## فئران تقود السيارات: اكتشافات علمية مثيرة حول التوقع والإيجابية في عالم الحيوان والإنسان
في عالم البحث العلمي، حيث تتلاقى الفضول
والإصرار، تظهر بين الحين والآخر اكتشافات تثير الدهشة وتدفعنا لإعادة النظر في
فهمنا للطبيعة وسلوكياتها.
## فئران تقود السيارات: اكتشافات علمية مثيرة حول التوقع والإيجابية في عالم الحيوان والإنسان |
ومن بين هذه الاكتشافات، تبرز تجربة فريدة من
نوعها، تجمع بين تدريب الفئران على قيادة سيارات صغيرة، والكشف عن أبعاد جديدة في
علم الأعصاب والسلوك. لم يكن الهدف مجرد إثبات قدرة هذه القوارض على إتقان مهارة
القيادة، بل كان أعمق من ذلك بكثير، إذ قاد الباحثون إلى فهم أعمق لكيفية تأثير
التوقعات الإيجابية على الأداء المعرفي وصحة الدماغ، ليس فقط لدى الفئران، بل ربما
لدى البشر أيضًا.
**القيادة ليست مجرد مكافأة متعة الاكتشاف لدى الفئران**
في عام 2019، لفت فريق بحثي من جامعة ريتشموند
في ولاية فيرجينيا الأمريكية أنظار العالم، عندما نجحوا في تدريب مجموعة من
الفئران على قيادة سيارات صغيرة مصممة خصيصًا لهذا الغرض. لم تكن هذه السيارات سوى
عبوات بلاستيكية لألعاب الأطفال، مزودة بأسلاك صغيرة تمكن الفئران من التحكم في التسارع، ومكافآت مغرية من حبوب "فروت لوبس" كحافز للقيادة. لم يكن الأمر
مجرد تجربة عابرة، بل كان بداية رحلة استكشافية كشفت عن جوانب مذهلة في سلوك هذه
الكائنات الصغيرة.
- لم يقتصر الأمر على مجرد نجاح الفئران في إتقان مهارة القيادة
- بل أظهرت هذه القوارض
- حماسًا غير متوقع تجاه هذه التجربة.
- فبعد فترة وجيزة من التدريب، أصبحت الفئران تقود سياراتها
- بدقة فائقة للوصول إلى المكافأة.
- والأهم من ذلك، أن الفئران التي عاشت في بيئات غنية ومحفزة
- مليئة بالأصدقاء والألعاب والمساحات الواسعة للتنقل
- تعلمت أسرع من تلك التي عاشت في بيئات فقيرة ومحدودة.
- هذه الملاحظة الأولى أشارت إلى أهمية البيئة المحيطة
- في تطوير
القدرات المعرفية والسلوكية لدى هذه القوارض.
لم يتوقف الفريق البحثي عند هذا الحد، بل
استمروا في تطوير التجربة، حيث قاموا بتصميم سيارات جديدة للفئران، مستوحاة من
شاحنة تسلا سايبرترك، مزودة بأسلاك مقاومة للقوارض وإطارات لا تقهر وأذرع قيادة
مريحة. هذه التعديلات لم تكن مجرد تحسينات فنية، بل كانت تعكس اهتمام الباحثين
بتوفير بيئة محفزة وممتعة للفئران، مما يشجعهم على التفاعل بشكل إيجابي مع التجربة.
**درس في التوقع الفئران تترقب القيادة بشغف**
أثناء متابعة سلوك الفئران، لاحظت البروفيسورة
كيلي لامبرت، أستاذة علم الأعصاب السلوكي في جامعة ريتشموند، أمرًا لافتًا للنظر.
ففي أحد الصباحات خلال فترة جائحة كورونا، عندما دخلت إلى المختبر، وجدت أن
الفئران المدربة على القيادة تركض بحماس إلى جانب أقفاصها، وتقفز وكأنها تنتظر
نزهة في الخارج. هذا الحماس لم يكن مقتصرًا على وقت التدريب، بل كان يظهر حتى قبل
البدء فيه، مما دفع البروفيسورة لامبرت إلى التساؤل: هل كانت الفئران تفعل ذلك
دائمًا ولم ألاحظ؟ هل كانوا فقط متشوقين للحصول على حبوب "فروت لوبس"،
أم أنهم كانوا يتطلعون إلى متعة القيادة نفسها؟
- هذا التساؤل فتح الباب أمام اكتشاف جديد
- وهو أن الفئران لم تكن مدفوعة فقط بالمكافأة المادية
- بل كانت تستمتع أيضًا بالعملية نفسها.
- فالتوقع الإيجابي للقيادة، والشعور بالحماس والترقب
- كان لهما تأثير قوي على سلوك هذه القوارض.
- هذا الاكتشاف قاد الباحثين إلى التركيز على دراسة تأثير الأحداث
- الإيجابية وتوقعها على وظائف الدماغ العصبية.
**"انتظرها" تجربة جديدة لفهم قوة الترقب**
انطلاقًا من هذا الاكتشاف، صممت البروفيسورة
لامبرت وفريقها برنامجًا بحثيًا جديدًا أطلقوا عليه اسم "Wait For It" (انتظرها). في هذا البرنامج، تم تدريب الفئران على الانتظار
لفترة محددة قبل الحصول على المكافآت، وذلك بهدف زيادة مستوى الترقب لديها. على
سبيل المثال، تم إجبار الفئران على الانتظار لمدة 15 دقيقة بعد وضع قطعة من مكعبات
الليغو في قفصها قبل الحصول على حبة "فروت لوبس". كما تم تدريبهم على
الانتظار قبل دخول منطقة اللعب الخاصة بهم، وأداء مهام مثل تقشير بذور دوار الشمس
قبل الأكل.
- كانت نتائج هذه التجربة مذهلة
- حيث أظهرت الفئران التي أجبرت على الانتظار
- للحصول على المكافآت تحولًا ملحوظًا في نمط تفكيرها.
- فقد تحولت من نظرة متشائمة إلى نظرة أكثر تفاؤلًا
- وأصبحت أكثر جرأة في استراتيجيات حل المشكلات.
- كما أدت بشكل أفضل في المهام المعرفية
- مقارنة بمجموعة
الفئران التي كانت تحصل على مكافآتها بشكل فوري.
**"ذيل ستروب" وعلاقة الدوبامين بالسعادة**
لم تتوقف الاكتشافات عند هذا الحد، بل لاحظ الباحثون
ظاهرة غريبة في سلوك الفئران المدربة على توقع التجارب الإيجابية. فقد لاحظ أحد
الطلاب أن إحدى الفئران كانت ترفع ذيلها بشكل مستقيم مع انحناء في نهايته، مما
جعله يشبه مقبض مظلة قديمة. هذه الظاهرة، التي تُعرف باسم "ذيل ستروب"،
عادة ما تظهر في الفئران التي تتلقى المورفين، وترتبط بهرمون السعادة الدوبامين.
- هذا الاكتشاف أشار إلى أن التوقع الإيجابي والتجارب الممتعة
- يمكن أن تحفز إفراز الدوبامين في دماغ الفئران
- مما يعزز من شعورها بالسعادة والرضا.
- كما أنه يؤكد على أهمية التوقعات الإيجابية
- في التأثير
على الحالة المزاجية والسلوك العام للكائنات الحية.
**القيادة كمتعة بحد ذاتها الفئران تختار المغامرة**
لتأكيد أن الفئران تستمتع حقًا بالقيادة، قام
الباحثون بتجربة أخيرة. فقد وضعوا أمام الفئران خيارين: القيادة إلى حبة
"فروت لوبس" في سياراتها، أو اتخاذ طريق أقصر سيرًا على الأقدام. كانت
النتيجة مفاجئة، حيث اختار اثنان من الفئران الثلاثة أن يسلكا الطريق الأقل كفاءة،
إذ ابتعدا عن المكافأة وركضا نحو السيارة للقيادة إلى وجهتهما. هذه الاستجابة تشير
بوضوح إلى أن الفئران تستمتع بالرحلة بقدر ما تستمتع بالوصول إلى المكافأة.
**دروس مستفادة التوقعات الإيجابية مفتاح الصحة العقلية**
هذه التجربة الرائدة، التي بدأت بتدريب الفئران
على قيادة سيارات صغيرة، قادتنا إلى اكتشافات عميقة حول أهمية التوقعات الإيجابية
في حياة الكائنات الحية، بما في ذلك البشر. ففي عالم يسوده الإرضاء الفوري، تذكرنا
هذه الفئران بأن التخطيط والتوقع والاستمتاع بالرحلة قد يكون المفتاح لصحة الدماغ
والرفاهية العقلية.
- إن السعي وراء المكافآت الفورية بضغطة زر
- قد لا يكون هو الخيار الأمثل لتحقيق السعادة والرضا.
- فالتجارب الإيجابية، حتى وإن كانت تتطلب بعض الجهد والانتظار
- يمكن أن تكون أكثر تأثيرًا على صحتنا العقلية وسلوكنا العام.
- فالتوقع الإيجابي يشجعنا على الاستمرار في البحث عن مكافآت الحياة
- ويجعلنا
أكثر تفاؤلًا وقدرة على التكيف مع تقلبات الحياة.
الختام
يمكن القول بأن تجربة الفئران التي
تقود السيارات لم تكن مجرد تجربة علمية عابرة، بل كانت رحلة استكشافية مذهلة كشفت
لنا عن أبعاد جديدة في فهمنا للعلاقة بين السلوك والدماغ والتوقعات الإيجابية. هذه
التجربة تذكرنا بأن الفضول والإصرار هما مفتاح الاكتشاف، وأن الطبيعة لا تزال تخفي
في جعبتها الكثير من الأسرار التي تنتظر من يكشف عنها.