## كيف حوّل ميل بروكس فرانكنشتاين إلى كوميديا خالدة؟
يُعدّ "فرانكنشتاين الشاب" (1974) للمخرج
ميل بروكس أحد أبرز الأفلام الكوميدية التي مزجت بين النكات المسرحية وعناصر الرعب
الحقيقية، مما أدّى إلى صناعة تحفة فنية تُعتبر من أنجح الاقتباسات لرواية ماري
شيلي الخالدة. سيعود الفيلم إلى الشاشة هذا الخريف للاحتفال بذكرى مرور 50 عاماً
على إطلاقه، متجدداً في شغفه بإضحاك الجمهور، وداعياً إياه إلى إعادة اكتشاف سحر
هذه الكوميديا الخالدة.
## كيف حوّل ميل بروكس فرانكنشتاين إلى كوميديا خالدة؟
شخصية فرانكنشتاين
في هوليوود، تُعتبر شخصية فرانكنشتاين مصدر
إلهام لا ينضب، فهي شخص يحمل في طياته تناقضاً ملفتاً للنظر: مخلوق بلا روح إلا
أنه يتمتع بقوة هائلة. على مدى الـ 100 عام الماضية، اقتبست شخصية فرانكنشتاين في
عدد لا يُحصى من الأفلام، مما أدّى إلى تحوير وإعادة تفسير رؤية ماري شيلي الأصلية
لدرجة باتت تشوهها في بعض الأحيان.
تضمنت هذه الأعمال إنتاجات متنوعة، بدءاً من
الأفلام الرومانسية ورسوم الكرتون وصولاً إلى الكوميديا، بالإضافة إلى أفلام الرعب
التقليدية بالطبع. من آندي وارهول إلى آبوت وكوستيلو، حاول الجميع صنع نسختهم
الخاصة من قصة الوحش، لكن "فرانكنشتاين الشاب" تمكن من اقتناص مكانة
خاصة بين هذه التنوعات، ليصبح واحداً من أبرز أفلام فرانكنشتاين في تاريخ السينما.
كان المشروع في البداية غير واعد، إذ كان الممثل
جين وايلدر، الذي تألق للتو في فيلم رعاة البقر الساخر "سروج ملتهبة" (1974)
للمخرج بروكس، يطمح إلى كتابة وإخراج نسخته الخاصة من قصة فرانكنشتاين.
يستذكر وايلدر في سيرته الذاتية الصادرة عام 2006
كيف بدأت فكرة الفيلم: "في أعلى الصفحة كتبت 'فرانكنشتاين الشاب... ولادة وحش'
ثم كتبت صفحتين أتصور فيهما ما قد يحدث لي إذا كنت الحفيد الأكبر لبوفورت فون
فرانكنشتاين واستدعيت إلى ترانسيلفانيا لأنني ورثت عزبة فرانكنشتاين". من هذه
البداية الهشة، بدأ المشروع ينبض بالحياة تدريجياً، ويتحول إلى كيان قائم.
كان جين وايلدر على معرفة ببروكس منذ أن مثّل
على خشبة المسرح أمام زوجة المخرج آن بانكروفت في اقتباس مسرحي لرواية "الأم
الشجاعة وأبناؤها" لبرتولت بريخت عام 1963. وقد تألق وايلدر بالفعل في فيلم "المنتجون"
(1967)، وهو أول فيلم روائي لبروكس، إضافة إلى "سروج ملتهبة".
من جانبه، كان بروكس يرى في وايلدر مصدر إلهام،
واستمتع بقدرة الممثل على "الجمع بين الحزن والمرح في آن واحد". كان
بروكس يندهش من "براءته المتألقة"، وكان محقاً، فحتى عندما يؤدي وايلدر
أكثر المشاهد سخرية وجرأة كان يبدو دائماً مثل صبي وديع.
عندما اقترح وكيل أعمال وايلدر، مايك ميدافوي،
بروكس كمخرج محتمل لفيلم "فرانكنشتاين الشاب" صُدم الممثل، وكان متأكداً
من أن معلمه القديم لن يرغب في "إخراج أي شيء لم يكن من ابتكاره". لكن
وايلدر كان مخطئاً، فقد انقض بروكس بكل حماسة لاقتناص فرصة إخراج فيلم وحوش، ولم
يبد حتى أي تذمر عندما طلب منه وايلدر ألا يظهر في الفيلم خوفاً من أن يكون حضوره
مصدر تشتيت قوياً.
عمل الرجلان بجدية تامة على كتابة السيناريو،
وقاسما أوقات العمل وهما يتناولان أكواب الشاي وبسكويت النخالة. سرعان ما اتفقا
على أن مفتاح النجاح هو التعامل مع المشروع بكل جدية، وفي النسخة النهائية من
الفيلم يظهر فرانكنشتاين ووحشه وهما يرقصان مرتديين قبعات وقمصاناً رسمية على
أنغام موسيقى "إيرفينغ برلين".
النص مليء بالنكات القديمة، التي من شأنها أن
تجعل الجمهور يتنهد، و يحوي أيضاً نكاتاً فظة حول "الصدور الكبيرة".
تسود العبثية الفيلم، لكن "فرانكنشتاين
الشاب" يمتلك أيضاً أساسات فيلم رعب حقيقي حرفياً، فقد استعان صانعو الفيلم
بجماجم حقيقية لإضفاء لمسة من الواقعية على المشاهد الأولى.
تولى بروكس ووايلدر عملية البحث بجدية تامة،
ودرسا رواية شيلي بعناية، وشاهدا وأعادا مشاهدة فيلمي جيمس ويل "فرانكنشتاين"
و"عروس فرانكنشتاين". وكانا مصممين على أن يكونا أمينين للرؤية البصرية
وإيقاع فيلمي ويل.
حبكة الفيلم
تركز حبكة الفيلم على الدكتور فريدريك فرانكنشتاين،
الأكاديمي الأميركي اللامع الذي يشعر بالخجل العميق من تجارب أسلافه الأوروبيين "الغريبة"
لإحياء الموتى. (ولتمييز نفسه عن قريبه المشين يصر على نطق اسم عائلته "فرونكنشتين").
ومع ذلك، فعندما يرث عزبة عائلته في ترانسيلفانيا يجد نفسه مجبراً على تكرار هذه التجارب
عينها. (يتم تقويض رؤيته الجريئة لخلق حياة جديدة عندما يجلب مساعده الدماغ الخطأ
بدماغ يعود لشخص ذي قدرات عقلية غير طبيعية).
يتميز فيلم "فرانكنشتاين الشاب" بدرجة
من التحفظ، ويمكن القول إن هذا ما يجعله على الأرجح أكثر إضحاكاً من بعض المعالجات
الكوميدية غير المتماسكة التي قدمها بروكس لاحقاً.
قرار مرعب
أحد القرارات الأساسية التي أرعبت ممولي "فرانكنشتاين
الشاب" كان اختيار تصوير الفيلم بالأبيض والأسود. ولا يوجد أي عنصر في الشارة
الافتتاحية للفيلم يوحي بأن هذا العمل كوميدي على الإطلاق. عليك الانتظار دقيقتين
في الأقل حتى تتمكن من الضحك فعلياً (يعود الفضل بذلك لهيكل عظمي يقدم عرضاً
فكاهياً).
وإذا كان الفيلم يشبه بصورة لافتة أفلام بوريس
كارلوف التي ألهمته، فذلك ليس مصادفة، فقد تمكن بروكس وفريقه بطريقة ما من الوصول
إلى المعدات المخبرية التي استخدمتها شركة "يونيفرسال" قبل 40 عاماً في
فيلمي ويل.
ولتفادي انتهاك حقوق الملكية الفكرية لم يمتلك
الوحش (الذي جسده بصورة رائعة الممثل الضخم بيتر بويل) البرغي الشهير الذي يثبت
رقبته، ولذا ثبتوها بسحّاب بدلاً من ذلك. لكن كل الأشياء الأخرى كانت على مستوى
عال من الدقة، بدءاً من الماكياج ووصولاً إلى باروكة الشعر الشبيهة بقفير النحل
التي ارتدتها إحدى الشخصيات في وقت لاحق، والتي تتطابق تماماً مع تسريحة الشعر
المنفوشة الشهيرة لإلسا لانشستر في فيلم "عروس فرانكنشتاين" (1935).
ومن الغريب أن فيلم "فرانكنشتاين الشاب"
أكثر وفاء بكثير للمصدر الأصلي من معظم المعالجات السينمائية الأخرى التي سبقته أو
جاءت بعده. وصحيح أن هذا الإخلاص ليس واضحاً للوهلة الأولى عندما تشاهد "الحدبة
المتحركة" لمارتي فيلدمان (التي تتنقل بين كتفيه طوال الفيلم) أو عينيه
الضخمتين في دوره كمساعد فرانكنشتاين الأحدب إيغور. وبخلاف بروكس قررت شيلي عدم
كتابة مشهد يصور رجلاً أعمى مسناً (جسّده جين هاكمان) يمسك إصبع الوحش على أنه
سيجار ويشعله، ولن تجد أيضاً أياً من النكات الفاحشة عن "العضو الذكري الضخم
للوحش" في كتاب شيلي. ومع ذلك، وعلى رغم الدعابة والسخف والإشارات الجنسية
المتكررة، يتضمن العمل الكوميدي الكلاسيكي لبروكس تقريباً جميع العناصر التي نجدها
في النسخ الأخرى الأكثر تقليدية.
وجود الرومانسية مع الرعب
التجسيد الرومانسي والجذاب الذي قدمه وايلدر
لشخصية فرانكنشتاين العصري بشعره المموج الذي يذكر بشعر ألبرت أينشتاين لا يزال
يحتفظ بألقه وسحره. وكذلك لم تفقد براعة الممثلين مثل كلوريس ليتشمان (التي جسدت
دور 'فراو بلوخر' الشريرة ولكن الجذابة، وسُميت على اسم القائد البروسي المنتصر في
معركة واترلو)، تيري غار (في دور 'إنغا' الخادمة الترانسيلفانية الفاتنة التي تحب
الاستلقاء في التبن)، كينيث مارس (الذي قدم أداء بمهارة بيتر سيلرز في شخصية مفتش
شرطة ضخم بحضور مميز ولهجة ألمانية غير مفهومة وذراع اصطناعية ونظارة أحادية على
عينه العمياء)، ومادلين كان (في دور 'إليزابيث' الخطيبة المتزينة بفراء المنك
والتي تنجذب بشدة نحو الوحش).
ومع ذلك قد تثير بعض عناصر الفيلم الاستياء لدى
المشاهدين المعاصرين، فسياساته الجنسية قد تكون غير ملائمة مثل مشهد الوحش الذي
يجسده بويل ويبدو وكأنه سيغتصب إليزابيث (التي تنطلق بعد ذلك في ملحمة من النشوة
بعد أن مارسا الجنس سبع مرات متتالية)، أو مشاهد الدكتور فريدريك وهو يضع مساعدته
إنغا بكل عفوية في السرير. بالتأكيد لن تكون مشاهد مضحكة في يومنا هذا.
على كل حال، يظل هذا الفيلم قادراً على إدهاشك
برقته وابتكاره. حين تأتي أفضل اللحظات عندما تتوقع أن يقوم الوحش بقتل الطفلة
الصغيرة، لكنه بدلاً من ذلك يجلس على لعبة التوازن ويتسبب وزن جسده الضخم بقذفها
في الهواء ثم تحط بأمان على سريرها.
لم يخش وايلدر وبروكس استكشاف الأفكار المجردة،
ففي مشهد الدرس الرائع في بداية الفيلم يشرح فرانكنشتاين الذي يجسده وايلدر الفارق
بين النبضات العصبية الانعكاسية والطوعية بطريقة واضحة للغاية، وذلك عبر ركلة غير
متوقعة لخصيتي الرجل مسن.
وليس هناك وقت أفضل من يومنا هذا لإعادة إحياء "فرانكنشتاين
الشاب" على الشاشة الكبيرة، فهوس الوحوش يشتعل من جديد. تم بيع نسخة من الطبعة
الأولى لرواية شيلي في مزاد بولاية تكساس هذا الصيف بسعر مذهل بلغ 843 ألف دولار (650
ألف جنيه إسترليني). ويتم الآن إنتاج عملين منافسين تدور أحداثهما في عالم
فرانكنشتاين، أحدهما من إنتاج "نتفليكس" ومن إخراج غيليرمو ديل تورو. أما
العمل الآخر الذي يحمل عنوان "العروس" فهو من إخراج ماغي غايلنهال
وبطولة كريستيان بيل في دور الوحش وجيسي باكلي في دور رفيقه.
بروكس الذي احتفل ببلوغه عامه الـ 98 الشهر
الماضي وصف "فرانكنشتاين الشاب" بأنه "أعظم إنجازاته كمؤلف ومخرج".
وبينما لا يمكن تجاهل عبقرية أعماله السابقة مثل "المنتجون" و"سروج
ملتهبة"، إلا أنه من الصعب مجادلة تقييمه، فهذا المزيج من الكوميديا وقصص
الوحوش مفعم بالحيوية لدرجة تجعل معظم أفلام فرانكنشتاين الأخرى تبدو جثثاً هامدة
مقارنة به.