recent
أخبار ساخنة

## "مجهول تماماً": تألق ديلان غناءً وشعراً في مرآة السينما

الحجم
محتويات المقال

 

## "مجهول تماماً": تألق ديلان غناءً وشعراً في مرآة السينما

 

لا تزال سيرة بوب ديلان، هذا الشاعر المتجول الذي هزّ أركان الموسيقى والشعر معاً، تشكل مادةً دسمةً للإبداع السينمائي، فيلم "مجهول تماماً" (A Complete Unknown) للمخرج جيمس مانغولد، والمرشح لثماني جوائز أوسكار، بما في ذلك أفضل فيلم وإخراج وتمثيل، يقدم مقاربة جديدة لسيرة أسطورة الغناء والشعر، متجسداً في أداء متميز لتيموثي شالاماي، وبمشاركة كل من إدوارد نورتون وإيل فانينغ.


ينطلق الفيلم بمطلعٍ مقتبس من أغنية ديلان "مثل حجر متدحرج" (Like A Rolling Stone): "ما هو إحساسك، كيف هي أحاسيسك؟/ وأنت وحيد/ بلا وجهة تفضي إلى بيت/ مجهولاً تماماً، مثل حجر متدحرج". هذا الاختيار ليس عشوائياً، بل هو بمثابة مفتاح لفهم الفيلم بأكمله، فالعمل برمته متأسس على أغاني ديلان، وكل لحن يصدح في الفيلم يحيل إلى حدث أو مرحلة من حياته في بداية الستينيات. "مجهول تماماً" ليس مجرد سيرة ذاتية، بل هو رحلة في عوالم ديلان، الشاعر والمغني والعاشق والمتمرد، تمرداً محصوراً في الفن، بعيداً عن السياسة ودهاليز التحول إلى أيقونة ثورية.
## "مجهول تماماً": تألق ديلان غناءً وشعراً في مرآة السينما

ينطلق الفيلم بمطلعٍ مقتبس من أغنية ديلان "مثل حجر متدحرج" (Like A Rolling Stone): "ما هو إحساسك، كيف هي أحاسيسك؟/ وأنت وحيد/ بلا وجهة تفضي إلى بيت/ مجهولاً تماماً، مثل حجر متدحرج". هذا الاختيار ليس عشوائياً، بل هو بمثابة مفتاح لفهم الفيلم بأكمله، فالعمل برمته متأسس على أغاني ديلان، وكل لحن يصدح في الفيلم يحيل إلى حدث أو مرحلة من حياته في بداية الستينيات. "مجهول تماماً" ليس مجرد سيرة ذاتية، بل هو رحلة في عوالم ديلان، الشاعر والمغني والعاشق والمتمرد، تمرداً محصوراً في الفن، بعيداً عن السياسة ودهاليز التحول إلى أيقونة ثورية.

 

منذ اللحظة الأولى

 يغرق الفيلم المشاهد في بحر من الموسيقى، ما يقارب 23 أغنية، أي ما يعادل ساعة من مدة الفيلم التي تبلغ ساعتين و20 دقيقة. هذا بالإضافة إلى أغاني جون بايز وجوني كاش وودي غاثري وبيتي سيغر، مما يجعل من ثلثي الفيلم عبارة عن مقطوعات موسيقية. هذا التوغل المكثف في عالم الموسيقى يثير تساؤلات مشروعة: ماذا عن قصة الفيلم؟ ما هي الجوانب الجديدة التي يضيء عليها من حياة ديلان؟

 

  • "مجهول تماماً" ليس فيلماً وثائقياً كأعمال سكورسيزي عن ديلان
  •  "تيه بلا وطن" (NO Direction Home)
  • و"استعراض الرعد الهادر" (Rolling Thunder Revue)
  •  وهو أيضاً أبسط من فيلم تود هينز الروائي "أنا لست هناك" (I’m Not There)
  • الذي قارب سيرة ديلان على مستويات متعددة
  •  متشعبة لدرجة تتقاسمه فيها شخصيات 
  • لا رابط بينها إلا القلق والتمرد.
  • "مجهول تماماً" يتبنى نهجاً أكثر تركيزاً
  •  حيث يقتصر على فترة زمنية محددة من حياة ديلان
  • ويكتفي بتجسيد شخصيته من خلال ممثل واحد.

 

هذا التركيز يوجهنا إلى تحذير مزدوج

 إذا لم تكن مهووساً بأغاني ديلان، أو معجباً بها على الأقل، فقد لا تستمتع بالفيلم. ولكن إذا كنت تبحث عن فيلم يأخذك عميقاً في عالم الغناء والشعر، فعليك به! فالفيلم قادر على إيقاظ الهوس بأغانيه، هذه القصائد الاستثنائية التي لا نكتفي بسماعها، بل بقراءتها أيضاً، كما لو أننا نقرأ قصائد روبرت فروست وآلن غينسبرغ وروبرت كريلي وغيرهم من شعراء أميركا الكبار.

 

  1. بوب ديلان أخذ الشعر والغناء إلى فضاءات لم تكن معهودة قبله
  2.  ونيله جائزة نوبل للآداب عام 2016، كأول وآخر مغني ينالها حتى تاريخه
  3.  كانت تكريماً له كشاعر أيضاً، أو كما قالت سارة دانيوس
  4. سكرتيرة مؤسسة نوبل، إن اللجنة اختارت ديلان 
  5. لأنه "شاعر عظيم ضمن التقليد الشعري للناطقين بالإنجليزية".

 

الفيلم ينطلق مع أغنية "كنت فتى حين فارقت موطني"

حيث نلتقي بـ ديلان (تيموثي شالاماي) في يوم غائم من أيام نيويورك في بداية الستينيات، وهو يبحث عن المغني وودي غاثري (سكوت مكنيري). هذا المشهد يجسد وفاء ديلان لأغنية "كنت فتى..." التي يرد فيها "لم أرسل رسالة إلى موطني"، دلالة على انقطاع ديلان التام عن ولادته ونشأته في مينوسوتا. حتى اسم عائلته "زيمرمان" لا تعرفه حبيبته سيلفي روسو (إيل فانينغ) إلا من خلال رسالة يتجاهلها، فهو الذي أسمى نفسه بوب ديلان تأثراً بالشاعر ديلان توماس.

 

  • كل ما يشغل ديلان في الفيلم هو الأغاني وتأليفها
  •  وحين يقع في حب سيلفي، فإنه يحول شقتها
  •  إلى ورشة دائمة من الكتابة والتأليف ليل نهار. 
  • الأمر الوحيد الذي يعكر صفو هذا الحب هو تعرفه
  •  على المغنية جون بايز (مونيكا باربارو)
  •  التي ستكون شريكته الموسيقية
  •  مع أن هذه الشراكة لن تمنعها من أن تضيق ذرعاً بهوسه بأغانيه
  •  بقدرته على أن يترك كل شيء
  •  بما في ذلك لقاؤه السري معها في أحد الفنادق
  •  لينكب على كتابة أغنية جديدة.

 

الفيلم يتجاهل معظم المفاصل التاريخية المرتبطة بديلان

 باستثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. في تلك اللحظة العصيبة، عندما أصبحت صواريخ الاتحاد السوفياتي النووية في كوبا على مقربة من الانطلاق نحو الولايات المتحدة، نجد ديلان وحيداً بعد سفر حبيبته سيلفي، والناس من حوله يهربون وقد خلت نيويورك من الناس.

  1.  ديلان لا يجد سوى الغناء ملاذاً له
  2.  ويقصد حانة يغني فيها "سادة الحرب" (Masters of War)
  3.  التي تبدأ على النحو التالي: "يا سادة الحرب/ يا من تصنعون المدافع العملاقة/ 
  4. وتشيدون طائرات الموت/ وتملأون الأرض بالقنابل.
  5.  تختبئون خلف الجدران/ وتتوارون خلف المكاتب. 
  6. شيء واحد بودي أن تعرفوه جيداً/ ألا وهو أني أستطيع
  7.  رؤية وجوهكم خلف الأقنعة.
  8.  لم تصنعوا يوماً سوى أدوات الدمار/ وأنتم تتلاعبون بعالمي كأنه دميتكم/
  9.  تضعون بندقية في يدي/ ثم تتوارون عن ناظري/
  10.  وحين ينهمر الرصاص/ تولون هاربين."

 

"مجهول تماماً" يسعى إلى تقديم صورة فنان حقيقي

 لا يأبه بدروب الشهرة، ويفعل ما يؤمن به غير مبالٍ بأي شيء سوى ذلك، من دون الكليشهات التي تتسيد سير النجوم والمبدعين. ديلان يحضر في الفيلم من دون أي خلفية أخرى سوى فنه وتشرده وحريته، لا عائلة ولا محيط اجتماعي ولا معاناة. إنه بعيد كل البعد عن فيلم مانغولد عن جوني كاش "على الحافة" (Walk The Line)، الذي يبدأ من نشأته وقسوة أبيه وموت أخيه.

  •  في "مجهول تماماً"، لا نعرف ما إذا كان لديلان إخوة أو أخوات أصلاً
  •  وهو كلما سئل عن ماضيه يقول إنه كان يعمل في سيرك
  •  وقد قصد نيويورك ليقابل ملهمه وودي غاثري
  •  مؤلفاً "أغنية إلى وودي" (Song to Woody)
  •  التي يقول فيها "يا، يا وودي غاثري
  • قد كتبت لك أغنية/ عن هذا العالم العجيب الذي يسير للأمام/
  •  يبدو مريضاً وجائعاً، منهكاً وممزقاً/ كأنه يحتضر/
  •  رغم أنه بالكاد ولد/ يا وودي غاثري/ أعلم أنك تعرف كل ما أقوله
  •  وأكثر منه بكثير/ أغني لك هذه الأغنية، لكنني لن أغني ما يكفي/
  •  فقلة هم الرجال الذين فعلوا ما فعلت".

 

وقلة هم الفنانون الذين فعلوا ما فعلت يا بوب ديلان، ودوافع أفعالك مردها الإبداع من دون أي حسابات أخرى، غير مُبالٍ بأي شيء آخر، بما في ذلك الجمهور. هذا هو بيت القصيد في الفيلم، حيث يرينا تمرده عام 1965 على الغناء الشعبي (الفولك) الذي درج على تقديمه في "مهرجان نيوبورت" المخصص لهذا النمط الموسيقي.

الختام

 وعزفه باستخدام غيتار كهربائي مع فرقة روك أغاني جديدة لا صلة لها بكل ما يترقبه الجمهور أو جاهر في طلبه، مديراً له ظهره وقد وجد فيه معبراً إلى عوالم جديدة أخرى سرعان ما ترسخت في الذاكرة وتاريخ الموسيقى. "مجهول تماماً" ليس مجرد فيلم عن بوب ديلان، بل هو تأمل في طبيعة الفن والحرية والإبداع. إنه دعوة إلى الاستماع بعمق إلى أغاني ديلان، وفهم فلسفته المتمردة، وتقدير عبقريته التي غيرت وجه الموسيقى والشعر إلى الأبد.

تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent