## تدوير الملابس: حكاية وهم أم حقيقة؟
في عالم تسوده الوعود الزائفة وتغلب
عليه شعارات الاستدامة، تتسلل أسئلة ملحة حول مدى فعالية بعض الحلول البيئية،
خصوصًا في مجال الموضة. وتبرز قضية تدوير الملابس كمثال بارز لهذا النقاش، حيث
تروج العلامات التجارية بشكل كبير لفكرة "المواد المعاد تدويرها" كمُنقذ
للبيئة، إلا أن الواقع أكثر تعقيدًا..
## تدوير الملابس: حكاية وهم أم حقيقة؟ |
**وهم "التدوير" أم حقيقة؟**
يعتقد كثيرون، بدافع حسن النية
غالبًا، أنهم يساهمون في حماية البيئة من خلال شراء ملابس مصنوعة من "مواد
معاد تدويرها". لكن الحقيقة المرة تكمن في أن الغالبية العظمى من هذه المواد
تأتي من عبوات بلاستيكية، وليس من ملابس قديمة، مما يعني أنها تُصنع من وقود
أحفوري بدلاً من إعادة استخدام موادٍ كانت موجودة بالفعل.
ففي متجر "أتش أند أم" في
باريس، تُقدم مجموعة واسعة من الملابس
مُعلّمة بعلامة "معاد تدويرها"،
وإحصائيات الشركة نفسها تُؤكد على أن 79% من البوليستر المستخدم في
مجموعاتها في العام الماضي كان "معاد
تدويره". لكن ما يخفيه هذا الترويج هو حقيقة أن المصدر الأساسي للبوليستر
المعاد تدويره هو "البولي إيثيلين
تيريفثاليت" (PET)، وهو مادة بلاستيكية تُستخدم بشكل أساسي في عبوات المشروبات.
**مخاطر إعادة تدوير البوليستر:**
تُعتبر إعادة تدوير البلاستيك عملية
معقدة تتطلب جهدًا كبيرًا وتُقلل من جودة المواد مع كل دورة تدوير. ففي حين يمكن
إعادة تدوير العبوات البلاستيكية 5 أو 6 مرات، فإن القميص المصنوع من البوليستر
المعاد تدويره "لا يمكن إعادة تدويره على الإطلاق" في المستقبل.
**صعوبات إعادة تدوير المنسوجات بشكل عام:**
لا يتوقف الأمر عند البوليستر،
فإعادة تدوير المنسوجات بشكل عام "أكثر تعقيدًا بكثير من إعادة تدوير موادٍ
أخرى، مثل الزجاج أو الورق". تُعتبر الملابس المصنوعة من أكثر من نوعين من
الألياف غير قابلة لإعادة التدوير، بينما تتطلب الملابس القابلة للتدوير فرزًا
دقيقًا باللون، وإزالة السحابات والأزرار، وغيرها من المواد.
ويُشير خبراء المجال إلى أن هذه
العملية "مُكلفة للغاية" وتُشكل عبئًا كبيرًا على العمالة، رغم ظهور
مشاريع تجريبية في أوروبا.
**حلول بديلة: غابة من الاحتمالات؟**
تُقدم بعض العلامات التجارية حلولًا
بديلة، مثل استخدام "القطن المعاد
تدويره"، لكن جودته تنخفض مع كل دورة تدوير، ما يتطلب مزجها مع مواد
أخرى، مما يعيدنا إلى مشكلة الأقمشة
المختلطة غير القابلة لإعادة التدوير.
تُستخدم أيضًا "الألياف
النباتية"، مثل "بيناتكس" المصنوعة من أوراق الأناناس، في بعض أحذية الرياضة. لكن
من المخاطر أن هذه المواد غالبًا ما
يتم دمجها مع البوليستر الحراري، مما يجعل المنتج "غير قابل لإعادة التدوير"
في النهاية.
**الاستهلاك المفرط: المشكلة الأساسية:**
أبرز الخبراء في هذا المجال أن "المشكلة الأكبر
تكمن في كمية الملابس التي يتم تصنيعها" بشكل عام، فزيادة إنتاج الملابس يُفاقم المشكلة، ويُجعل من الصعب إعادة تدويرها بكفاءة.
**أين تذهب مخلفات الملابس؟**
تُشكل الوجهة النهائية لمخلفات
الملابس، خصوصًا البوليستر غير القابل لإعادة التدوير والأقمشة المختلطة، مصدر قلقٍ كبير. فمن جهة،
يُصدر جزء كبير منها إلى أفريقيا وآسيا،
حيث تُباع كملابس مستعملة، أو تُرمى في "مطامر نفايات في الهواء الطلق"،
مما يُهدد البيئة ويؤثر على صحة السكان
المحليين.
ومن جهة أخرى، يُصدر جزء آخر إلى "مناطق اقتصادية مخصصة"
في آسيا، حيث تُفرز بشكلٍ غير آمن وتُعالج
بطرقٍ تُشكل تهديدًا للبيئة ولصحة العمال.
**المسؤولية المشتركة: من المُستهلك إلى المصنّع:**
تقع المسؤولية على عاتق المُستهلكين والمُصنعين معًا. فالمُستهلكون بحاجةٍ إلى تقليل استهلاك
الملابس، وإصلاح ما يُمكن إصلاحه، وإعادة استخدام الملابس القديمة، ودعم العلامات
التجارية التي تُقدم منتجاتٍ مستدامة.
أما المُصنعون، فيجب أن يُركزوا على استخدام موادٍ قابلة
لإعادة التدوير، والتخلي عن "الاستخدام
المفرط" لعلامة "معاد تدويره" دون ضمان فعالية عملية التدوير.
**إلى أين تسير رحلة "التدوير"؟**
تُشكل قضية تدوير الملابس تحديًا
كبيرًا للبيئة، ولن يُمكن حلها بمجرد
استخدام علامات "معاد تدويرها".
نحتاج إلى تغييرٍ جذري في ثقافة الاستهلاك، ودعم مبادراتٍ حقيقية لإعادة تدوير المنسوجات، والتوجه نحو استخدام موادٍ طبيعيةٍ
ومتجددةٍ في صناعة الملابس.
فلا بد من إعادة النظر في الطريقة التي نُنتج ونستهلك ونُعالج بها الملابس، لضمان بيئةٍ صحيةٍ لأجيالٍ قادمة