## إشعال النار وقرع الطبول: رحلة إشارات التواصل البشري عبر العصور
منذ فجر التاريخ، سعى الإنسان إلى
التواصل مع الآخرين، إلى نقل الأفكار والمشاعر، وتبادل المعرفة. لقد شكلت هذه الرغبة العميقة المحرك الأساسي
لتطور وسائل التواصل، ابتداءً من الإشارات البسيطة إلى اللغات المعقدة، مروراً
بالرسائل المكتوبة، وصولاً إلى الثورة الرقمية التي تسود عالمنا اليوم..
 |
| إشعال النار وقرع الطبول |
فكانت "الإشارات الدخانية"
وسيلة تواصل بدائية، اعتمدها بعض الحضارات القديمة مثل الصينيين والإغريق للتواصل
عبر المسافات الطويلة. في بعض المجتمعات
البدائية، كان "قرع الطبول" الوسيلة للتواصل الاجتماعي، حيث استخدمته القبائل الأفريقية والهنود الحمر
لإرسال إشارات ورسائل صوتية عبر مسافات بعيدة.
مع تطور الإنسان
تطورت وسائل
التواصل معه، فبرزت "رسائل الحمام
الزاجل" كوسيلة فعالة لنقل المعلومات عبر المسافات، لكن مع ظهور "مكاتب البريد" الرسمية
التي تحمل الرسائل من مكان إلى آخر، اختفى
الحمام الزاجل تدريجياً كوسيلة للتواصل. ولعبت
"البرقيات" دوراً كبيراً في وقف
الاعتماد على الحمام الزاجل وتخفيف العبء عن سعاة البريد حول العالم.
- لم تتوقف رحلة التطور عند هذا الحد،
- بل استمرت لتشهد ولادة "الكتابة" كأحد أهم اختراعات الإنسان.
- فكانت "الألواح الطينية" في بلاد ما بين النهرين
- وسيلة لكتابة الرسائل والمعاملات التجارية باستخدام "الخط المسماري"،
- وذلك يشكل الصورة البدائية الأكثر تطوراً لوسائل التواصل الاجتماعي
- التي أسهمت في تطوير
العلاقات الاجتماعية والاقتصادية،
والترويج للكتابة وطرق التعبير.
ونجد أن "الكتابة الهيروغليفية"
في مصر القديمة كانت طريقة للتواصل، كما هو الحال مع كل النقوش التي خلفتها
الحضارات الغابرة منذ رسوم الإنسان في العصر الحجري على جدران الكهوف. فكلها تشكل "رسائل" من الماضي تتحدث
عن ثقافة الإنسان وتفكيره.
- مع مرور الوقت، تمكن الإنسان من ابتكار
- وسائل أكثر فعالية للتواصل.
- كانت "الرسائل الورقية المكتوبة" الوسيلة الأساسية للتواصل بين الناس،
- حيث كانت ترسل عبر أنظمة البريد المختلفة
- وقد كان وصول الرسالة قد يستغرق أياماً أو حتى أشهر في بعض الأحيان.
- ولعب التجار الذين
يتنقلون بين المدن والدول دوراً كبيراً في نقل الأخبار والمعلومات.
وفي القرن الثامن عشر
برزت "الصحف" كأحد أهم وسائل نقل
الأخبار والمعلومات على نطاق واسع. مع
اختراع "التلغراف" في القرن التاسع عشر، حدثت ثورة في نقل المعلومات بسرعة بين المدن
والدول، حيث أصبحت المعلومات تنتقل عبر
إشارات كهربائية عبر أسلاك التلغراف، مما جعل
الاتصال أسرع بكثير مقارنة بالوسائل التقليدية.
- ومع اختراع "الراديو" في بداية القرن العشرين
- ثم "التلفزيون" بعد ذلك، أصبح بالإمكان نقل المعلومات عبر البث الإذاعي
- أو التلفزيوني إلى عدد كبير من الناس في وقت واحد،
- مما أحدث تحولاً في
كيفية وصول المعلومات إلى الجمهور.
لقد شكلت الثورة الرقمية في العقود الأخيرة
نقلة نوعية في عالم التواصل. فقد أصبحت "شبكات التواصل الاجتماعي" منصات هامة للتواصل والتباحث، حيث يمكن للأفراد من جميع أنحاء العالم التفاعل
والتواصل والتعرف على ثقافات جديدة ومشاركة الأفكار وتبادل الخبرات.
- إن سرعة التواصل في العصر الرقمي تُعد ميزة هامة،
- لكنها تحمل في طياتها بعض المخاطر.
- فقد أدى انتشار المعلومات بسرعة كبيرة
- إلى ما يُعرف بـ "إفراط المعلومات" Information Overload،
- حيث يصعب على الإنسان معالجة كمية المعلومات الضخمة التي يتعرض لها.
كما أدى انتشار المعلومات بسرعة
كبيرة إلى بعض المشاكل الاجتماعية، مثل انتشار
الاخبار الزائفة Fake News والتلاعب بالمعلومات
واختلاق الشائعات. ويمكن أن
تؤدي هذه العوامل إلى تزايد عدم الثقة في
المعلومات وضياع الحقيقة
وسط الضجيج الإعلامي.
ويمثل "الذكاء الاصطناعي"
أحدث تطورات عالم التواصل. فقد أدى
تطور الذكاء الاصطناعي إلى
ظهور "الروبوتات الدردشة" Chatbots
التي يمكنها
التفاعل مع الإنسان وإجراء
محادثات طبيعية تقريباً.
ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في
مختلف مجالات التواصل،
مثل خدمة العملاء والتعليم والترفيه.
- ولكن يُثير تطور الذكاء الاصطناعي
- مخاوف حول مستقبل التواصل البشري.
- فمن الممكن أن يؤدي الاعتماد الكبير على الذكاء الاصطناعي
- إلى ضعف مهارات التواصل اللغوية والاجتماعية
- وإلى
فقدان القدرة على
التفاعل بطريقة طبيعية
مع الآخرين.
إن رحلة التواصل البشري
طويلة
ومليئة بالتحديات والمغامرات.
لقد تطور التواصل
من الإشارات البدائية
إلى الأنظمة المعقدة
التي نشهدها اليوم.
ويمثل الذكاء الاصطناعي
مرحلة جديدة في
هذه الرحلة الطويلة.
الختام
يتطلب من
الإنسان أن يكون
على وعي بمخاطر
الذكاء الاصطناعي وأن
يبذل الجهد لضمان
أن يبقى التواصل
البشري صحيحاً وإنسانياً.