كيف يتحرك معدل نمو اقتصاد مصر: مع استمرار خسائر الجنيه؟
يواجه الاقتصاد المصري
في الوقت الراهن مفترق طرق حاسم، حيث تتداخل فيه تطلعات النمو الطموحة مع تحديات
اقتصادية هيكلية متجذرة، يتصدرها تراجع قيمة العملة المحلية وتداعياته المتشعبة
على مختلف القطاعات.
كيف يتحرك معدل نمو اقتصاد مصر: مع استمرار خسائر الجنيه؟ |
وسط هذه التقلبات، يبرز السؤال
المحوري: كيف سيتمكن الاقتصاد المصري من تحقيق معدلات نمو مستدامة في ظل استمرار
خسائر الجنيه؟ وما هي الآليات التي يمكن من خلالها تجاوز هذه المعضلة؟
**رؤية متفائلة للنمو الاقتصادي وسط تحديات جمة**
في خضم هذه التساؤلات،
يطل علينا تقرير حديث يحمل في طياته بصيصاً من الأمل، متوقعاً أن يحقق الناتج
المحلي الإجمالي المصري نمواً بنسبة 4% خلال العام المقبل، وهو ما يتجاوز متوسط
النمو العالمي المتوقع بنسبة 3.2%. يُعد هذا التوقع بمثابة شهادة على مرونة
الاقتصاد المصري وقدرته على الصمود في وجه الصعاب، لا سيما في ظل التحديات
الاقتصادية العالمية الراهنة.
- ومع ذلك، فإن هذا النمو المتوقع لا يمثل سوى جزء من الصورة الكلية.
- فالأهداف الحكومية المعلنة تتجاوز هذا الرقم
- إذ تسعى الحكومة المصرية جاهدة إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي إلى 5.5%
- وذلك من خلال تحسين البيئة الاستثمارية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة
- بالإضافة
إلى دعم القطاع الخاص باعتباره المحرك الرئيسي للنمو والتوظيف.
**برنامج الإصلاح الاقتصادي: طموحات وأهداف**
في هذا السياق، تتبنى
الحكومة المصرية برنامجاً إصلاحياً شاملاً يهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي
وتعزيز النمو المستدام. يتضمن هذا البرنامج مجموعة من الإجراءات والسياسات الهادفة
إلى ترشيد الإنفاق العام وتعزيز الإيرادات الحكومية، وذلك من خلال توسيع القاعدة الضريبية
وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي، بالإضافة إلى مكافحة التهرب الضريبي.
- تستهدف الحكومة أيضاً خفض العجز المالي
- الذي يُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري
- وذلك من خلال تطبيق إجراءات تقشفية
- والحد من الإنفاق غير الضروري.
- كما تسعى إلى زيادة متوسط النمو السنوي للإيرادات العامة
- إلى مستوى 17.4%، وهو هدف طموح يتطلب جهوداً مكثفة
- من مختلف الجهات الحكومية المعنية.
بالإضافة إلى ذلك، يولي
البرنامج الاقتصادي أهمية خاصة لمعالجة مشكلة البطالة، التي تُعد من أبرز التحديات
الاجتماعية والاقتصادية في مصر. تهدف الحكومة إلى خفض معدلات البطالة إلى 6.5%،
وذلك من خلال توفير فرص عمل جديدة، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتأهيل الشباب
لسوق العمل.
**تداعيات تراجع قيمة الجنيه: تحدي مزدوج**
على الجانب الآخر،
يواجه الاقتصاد المصري تحدياً بالغ الأهمية، يتمثل في الخسائر المتتالية التي
يتكبدها الجنيه المصري مقابل الدولار. فمنذ عام 2016، شهدت سوق الصرف في مصر
تحولات جذرية تزامنت مع إعلان الحكومة عن برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي تضمن
تحرير سعر الصرف (التعويم). وقد أدى ذلك إلى تراجع حاد في قيمة الجنيه، حيث فقد
نحو 84.6% من قيمته أمام الدولار على مدار الأعوام الماضية.
- تشير البيانات المتاحة إلى أن سعر صرف الدولار
- قفز من 7.80 جنيه قبل أول قرار تعويم في نوفمبر 2016
- إلى نحو 50.75 جنيه في الوقت الحالي.
- وتعكس هذه الأرقام مدى الضغوط الهائلة التي يواجهها الجنيه المصري
- وتأثير ذلك على القدرة الشرائية للمواطنين وارتفاع تكلفة الواردات.
- ويؤدي تراجع قيمة الجنيه إلى ارتفاع معدلات التضخم
- حيث تزداد أسعار السلع والخدمات المستوردة
- مما يضغط على ميزانية الأسر المصرية ويزيد من الأعباء المعيشية.
- كما يؤثر تراجع قيمة الجنيه سلباً على الاستثمارات الأجنبية
- حيث يتردد المستثمرون في ضخ أموالهم في
اقتصاد يعاني من تقلبات سعر الصرف.
**تأثيرات التضخم على سلوك المستهلك**
وسط هذه الظروف
الاقتصادية الصعبة، يشهد سلوك المستهلك المصري تحولات كبيرة. فمع ارتفاع أسعارالسلع والخدمات، يبحث المستهلكون عن بدائل أرخص، ويقللون من إنفاقهم على السلع
الكمالية، ويتجهون نحو الادخار. وقد أشار تقرير صادر عن معهد "ماستر كارد"
للاقتصاد إلى أن الإنفاق الاستهلاكي في مصر قد يرتفع بنسبة 1.8%، إلا أن هذا
الارتفاع لا يعكس بالضرورة تحسناً في القوة الشرائية، بل قد يكون نتيجة لارتفاع
الأسعار.
- كما يتوقع التقرير أن يشهد التضخم في أسعار المستهلك انخفاضاً إلى 19.3%
- وهو ما يُعد مؤشراً إيجابياً، إلا أن هذا الانخفاض
- لا يزال دون المستوى المطلوب لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
- ويشير التقرير أيضاً إلى أن القطاع السياحي
- لا يزال يمثل علامة فارقة في الاقتصاد المصري
- حيث يظهر سفر الوافدين مرونة ملحوظة
- إلا أن هذا القطاع لا يزال يعاني من بعض التحديات
- مثل تداعيات الأزمات الإقليمية والعالمية.
**التحويلات المالية ودورها في دعم الاقتصاد**
في المقابل، تلعب
التحويلات المالية من المصريين العاملين في الخارج دوراً حيوياً في دعم الاقتصاد
المصري. فمع استمرار الهجرة، يرسل العاملون المصريون المغتربون تحويلات مالية
كبيرة إلى عائلاتهم في الوطن، مما يساهم في تخفيف الضغط على العملة المحلية وتحسين
ميزان المدفوعات.
- من المتوقع أن يدعم التعافي الاقتصادي والإصلاحات المحلية
- نمو التحويلات المالية خلال عام 2025
- في حين تتيح الرقمنة المستمرة في مجال المدفوعات للمستفيدين
- التحول إلى القنوات الرقمية والمتنقلة
- مما يؤدي إلى كفاءة كبيرة في الكلفة والأمان والراحة.
**توقعات بانحسار التضخم تدريجياً**
على صعيد التضخم، يشير
تقرير "ماستر كارد" إلى انخفاض معدل التضخم في جميع الاقتصادات الكبرى
بصورة كبيرة في عام 2024، مدعوماً بانخفاض أسعار السلع المعمرة وانخفاض التضخم في
السلع غير المعمرة. وفي حين تظل الأخطار الصاعدة على أسعار السلع الجيدة قائمة
بسبب التعريفات الجمركية، فمن المتوقع أن يؤدي تباطؤ نمو الأجور إلى انخفاض التضخم
في الخدمات.
- ويعتمد تقرير "التوقعات الاقتصادية لعام 2025"
- على عدد كبير من مجموعات البيانات العامة والخاصة
- بما في ذلك نشاط المبيعات المجمعة ومجهولة المصدر
- فضلاً عن النماذج التي تهدف إلى
تقدير النشاط الاقتصادي.
وقد أعلن البنك المركزي
المصري قبل أيام، تراجع معدل التضخم الأساس ليبلغ 24.4% خلال أكتوبر الماضي 2024
مقابل 25% خلال سبتمبر الماضي. وأشار إلى أن معدل التغير الشهري في الرقم القياسي
الأساس لأسعار المستهلكين سجل 1.3% خلال أكتوبر 2024، مقابل 1.8% في الشهر نفسه عام
2023 و1% خلال سبتمبر 2024.
استنتاجات**
يمكن القول
إن الاقتصاد المصري يواجه تحديات جمة في الوقت الراهن، إلا أنه يتمتع في الوقت
نفسه بإمكانات كبيرة للنمو والازدهار. فمن ناحية، يؤدي تراجع قيمة الجنيه وارتفاع
معدلات التضخم إلى تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، وتراجع القدرة الشرائية للأسر،
وتثبيط الاستثمارات الأجنبية.
- ومن ناحية أخرى، تبذل الحكومة المصرية جهوداً حثيثة
- لتنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي شامل
- يهدف إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتعزيز النمو المستدام
- وذلك من خلال ترشيد الإنفاق
- وتعزيز
الإيرادات، وتحسين بيئة الاستثمار، ودعم القطاع الخاص.
أهداف
ولتحقيق أهداف التنمية
المستدامة، يتعين على الحكومة المصرية مواصلة العمل الجاد على معالجة المشكلات
الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد، وتبني سياسات اقتصادية رشيدة، والعمل على جذب
الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع الصادرات، وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وخلق
فرص عمل جديدة للشباب.
- وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة
- أن تولي اهتماماً خاصاً لمعالجة تداعيات التضخم على حياة المواطنين
- وذلك من خلال توفير شبكات أمان اجتماعي
- ودعم السلع الأساسية، والحد من الاحتكار، وضبط الأسعار
- وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة وجاذبة للاستثمار.
الختام
إن تحقيق التنمية
المستدامة في مصر يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من حكومة وقطاع خاص
ومجتمع مدني، والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق المصلحة الوطنية العليا.