recent
أخبار ساخنة

## أزمة تلوح في الأفق: نظرة فاحصة على سوق العقارات البريطانية المتعثر

الحجم
محتويات المقال

 

## أزمة تلوح في الأفق: نظرة فاحصة على سوق العقارات البريطانية المتعثر

 

لطالما كانت سوق العقارات البريطانية محط أنظار المستثمرين وطموحات المواطنين على حد سواء، حيث شهدت على مدار العقدين الماضيين صعوداً صاروخياً مدفوعاً بمجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية.


لطالما كانت سوق العقارات البريطانية محط أنظار المستثمرين وطموحات المواطنين على حد سواء، حيث شهدت على مدار العقدين الماضيين صعوداً صاروخياً مدفوعاً بمجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية.
## أزمة تلوح في الأفق: نظرة فاحصة على سوق العقارات البريطانية المتعثر

 فقد قفز متوسط أسعار المنازل من 85 ألف جنيه إسترليني في عام 2000 إلى ما يقارب 268 ألف جنيه إسترليني في الوقت الراهن، أي بزيادة تفوق 215%، وفقاً لأرقام مكتب الإحصاءات الوطنية. هذا الارتفاع المطرد، الذي رسخ صورة العقار كملاذ آمن للاستثمار ومؤشر للرخاء، بات اليوم على شفا ت 

تتجسد ملامح الأزمة الوشيكة في عدة مؤشرات رئيسية.

 أولاً، يشهد السوق ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المنازل المعروضة للبيع، ليبلغ أعلى مستوياته منذ عشر سنوات، بحسب مؤشر أسعار المنازل الصادر عن "رايت موف". هذا التدفق المتزايد للعرض يضعف قبضة البائعين على تحديد الأسعار، ويمنح المشترين هامشاً أوسع للتفاوض وفرض شروطهم، مما يقلل من احتمالية تحقيق أرباح كبيرة من بيع العقارات.

 

ثانياً، وعلى الرغم من الزيادة الطفيفة في الطلب التي شهدها السوق مؤخراً، مدفوعة جزئياً بمخاوف من ارتفاع ضريبة الدمغة، إلا أن وتيرة ارتفاع الأسعار تتباطأ بشكل ملحوظ. ففي العام الذي سبق فبراير/شباط الماضي، لم تتجاوز الزيادة في الأسعار 1.4%، أي أقل من نصف معدل التضخم العام البالغ 3%. هذا التباطؤ يشير إلى أن السوق لم يعد قادراً على مواكبة الضغوط التضخمية، وأن هناك عوامل أخرى تعمل على كبح جماح ارتفاع الأسعار.

 

تشير بيانات "هاليفاكس" إلى انخفاض طفيف بنسبة 0.1% في الأسعار الشهرية، على الرغم من تسجيل ارتفاع سنوي بنسبة 2.9%، وهو ما لا يزال دون مستوى التضخم. وتعكس هذه الأرقام صورة أكثر واقعية للوضع الحالي، حيث يتضاءل تأثير الارتفاعات السنوية بفعل التضخم المتصاعد، مما يقلل من القيمة الحقيقية للعقارات.

 

  • الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فبيانات "توينتي سي آي" تكشف أن 38% من العقارات
  •  التي أُدرجت للبيع قبل ديسمبر/كانون الأول 2024 شهدت تخفيضات في الأسعار
  •  مقارنة بـ 36% في عام 2023 و 24% فقط في 2022. 
  • هذا الارتفاع التدريجي في نسبة العقارات المخفضة يعكس تحولاً في ديناميكيات السوق
  •  حيث يضطر البائعون إلى خفض توقعاتهم وتعديل أسعارهم لتتماشى مع الواقع الجديد.

 

**نهاية حقبة "شراء العقارات لتحقيق المكاسب"**

 

يؤكد ريتشارد دونيل من "زوبلا" على ضرورة إعادة تقييم التوقعات بشأن الأرباح التي يمكن تحقيقها من العقارات، مشيراً إلى أن السوق لم يسجل أي نمو حقيقي في الأسعار بعد احتساب التضخم منذ عام 2022. فأسعار المنازل، بعد تعديلها وفقاً للتضخم، بلغت ذروتها في عام 2007 عند 346,367 جنيهاً إسترلينياً، مقارنة بـ 266,640 جنيهاً إسترلينياً اليوم، بحسب مؤشر أسعار المنازل الصادر عن "نيشن وايد" وأرقام التضخم لمؤشر أسعار التجزئة.

 

  1. ويرى تشارلي لامدين، مدير شبكة وكلاء العقارات "بيست إيجنت"
  2.  أن "أيام شراء العقارات لتحقيق مكاسب مالية انتهت"
  3.  وهو واقع يجد الكثيرون صعوبة في تقبله. هذه النظرة المتشائمة تعكس تحولاً في العقلية السائدة
  4.  حيث يدرك الخبراء أن السوق لم يعد قادراً على توفير الأرباح السهلة التي كان يوفرها في الماضي.

 

**تساؤلات حول دقة البيانات الرسمية**

 

يثير وكلاء العقارات تساؤلات حول دقة مؤشر أسعار المنازل الصادر عن مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS)، معتبرين أنه كان متساهلاً في تقييمه للسوق خلال السنوات الأخيرة. فالمؤشر يعتمد في حساباته على تقديرات لـ 12 شهراً السابقة، ثم ينشر لاحقاً مراجعات لها، والتي كانت في كل شهر منذ عام 2020 أقل من التقديرات الأولية بنسبة تصل إلى 11.1 نقطة مئوية.

 

  • وفي تقرير فبراير/شباط الماضي، خفّض المكتب جميع بيانات أسعار المنازل التي سبق أن نشرها
  •  بحيث عادت التعديلات إلى يناير/كانون الثاني 1970، مسجلاً انخفاضاً مذهلاً بنسبة 8% مقارنة
  •  بتقرير الشهر السابق. هذا التعديل الشامل، الذي أثار انتقادات من المحللين، يلقي بظلال من الشك
  •  على مصداقية البيانات الرسمية، ويجعل من الصعب الحصول على صورة دقيقة للوضع الحقيقي في
  •  السوق.

 

**أزمة القدرة على تحمل التكاليف**

 

تفاقمت أزمة القدرة على تحمل تكاليف السكن في بريطانيا بشكل ملحوظ على مدى السنوات الأخيرة. فقبل 15 عاماً، كان الاقتصاد البريطاني في وضع مختلف عندما كانت سوق العقارات مزدهرة. لكن منذ الأزمة المالية، شهدت الأجور حالة من الركود، في حين واصلت أسعار العقارات ارتفاعها. في عام 2009، كان متوسط سعر العقار في بريطانيا يعادل 6.4 ضعف متوسط الراتب، لكن بنهاية السنة المالية 2022-2023، ارتفع إلى 8.6 ضعف، وفقاً لأحدث بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية.

 

  1. ولم تصبح العقارات أكثر كلفة مقارنة بالأجور فحسب، بل إن كلفة الاقتراض ارتفعت بشكل كبير
  2.  وهو ما أثر بشكل خاص على من يسعون للحصول على قروض عقارية كبيرة. 
  3. ففي عام 2021، كان متوسط سعر الفائدة الثابت على الرهن العقاري لمدة عامين 2.34%
  4.  ما يعني أن من اقترض 500 ألف جنيه إسترليني كان يدفع أقساطاً شهرية تبلغ 2,204 جنيهات
  5.  إسترلينية. أما اليوم، فإن الحصول على القرض نفسه بسعر فائدة 5.5% سيكلف 3,070 جنيهاً
  6.  إسترلينياً شهرياً.

 

ببساطة، لم يعد بإمكان الكثيرين شراء منازل عائلية أكبر، ما لم يحصلوا على دعم مالي من "بنك الأم والأب". وأظهرت دراسة أجراها موقع "زوبلا" العقاري أن أكثر من نصف العاملين بدوام كامل في جنوب إنجلترا غير قادرين على شراء منزل متوسط السعر يتكون من غرفتين أو ثلاث غرف نوم، بينما ترتفع هذه النسبة في العاصمة لندن إلى 74%.

 

**تضارب التوقعات واستشراف المستقبل**

 

تتباين التوقعات بشأن مستقبل سوق العقارات البريطانية، حيث يرى البعض أن السوق سيشهد نمواً معتدلاً، في حين يتوقع آخرون انخفاضاً في الأسعار. يعتمد المتفائلون على افتراض أن نمو الأجور سيساهم في دعم القدرة على تحمل التكاليف وقوة الشراء. ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أن نمو الأجور الحقيقية سيتباطأ في السنوات القادمة، مما يقلل من احتمالية تحقق هذا السيناريو.

 

  1. وترى البروفيسورة كريستين وايتهيد، الأستاذة الفخرية في اقتصاديات الإسكان بكلية لندن للاقتصاد
  2.  أن الوضع الحالي يمثل "البيئة الأكثر إحباطاً لسوق الإسكان"، مؤكدة على ضرورة تغيير التوقعات
  3.  والمواقف. وتشير إلى أن السوق العقارية شهدت فقاعة كبيرة في بعض المناطق، ومن الممكن أن
  4.  تنخفض أسعار المنازل بالفعل، مما سيؤثر سلباً على القطاع الأعلى من السوق، في حين سيعاني
  5.  السكان الأقل دخلاً من وطأة الظروف الاقتصادية.

 

**ضريبة الدمغة ضربة أخرى للمشترين**

 

تعتبر الزيادة المرتقبة في ضريبة الدمغة، التي ستدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، بمثابة ضربة أخرى للمشترين. فمن المتوقع أن يواجه المشترون دفع أكثر من ضعف ضريبة الدمغة بحلول عام 2030، مع ارتفاع العائدات من 8.6 مليار جنيه إسترليني في 2023 إلى 18.1 مليار جنيه إسترليني خلال هذه الفترة، وفقاً لتحليل لتوقعات مكتب المسؤولية المالية من قبل المقرض "كوفنتري بيلدينغ سوسيتي".

 

  • هذه الزيادة ستزيد من الأعباء المالية على المشترين للمرة الأولى والمشترين الذين يخططون للانتقال
  •  مما يدفعهم إلى البحث في طبقات منخفضة من سوق العقارات أو تقديم عروض أقل. وترى وايتهيد أن
  •  "زيادة ضريبة الدمغة هي عكس ما يجب أن تفعله الحكومة. ينبغي عليهم إلغاؤها، على الأقل لكبار
  •  السن"، مؤكدة على ضرورة تشجيع الناس على التحرك أكثر، لا أقل، حيث تظهر الأدلة أن الزيادة
  •  في حجم مبيعات المنازل أكثر فاعلية للاقتصاد من زيادة ضريبة الدمغة.

 

**في الختام**

 

تواجه سوق العقارات البريطانية تحديات جمة تهدد بتقويض استقرارها ورخائها. ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة على تحمل التكاليف وارتفاع معدلات الفائدة والشكوك حول دقة البيانات الرسمية، كلها عوامل تضافرت لخلق بيئة غير مستقرة. يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح السوق في التكيف مع هذه التحديات والخروج من الأزمة بسلام، أم أننا على أعتاب فترة طويلة من الركود والانكماش؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل ملايين الأسر البريطانية ومستقبل الاقتصاد البريطاني ككل.حول جذري، حيث تتلاشى التوقعات المتفائلة وتنكشف حقائق السوق المتضخمة.



تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent