## العشر الأواخر من رمضان: ذروة التجليات الروحانية ومحطة التزود الإيماني
تحلّ العشر الأواخر من
شهر رمضان المبارك كضيوفٍ مكرمين، ينشرون عبق القداسة في الأجواء، ويوقظون القلوب
الغافلة من سباتها العميق. إنها أيام معدودات، لكنها تحمل في طياتها كنوزًا لا
تُقدر بثمن، وفرصًا لا تُعوض، ومحطاتٍ روحانية تزود المؤمن بزادٍ يكفيه لعامٍ كامل.
ففي هذه الأيام المباركة، تتجلى عظمة الخالق عز وجل، وتتجسد رحمته الواسعة، وتفتح
أبواب الجنة على مصراعيها لاستقبال عباده الصالحين.
![]() |
## العشر الأواخر من رمضان: ذروة التجليات الروحانية ومحطة التزود الإيماني |
**عظمة الزمان والمكان نفحات ربانية في مهب الريح**
لقد اختص الله تعالى
بعض الأوقات والأماكن بفضلٍ عظيم، وجعلها محطاتٍ للتزود الإيماني، والتطهر
الروحاني. فكما فضل مكة المكرمة والمدينة المنورة على سائر بقاع الأرض، وفضل يوم
الجمعة على سائر أيام الأسبوع، فكذلك فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وجعل العشر
الأواخر منه ذروة هذا الفضل، ومحط اهتمام خاص من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
الكرام.
إن فضل العشر الأواخر يكمن في عدة أمور، أهمها
- * **ليلة القدر: جوهرة التاج الرمضاني:** إن ليلة القدر هي جوهرة التاج الرمضاني، وقلب العشر الأواخر النابض بالإيمان. وهي الليلة التي أنزل فيها القرآن الكريم، وجعلها الله خيرًا من ألف شهر، أي ما يزيد على ثلاثة وثمانين عامًا. قال تعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" (القدر: 1-5). ففي هذه الليلة المباركة، تتنزل الملائكة بالرحمة والبركة، وتعم السلام والسكينة أرجاء الأرض، وتستجاب الدعوات، وتغفر الذنوب، وترفع الدرجات.
- * **سنة الاعتكاف: ملازمة المساجد والانقطاع للعبادة:** الاعتكاف هو سنة نبوية مؤكدة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص عليها في العشر الأواخر من رمضان، وهو عبارة عن ملازمة المسجد والانقطاع للعبادة والذكر، والبعد عن مشاغل الدنيا وهمومها. فالاعتكاف فرصة للتفرغ التام للعبادة، والتأمل في آيات الله، ومحاسبة النفس، وتجديد العهد مع الله تعالى.
- * **مضاعفة الأجر: موسم الحصاد الإيماني:** في العشر الأواخر من رمضان، تتضاعف الأجور وتتزايد الحسنات، وتفتح أبواب الجنة على مصراعيها، وتغلق أبواب النار. فكل عمل صالح يقوم به المسلم في هذه الأيام المباركة، يضاعف الله له أجره وثوابه، ويجعله ذخرًا له في الدنيا والآخرة.
- * **الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: القدوة الحسنة والأسوة الطيبة:** كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان أكثر من غيرها، ويوقظ أهله للعبادة، ويشد مئزره، ويحيي ليله، ويجتهد في الدعاء والاستغفار. فالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأيام المباركة، هو دليل على صدق الإيمان، وحب الله ورسوله، والرغبة في نيل رضاه وجنته.
**استثمار العشر الأواخر خطة عملية للارتقاء الروحاني**
لكي يستثمر المسلم
العشر الأواخر من رمضان على الوجه الأمثل، ويحقق أقصى استفادة منها، عليه أن يضع
خطة عملية محكمة، تتضمن ما يلي:
1. **تجديد النية وتطهير القلب:** قبل البدء في أي عمل، يجب على
المسلم أن يجدد نيته، ويخلصها لله تعالى، وأن يطهر قلبه من الشوائب والأحقاد، وأن
يتوب إلى الله من جميع الذنوب والخطايا.
2. **الاجتهاد في العبادة:** يجب على المسلم أن يجتهد في جميع أنواع
العبادات، مثل الصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والدعاء، والاستغفار، والصدقة،
والإحسان إلى الفقراء والمساكين.
3. **إحياء الليل بالصلاة والقيام:** يجب على المسلم أن يحيي ليالي
العشر الأواخر بالصلاة والقيام، والتضرع إلى الله، وسؤاله من خيري الدنيا والآخرة.
4. **الاعتكاف في المسجد:** إذا تيسر للمسلم الاعتكاف في المسجد،
فهو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفرصة للتفرغ التام للعبادة والذكر.
5. **تحري ليلة القدر:** يجب على المسلم أن يجتهد في العبادة في
جميع ليالي العشر الأواخر، أملاً في إدراك ليلة القدر، والفوز بفضلها العظيم.
6. **الدعاء والتضرع إلى الله:** يجب على المسلم أن يكثر من الدعاء
والتضرع إلى الله، وسؤاله من خيري الدنيا والآخرة، وأن يدعو لنفسه ولوالديه ولأهله
ولجميع المسلمين.
7. **الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمساكين:** يجب على المسلم أن
يكثر من الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمساكين، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام،
وعيادة المرضى، وتفقد أحوال المحتاجين.
8. **تجنب المعاصي والذنوب:** يجب على المسلم أن يبتعد عن المعاصي
والذنوب، وأن يحفظ لسانه من الغيبة والنميمة والكذب، وأن يحفظ سمعه وبصره من
الحرام، وأن يتجنب كل ما يغضب الله تعالى.
9. **توقظ الأهل للعبادة:** يجب على المسلم أن يشجع أهله وأبنائه
على القيام والصلاة والذكر، وأن يذكرهم بفضل العشر الأواخر من رمضان، وأهمية
استثمارها في طاعة الله.
10. **قراءة القرآن
بتدبر وتأمل:** يجب على المسلم أن يخصص وقتًا يوميًا لقراءة القرآن بتدبر وتأمل،
وفهم معانيه، والعمل بأحكامه، والتأثر بقصصه وعبره.
**علامات القبول بشائر الفوز والرضوان**
ليس هناك علامات قطعية
تدل على قبول العمل، ولكن هناك بعض العلامات التي يمكن للمسلم أن يستأنس بها، وتدل
على أن الله تعالى قد تقبل منه عمله، ومن هذه العلامات:
- * **الشعور بالراحة والطمأنينة:** إذا شعر المسلم بالراحة والطمأنينة بعد القيام بالعمل الصالح، فهذا دليل على أن الله تعالى قد تقبل منه عمله، ورضي عنه.
- * **الاستمرار في الطاعة:** إذا استمر المسلم في الطاعة بعد رمضان، ولم يرتد على عقبيه، فهذا دليل على أن الله تعالى قد تقبل منه عمله، وثبته على الإيمان.
- * **حب الخير وكره الشر:** إذا ازداد حب المسلم للخير وكرهه للشر، فهذا دليل على أن الله تعالى قد طهر قلبه، وزكى نفسه، وأصلح عمله.
- * **التواضع والخشوع:** إذا ازداد تواضع المسلم وخشوعه، وإحساسه بتقصيره أمام الله تعالى، فهذا دليل على أن الله تعالى قد هداه إلى الحق، ووفقه للصواب.
**ختامًا**
إن العشر الأواخر من
رمضان هي فرصة عظيمة للمسلمين للتوبة والاستغفار والتقرب إلى الله، والفوز برضوانه
وجنته. فعلى المسلم أن يستثمر هذه الأيام المباركة على الوجه الأمثل، وأن يجتهد في
العبادة والطاعة، وأن يخلص نيته لله تعالى، وأن يبتعد عن المعاصي والذنوب، وأن يدعو
الله تعالى أن يتقبل منه عمله، وأن يغفر له ذنوبه، وأن يجعله من عتقائه من النار. فالفائز
من اغتنم هذه الفرصة، والخاسر من فرط فيها وضيعها. فلنجعل العشر الأواخر من رمضان
محطة تزود إيماني، ومنطلقًا لحياة جديدة مليئة بالطاعة والعبادة، والخير والإحسان.