## حملة ترمب على الوكالات الفيدرالية: تقويض البيروقراطية أم تقويض الدولة؟
في خطوة أثارت جدلاً
واسعاً وأعادت إلى الأذهان الجدل الأزلي حول دور الحكومة وحجمها، أطلق الرئيس
الأميركي السابق دونالد ترمب، وبدعم من قطب التكنولوجيا إيلون ماسك، حملة واسعة
النطاق استهدفت تقليص حجم البيروقراطية الفيدرالية وتقويض ما وصفوه بالإسراف
والهدر في الإنفاق العام.
![]() |
## حملة ترمب على الوكالات الفيدرالية: تقويض البيروقراطية أم تقويض الدولة؟ |
هذه الحملة، التي بدأت
تتكشف فصولها في بداية عام 2024، لم تقتصر على مجرد إجراءات تقشفية عادية، بل
اتخذت منحى جذرياً تجلى في عمليات تسريح واسعة النطاق، وتجميد المساعدات الخارجية،
ومحاولات لإلغاء حماية الخدمة المدنية، وصولاً إلى التفكير في إغلاق بعض المؤسسات
الحكومية بالكامل.
**خلفية الحملة صراع أيديولوجي ومصالح اقتصادية؟**
لم تكن حملة ترمب على
الوكالات الفيدرالية مجرد قرار عابر أو رد فعل ظرفي، بل كانت تتويجاً لرؤية أيديولوجيةترى في الحكومة الفيدرالية كياناً ضخماً مترهلاً يعيق النمو الاقتصادي ويستنزف
موارد دافعي الضرائب. هذه الرؤية، التي يتبناها التيار المحافظ في الولايات المتحدة،
تدعو إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد وتوسيع نطاق الحرية الفردية والمسؤولية
الشخصية.
- إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي لهذه الحملة
- حيث يرى ترمب وأنصاره أن تقليص الإنفاق الحكومي
- سيساهم في خفض الدين العام وتحسين الميزان التجاري
- وبالتالي تعزيز النمو
الاقتصادي وخلق فرص عمل.
لكن الأمر لا يتوقف عند
هذا الحد، فالدعم القوي الذي قدمه إيلون ماسك لهذه الحملة أثار العديد من
التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الدعم. فماسك، باعتباره مالكاً لشركة "سبيس
إكس" التي تعتمد بشكل كبير على العقود الحكومية، قد يكون لديه مصلحة في تقليص
حجم التنظيمات الحكومية التي تشرف على عمل شركته وتفرض عليها قيوداً.
**تفاصيل الحملة تسريحات بالجملة وإعادة هيكلة جذرية**
تجلى البعد العملي
لحملة ترمب في سلسلة من الإجراءات والقرارات التي استهدفت بشكل مباشر تقليص حجم
الوكالات الفيدرالية وتغيير طريقة عملها. من أبرز هذه الإجراءات:
* **تسريح الآلاف من الموظفين:** بدأت الحملة بعمليات تسريح واسعة
النطاق طالت أكثر من 9500 موظف في مختلف الوكالات الحكومية، بما في ذلك وزارات
الداخلية والطاقة وشؤون قدامى المحاربين والزراعة والصحة والخدمات الإنسانية. تركزت
هذه التسريحات بشكل خاص على الموظفين الجدد في فترة الاختبار، مما أثار انتقادات
واسعة النطاق حول مدى قانونية وأخلاقية هذه الإجراءات.
* **تشجيع الاستقالات الطوعية:** إلى جانب التسريحات، قدمت الإدارة
حوافز للموظفين لتقديم استقالات طوعية، وهو ما استجاب له نحو 75 ألف موظف، مما أدى
إلى تقليص حجم القوة العاملة الفيدرالية بشكل ملحوظ.
* **تجميد المساعدات الخارجية:** في خطوة أثارت قلقاً دولياً،
حاولت الإدارة تجميد معظم المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة للدول
النامية، وهو ما اعتبره البعض تراجعاً عن الدور القيادي الذي تلعبه الولايات
المتحدة في دعم التنمية العالمية.
* **محاولات إغلاق بعض المؤسسات الحكومية:** لم تتوقف طموحات
الإدارة عند مجرد تقليص حجم الوكالات الحكومية، بل وصلت إلى محاولة إغلاق بعض
المؤسسات بالكامل، مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وجهاز حماية المستهلك،
وهو ما أثار مخاوف حول مدى تأثير هذه الخطوة على قدرة الحكومة على أداء وظائفها
الأساسية.
* **إلغاء حماية الخدمة المدنية:** سعت الإدارة إلى إلغاء الحماية
التي توفرها الخدمة المدنية للموظفين الذين اجتازوا فترة الاختبار، وهو ما كان
سيجعلهم عرضة للفصل التعسفي ويقلل من استقلاليتهم في أداء عملهم.
**تأثيرات الحملة تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية**
لا شك أن حملة ترمب على
الوكالات الفيدرالية كان لها تأثيرات عميقة على مختلف جوانب الحياة في الولايات
المتحدة. من أبرز هذه التأثيرات:
* **تأثيرات اقتصادية:**
* **تقليص
الإنفاق الحكومي:** أدت التسريحات وتجميد المساعدات إلى تقليص الإنفاق الحكومي،
وهو ما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي على المدى القصير.
* **زيادة
البطالة:** أدت التسريحات إلى زيادة معدلات البطالة، خاصة بين الشباب والموظفين
الجدد.
* **تأثير على
القطاعات المتضررة:** تأثرت بعض القطاعات الاقتصادية بشكل خاص من هذه الحملة، مثل
قطاع الخدمات الاجتماعية وقطاع البحث والتطوير.
* **تأثيرات اجتماعية:**
* **تراجع
الخدمات العامة:** أدى تقليص حجم الوكالات الحكومية إلى تراجع مستوى الخدمات
العامة المقدمة للمواطنين، مثل خدمات الرعاية الصحية والتعليم والإسكان.
* **زيادة
عدم المساواة:** قد تؤدي هذه الحملة إلى زيادة حدة عدم المساواة في المجتمع، حيث
أن الفئات الأكثر ضعفاً ستكون الأكثر تضرراً من تراجع الخدمات العامة.
* **تأثير
على معنويات الموظفين:** أدت التسريحات والتهديدات بالفصل إلى تدهور معنويات
الموظفين الحكوميين وزيادة شعورهم بعدم الأمان.
* **تأثيرات سياسية:**
* **استقطاب
سياسي:** أثارت هذه الحملة استقطاباً سياسياً حاداً في الولايات المتحدة، حيث
انقسمت الآراء بين مؤيدين يرون فيها خطوة ضرورية لتقليص حجم الحكومة وتحسين
كفاءتها، ومعارضين يرون فيها هجوماً على الدولة الاجتماعية وتقويضاً للدور الحيوي
الذي تلعبه الحكومة في حماية حقوق المواطنين وتوفير الخدمات الأساسية.
* **تأثير
على العلاقة بين الحكومة والشعب:** قد تؤدي هذه الحملة إلى تدهور العلاقة بين
الحكومة والشعب، حيث أن المواطنين قد يفقدون الثقة في قدرة الحكومة على تلبية
احتياجاتهم وحماية مصالحهم.
* **تأثير
على الانتخابات القادمة:** من المتوقع أن تلعب هذه الحملة دوراً محورياً في
الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، حيث أن القضية المتعلقة بحجم ودور
الحكومة ستكون في صميم النقاشات السياسية.
**مستقبل الحملة هل تستمر أم تتلاشى؟**
يبقى السؤال المطروح: هل
ستستمر هذه الحملة في التوسع والتأثير على المشهد السياسي والاقتصادي في الولايات
المتحدة، أم أنها ستتلاشى مع مرور الوقت؟
الإجابة على هذا السؤال
تتوقف على عدة عوامل، من بينها:
* **نتائج الانتخابات القادمة:** في حال فوز حزب ديمقراطي في
الانتخابات الرئاسية والتشريعية، فمن المرجح أن يتم التراجع عن معظم الإجراءات
التي اتخذتها إدارة ترمب، والعودة إلى سياسات أكثر توسعية في الإنفاق العام.
* **الوضع الاقتصادي:** في حال استمرار النمو الاقتصادي، فمن
المرجح أن تتراجع حدة المطالبات بتقليص الإنفاق الحكومي، أما في حال حدوث تباطؤ
اقتصادي أو أزمة مالية، فمن المرجح أن تزداد الضغوط على الحكومة لخفض الإنفاق.
* **رد فعل الموظفين والناخبين:** في حال استمرار التسريحات وتدهور
الخدمات العامة، فمن المرجح أن يزداد الغضب الشعبي وتتزايد الضغوط على الحكومة
لتغيير سياساتها.
في الختام
يمكن القول
إن حملة ترمب على الوكالات الفيدرالية كانت بمثابة زلزال هز أركان الدولة
الأميركية، وأعاد إلى الأذهان النقاشات القديمة حول دور الحكومة وحدود سلطتها. هذه
الحملة، بغض النظر عن نتائجها النهائية، ستترك بصمة عميقة على المشهد السياسي
والاقتصادي والاجتماعي في الولايات المتحدة، وستظل تثير الجدل والانقسام لسنوات
قادمة.