## عندما أصبح العبث بالطعام هوايةً على وسائل التواصل الاجتماعي: دراسة في ضياع المعنى
شهدت السنوات الأخيرة
صعوداً هائلاً لثقافة الطعام على منصات التواصل الاجتماعي، وتحوّلت هذه المنصات
إلى ساحات عرض ضخمة تُعرض فيها أشهى
الأطباق وأغربها على حد سواء.
## عندما أصبح العبث بالطعام هوايةً على وسائل التواصل الاجتماعي: دراسة في ضياع المعنى |
ولكن، وراء هذا الفيضان
من الصور والفيديوهات، تبرز ظاهرة مقلقة: تحوّل
إعداد الطعام وتناوله إلى هوايةٍ سطحيةٍ تهدف إلى تحقيق الشهرة اللحظية على
حساب القيمة الحقيقية للطعام والتواصل البشري.
لم يعد الطعام مجرد قوتٍ يُروي الجوع، بل أصبح وسيلةً لجذب الانتباه، ورمزاً لانتماءٍ افتراضيٍّ هش.
برزت هذه الظاهرة بشكلٍ واضحٍ على منصة تيك توك
التي تُعرف بقدرتها الهائلة على نشر الاتجاهات والترندات بسرعة البرق. فقد غزت صفحات تيك توك موجةٌ من "وصفات" الطعام الغريبة والعجيبة، والتي تتسم غالباً بالبساطة المبالغ فيها أو التشويه المتعمد للمكونات.
- أمثلةٌ لا تُحصى على ذلك: "كوكتيل الفتاة النائمة"
- ذلك المشروب البسيط الذي يُدّعى أنه يُحسّن النوم
- و"خبز السحاب" الخفيف جداً الذي يُعدّ من ثلاثة مكونات فقط،
- وصولاً إلى ظاهرة "الزبادي الجاف"
- تلك التجربة
الغريبة التي تتضمن تصفية الزبادي لساعاتٍ طويلةٍ ثمّ تشكيله بأشكالٍ مُبتكرة.
تتميّز هذه الترندات الغذائية
بكونها غالباً تفتقر إلى أي قيمةٍ غذائيةٍ أو طعميةٍ حقيقية، فالهدف الأساسي ليس إعداد طبقٍ لذيذٍ، بل إنشاء محتوى يُثير الدهشة أو الاستغراب، ويحصد ملايين المشاهدات والإعجابات. فالخوارزميات التي تُحكم منصات التواصل تُكافئ المحتوى اللافت للانتباه.
- بغض النظر عن جودته أو قيمة رسالته.
- وقد أصبح الاستهلاكُ المُفرط للمحتوى مُسيطراً
- مُحدّثاً دائرةً
متكررةً من التقليد الأعمى
وإعادة إنتاج نفس
الأنماط.
ولعلّ أبرز ما يُميّز هذه الظاهرة
هو الاستهتار بالموارد والطعام نفسه. فإعداد بعض هذه "الوصفات" يتطلب كمياتٍ كبيرةً من المكونات التي تُهدر في النهاية، بينما الأخرى تُنتج أطباقاً تفتقر إلى أيّ قيمةٍ غذائية. فإهدار الطعام لم يعد مجرّد سلوكٍ فرديٍّ.
- بل تحوّل إلى ظاهرةٍ اجتماعيةٍ تُشجّعها خوارزميات المنصات
- التي تُركز على الكمّ على حساب الكيف.
- بل تجاوز الأمر مرحلة الهدر إلى مرحلة الاستفزاز المُتعمد للمُشاهد
- كما يظهر
في بعض الفيديوهات
التي تُعرض أطعمةً
مُقززة بشكلٍ متعمّدٍ.
أكثر ما يُثير القلق
هو انعكاس هذه الظاهرة على سلوك المُستهلكين. فالهوس بتقليد ما هو شائعٌ على الصفحات الافتراضية يُحوّل الأشخاص إلى عبيدٍ للخوارزميات، يفقدون قدرتهم على التفكير النقدي واتخاذ القرارات المستقلة.
- تُصبح الوجبات مجرد فرصةٍ لإعداد أطباقٍ غريبةٍ
- للحصول على بعض الإعجابات والإشادة
- دون التركيز على المذاق أو القيمة الغذائية.
- يتحوّل وقت العشاء إلى عرضٍ مسرحيّ
- يهدف إلى
جذب الانتباه على
حساب متعة التواصل
والمشاركة مع الأهل
والأصدقاء.
وليس الأمر
مُقتصراً على المُستهلكين، بل تشارك
كبرى الشركات في
هذه اللعبة، ساعيةً
إلى الاستفادة من هذه الظاهرة
التسويقية الفعّالة. فالعديد
من المتاجر الكبرى
بدأت بالترويج لمنتجاتها
من خلال هذه
الترندات، مُسهمةً في
تعميق هذه الدائرة
المفرغة. وقد شهدنا
أمثلةً عديدةً على
ذلك، حيث أدت
بعض التحديات الغذائية
إلى نفاد بعض
المنتجات من الأسواق
بسبب الطلب الكبير
والغير مدروس.
الأبعاد السلبية
وبالتالي، لا يُمكن تجاهل الأبعاد السلبية لهذه الظاهرة، التي تتجاوز مجرد إعداد أطباقٍ غريبة. فإهدار الطعام، والاستهلاك المُفرط للمحتوى، وانعدام الوعي بالقيمة الحقيقية للطعام والتواصل.
- كلّها نتائج مقلقة لظاهرةٍ تسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي.
- يُشير هذا السلوك إلى فقدان المعاني والقيم الأصيلة
- واستبدالها بأهدافٍ سطحيةٍ لا تُضيف شيئاً إلى حياتنا
- سوى الشعور
القصير بالشهرة الافتراضية.
الختام
إنّ معالجة
هذه الظاهرة تتطلب
جهوداً متعددة الأطراف.
فمن الضروري أن
تُعزّز وسائل التواصل
الاجتماعي مفهوم المسؤولية
والتوعية بأهمية الاستهلاك
الواعي للأغذية، وتُحارب
ظاهرة إهدار الطعام
بشكلٍ فعال. كما
يُفترض أن تُعزّز
التربية الغذائية في
المدارس والمؤسسات الاجتماعية
لتعليم الأفراد أهمية
اختيار الأغذية الصحية
وتقدير قيمة الطعام
الحقيقي. وعلى المُستهلكين
أنفسهم أن يُغيّروا
من سلوكهم، وأن
يُعطوا الأولوية للتجربة
الحقيقية للطعام على
حساب الشهرة الافتراضية
اللحظية. فالمُشاركة الحقيقية
مع الآخرين حول
موائد الطعام هي
أكثر ثراءً وقيمةً
من الفيروسات الغذائية
العارضة التي تسيطر
على شاشاتنا. وإنّ
استعادة قيمة الطعام
والتواصل الإنساني الحقيقي
يُعدّ أولويةً للحفاظ
على صحة أفرادنا
ومجتمعاتنا.