلى فتح تحقيق على مستويين. الأول هو تحقيق داخلي تجريه إدارة السجون
الفرنسية لتحديد مواطن الخلل الإداري والإجرائي. سيركز هذا التحقيق على مساءلة
الموظفين الذين كانوا في الخدمة ذلك اليوم، ومراجعة كاميرات المراقبة، وتقييم
البروتوكولات المتبعة عند الإفراج عن السجناء. الهدف هنا هو تحديد المسؤوليات
المباشرة ومنع تكرار مثل هذه الحادثة المذلة.
- أما المستوى الثاني، فهو تحقيق جنائي أوسع نطاقًا فتحته النيابة العامة في ليون. هذا التحقيق لن يقتصر
- على البحث عن السجين الهارب، بل سيتعمق في البحث عن جميع المتواطئين، وعلى رأسهم زميله
- في الزنزانة. سيتم استجواب أفراد عائلاتهم وجهات الاتصال الخاصة بهم، وتتبع مسارهم بعد مغادرة
- السجن.
لكن وراء هذه الإجراءات الرسمية، هناك أزمة ثقة حقيقية. كيف يمكن للمواطن الفرنسي أن يثق في نظام عقابي يسمح لسجين، متهم في قضايا الجريمة المنظمة، بالخروج من الباب الأمامي مختبئًا في حقيبة؟
#### **سجن كورباس في قلب العاصفة انعكاس لأزمة أعمق**
لا يمكن النظر إلى هذه
الحادثة بمعزل عن السياق الأوسع لأزمة السجون في فرنسا. تعاني السجون الفرنسية منذ
سنوات من مشاكل هيكلية حادة، أبرزها:
* **الاكتظاظ المزمن:** تسجل السجون الفرنسية بانتظام أرقامًا
قياسية في عدد النزلاء، حيث تتجاوز نسبة الإشغال في كثير من الأحيان 120%، وتصل في
بعض المؤسسات إلى 200%. سجن كورباس نفسه، الذي وقعت فيه الحادثة، معروف بأنه يعاني
من هذا الاكتظاظ. هذه البيئة المكتظة تخلق ضغطًا هائلاً على الموارد والبنية
التحتية، وتجعل من مهمة الحراس في المراقبة والسيطرة أمرًا شبه مستحيل.
* **نقص الموظفين والإرهاق:** يقابل هذا الاكتظاظ نقص في عدد حراس
السجون، الذين يجدون أنفسهم يعملون لساعات طويلة في بيئة متوترة وعدائية. هذا
الإرهاق المزمن يؤدي حتمًا إلى تراجع اليقظة والانتباه للتفاصيل، مما يخلق ثغرات
أمنية يستغلها السجناء الأكثر ذكاءً وجرأة.
* **تاريخ من عمليات الهروب الجريئة:** على الرغم من أن طريقة "الحقيبة"
قد تكون فريدة من نوعها، إلا أن السجون الفرنسية شهدت عمليات هروب مذهلة أخرى،
أشهرها عمليات الهروب باستخدام طائرات الهليكوبتر التي نفذها المجرم الشهير رضوان
فايد مرتين. كل عملية هروب ناجحة تكشف عن نقاط ضعف جديدة وتثبت أن السجناء
المصممين على الهرب غالبًا ما يكونون متقدمين بخطوة على الأنظمة الأمنية الجامدة.
#### ** ما بعد الحقيبة**
إن هروب سجين كورباس في
حقيبة زميله ليس مجرد قصة طريفة أو غريبة تصلح لعناوين الأخبار. إنها جرس إنذار
يصم الآذان، يكشف عن حالة التآكل التي وصلت إليها بعض جوانب النظام الأمني في
فرنسا. إنها قصة عن كيف يمكن للإهمال البسيط والروتين القاتل أن يفتحا الباب أمام
أكبر الخروقات الأمنية.
الختام
بينما تواصل السلطات الفرنسية بحثها الحثيث عن الهارب وشريكه، يبقى السؤال الأكبر قائمًا: هل ستكون هذه الحادثة المحرجة كافية لإحداث تغيير حقيقي وجذري في طريقة إدارة السجون؟
أم أنها
ستُضاف إلى قائمة طويلة من الإخفاقات التي يتم التعامل معها بتحقيقات داخلية ثم تُنسى
مع مرور الوقت، حتى تقع الكارثة التالية التي قد تكون أشد وطأة وأكثر خطورة؟ في
نهاية المطاف، لم تكن الحقيبة مجرد أداة هروب، بل كانت مرآة عكست عيوبًا عميقة في
نظام بأكمله.