نمو سكان العالم مقابل الانكماش: لماذا تتراجع أعداد
البشر في بعض الدول رغم الزيادة الهائلة؟
أفكار حرة تامر نبيل
شهد العالم طفرة
ديموغرافية غير مسبوقة، حيث قفز عدد سكان العالم بنسبة مذهلة بلغت 700%
خلال القرنين الماضيين فقط، مرتفعاً من مليار نسمة في
عام 1800 إلى ما يقرب من 8.2 مليار نسمة في عام 2024. ورغم هذه الأرقام
الضخمة، يتجه العالم نحو منعطف تاريخي حاد؛ إذ تواجه العديد من الدول، خاصة في
أوروبا وآسيا، خطر "الانكماش السكاني" وتقلص أعداد مواطنيها بشكل متسارع.
في هذا التقرير، نستعرض
أسباب هذا التناقض، والدول الأكثر تضرراً، ومستقبل البشرية في ظل تغير الخارطة
الديموغرافية.
 |
| نمو سكان العالم مقابل الانكماش: لماذا تتراجع أعداد البشر في بعض الدول رغم الزيادة الهائلة؟ |
نمو سكان العالم مقابل الانكماش: لماذا تتراجع أعداد البشر في بعض الدول رغم الزيادة الهائلة؟
أوروبا القارة الوحيدة التي يتناقص سكانها
تُظهر البيانات الحديثة أن
أوروبا هي القارة الوحيدة عالمياً التي تسجل انخفاضاً فعلياً في عدد السكان.
- تراجع مستمر:
انخفض عدد الأوروبيين بنسبة 0.2% في عام 2023 مقارنة
بالعام السابق، وهو اتجاه بدأ منذ عام 2021.
- أزمة أوروبا الشرقية:
تأتي دول أوروبا الشرقية في مقدمة الدول التي تعاني
من هذا الانخفاض، ويعود ذلك إلى انهيار معدلات المواليد بعد تفكك الاتحاد
السوفياتي، بالإضافة إلى موجات الهجرة الضخمة نحو الغرب بعد توسع الاتحاد
الأوروبي.
- الخطر في اليونان:
تُعد اليونان ثالث أسرع دولة انكماشاً في العالم،
مع توقعات بفقدان مليون نسمة بحلول 2050، مما يهدد بانهيار الخدمات وسوق
العمل.
آسيا
والمحيط الهادئ أرقام مقلقة وسيناريوهات الانقراض
لا يقتصر التراجع على
أوروبا، بل يمتد ليشمل قوى عظمى ودولاً جزرية:
1. اليابان وسيناريو 2720
تعيش اليابان ركوداً
سكانياً مزمناً، حيث سجلت في عام 2023 أدنى معدل للمواليد (أقل من 700 ألف) مقابل
ضعف هذا العدد من الوفيات.
- تحذير علمي:
تشير النظريات الديموغرافية إلى أنه إذا استمرت
المعدلات الحالية، فقد تواجه اليابان خطر "الانقراض السكاني" بحلول
عام 2720، حيث لن يتبقى سوى طفل واحد دون سن 14 عاماً.
2. الصين
للعام الثالث على التوالي،
انخفض عدد سكان الصين (بمقدار 1.39 مليون نسمة في عام 2023)، مع استمرار تفوق
الوفيات على المواليد، مما يضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم أمام تحديات هائلة.
3. جزر كوك
سجلت هذه الدولة الصغيرة
في المحيط الهادئ أعلى معدل انكماش عالمي بنسبة 2.2%
خلال العام الماضي.
3
أسباب رئيسية وراء تباطؤ النمو السكاني
لماذا يعزف الناس عن
الإنجاب في العصر الحديث؟ تتضافر عدة عوامل لتفسير هذه الظاهرة:
1. انخفاض معدلات الخصوبة
العالمية
تراجع معدل الخصوبة
العالمي بمقدار طفل واحد لكل امرأة مقارنة بالجيل السابق، ليصل إلى 2.25
طفل، مع توقعات بانخفاضه إلى 2.1 بحلول أربعينيات القرن
الحالي. في دول مثل كوريا الجنوبية واليابان، انخفضت هذه المعدلات إلى مستويات حرجة
(أقل من 1.3).
2. تمكين المرأة والتعليم
أدى ارتفاع مستوى تعليم
المرأة ومشاركتها في سوق العمل إلى:
- تأخر سن الزواج والإنجاب.
- زيادة الوعي واستخدام وسائل تنظيم الأسرة.
- تغير الأولويات الشخصية والبحث عن الاستقلال
المادي قبل تكوين أسرة.
3. الأزمات الاقتصادية وانعدام الأمن
يواجه جيل الشباب اليوم
تحديات اقتصادية تعيق انتقالهم لمرحلة الأبوة والأمومة، أبرزها:
- أزمات السكن وارتفاع الإيجارات.
- انعدام الأمن الوظيفي.
- ارتفاع تكاليف تربية الأطفال والتعليم والرعاية
الصحية.
نظرة
مستقبلية عالم يشيخ
تتوقع الأمم المتحدة أن
يصل عدد سكان العالم إلى ذروته عند 10.3 مليار نسمة بين عامي 2080 و2090، قبل أن يبدأ
في الانخفاض بحلول نهاية القرن.
التحول الأخطر يكمن في البنية العمرية؛ فبحلول عام 2030،
سيتجاوز عدد من هم فوق الـ 80 عاماً عدد المواليد الجدد، وبحلول عام 2070، سيصبح
عدد المسنين (65 عاماً فأكثر) نحو 2.2 مليار نسمة، متجاوزاً عدد الشباب في العالم.
الخلاصة
بينما لا يزال الرقم الإجمالي لسكان العالم في
ازدياد، فإن الواقع التفصيلي يشير إلى أن البشرية تتجه نحو شيخوخة سريعة وانكماش
حتمي في العديد من المناطق، مما يستدعي إعادة النظر في السياسات الاقتصادية
والاجتماعية العالمية للتكيف مع هذا الواقع الجديد.