recent
أخبار ساخنة

** شرارة أمل في رماد اللامبالاة**

الحجم
محتويات المقال

 

** شرارة أمل في رماد اللامبالاة**

 

**القصــــــــــــــــــــــــة:**

 

في إحدى القرى الوادعة، حيث تتشابك حكايات البسطاء مع طموحات الكبار، كانت تعيش "ليلى"، فتاة يافعة تتمتع بذكاء فطري لافت، لكنها كانت تسير في دروب الحياة بلا هدف واضح أو شغف يدفعها. كانت في المرحلة الثانوية، مرحلة مفصلية تحدد المسارات، لكنها كانت تتعامل معها بلامبالاة تكاد تكون مُعدية، فلم تكن قد رسمت بعدُ ملامح مستقبلها أو استشعرت أهمية الطموح.


في إحدى القرى الوادعة، حيث تتشابك حكايات البسطاء مع طموحات الكبار، كانت تعيش "ليلى"، فتاة يافعة تتمتع بذكاء فطري لافت، لكنها كانت تسير في دروب الحياة بلا هدف واضح أو شغف يدفعها. كانت في المرحلة الثانوية، مرحلة مفصلية تحدد المسارات، لكنها كانت تتعامل معها بلامبالاة تكاد تكون مُعدية، فلم تكن قد رسمت بعدُ ملامح مستقبلها أو استشعرت أهمية الطموح.
** شرارة أمل في رماد اللامبالاة**

ومما زاد من غرابة شخصيتها، علاقتها الفريدة بالدكتور "حكمت"، البروفيسور المتقاعد الذي استقر في القرية بعد حياة أكاديمية حافلة. كان الدكتور حكمت يخطّ كل صباح حكمة بليغة على سبورة علّقها أمام منزله، لتكون منارة فكر للمارة. لكن ليلى، بروحها المتمردة ونزعتها للعبث، وجدت متعة خفية في استبدال تلك الحكم بعبارات عامية أو رسومات طائشة قبل ذهابها للمدرسة، مما أثار استياء البروفيسور العميق ودفعه لتركيب كاميرا مراقبة لكشف الفاعل المجهول.

 

**منعطف يقلب الموازين**

 


** شرارة أمل في رماد اللامبالاة**

جاءت نقطة التحول التي هزت كيان ليلى الهادئ عندما أخفق شقيقها الأكبر، الذي كان يمثل لها القدوة رغم تناقضهما، في امتحانات الثانوية العامة النهائية.

 عمّ الحزن أرجاء المنزل، لكن ليلى، بانفصالها العاطفي المعتاد، لم تتأثر بل ربما شعرت بشيء من الشماتة الخفية. وبينما كانت الأسرة تلملم جراح خيبتها، وقعت عيناها على شاشة التلفاز، حيث كان "أمجد"، الطالب المتفوق الحاصل على المرتبة الأولى على مستوى الجمهورية، يتحدث عن منحة حصل عليها للدراسة في جامعة النخبة المرموقة، وعن شغفه بمستقبل العلوم.

 

  • في تلك اللحظة، وكأن شرارة قد أصابت فتيلًا خامدًا، اشتعل في قلب ليلى طموح جامح: الالتحاق
  •  بنفس تلك الجامعة، جامعة أمجد، رغم إدراكها أن ذلك يتطلب تفوقًا استثنائيًا، وأنها لم تفتح كتابًا
  •  دراسيًا بجدية طوال العام. كان قرارًا يبدو أشبه بالمستحيل.

 

**رحلة التحدي**

 


** شرارة أمل في رماد اللامبالاة**

أمام هذا التحدي الهائل، لم تجد ليلى ملجأً إلا الدكتور "حكمت".

 طرقت بابه مترددة، حاملة اعتذارًا صادقًا عن عبثها الماضي. تردد البروفيسور في البداية، متذكرًا إزعاجها المستمر، لكنه رأى في عينيها بريقًا جديدًا، مزيجًا من الندم والإصرار. قَبِل التحدي، وقرر أن يصقل هذه الموهبة الخام.

 

  • كانت البداية صادمة لليلى؛ فبدلاً من الغوص في المناهج المعقدة، أعطاها الدكتور حكمت ورقة تحوي
  •  الحروف الهجائية الإنجليزية وطلب منها حفظ ترتيبها الرقمي! ظنت لوهلة أنه يسخر منها أو ينتقم
  •  بطريقته الخاصة، لكن نظرة سريعة على جدران مكتبه المزدانة بالشهادات والأوسمة العلمية الرفيعة
  •  أكدت لها أنها أمام عقلية فذة ذات منهجية فريدة. أدركت أنه يبني الأساس قبل الصرح.

 

لم تيأس. عادت في اليوم التالي وقد حفظت المطلوب، ففاجأها بأسئلة عن تطبيقات تلك الأرقام في أنظمة بسيطة. وهكذا، يومًا بعد يوم، كان الدكتور حكمت يرسي دعائم التفكير المنطقي والمنهجي لديها، مستخدمًا طرقًا غير تقليدية، قبل أن ينتقل بها تدريجيًا إلى المناهج الدراسية الفعلية. انغمست ليلى في الدراسة بكامل كيانها، مدفوعة بصورة أمجد وبهدفها الذي بدا يقترب خطوة كل يوم، وبثقة الدكتور حكمت التي كانت وقودها.

 

**الوصول والانتكاسة**

 


** شرارة أمل في رماد اللامبالاة**

بعد عام من الجهد المضني الذي قارب حد الإعجاز، سافرت ليلى مع والدها إلى المدينة لخوض امتحان القبول التنافسي الشديد.

 اجتازت الاختبار بنجاح فاق توقعاتها، وغفت على كتف أبيها في قطار العودة من فرط الإرهاق والسعادة.

 

  1. دخلت ليلى عتبات جامعة الأحلام، قلبها يخفق بقوة وهي تبحث بعينيها عن أمجد. لم يطل انتظارها
  2.  فقد رأته يسير في الممرات بهالة من التفوق والثقة. لكن هذا اللقاء، بدلاً من أن يكون دافعًا، أصبح
  3.  مصدر إلهاء خطير. انجرفت ليلى وراء سراب المشاعر، وأصبح تتبع خطوات أمجد ومراقبته عن
  4.  بعد هو شغلها الشاغل. أهملت محاضراتها وواجباتها، مكتفيةً بسرد حكايتها وإعجابها بأمجد لزميلتها
  5.  في السكن الجامعي.

 

مرت الأشهر سريعًا، وجاءت نتائج الفصل الدراسي الأول كالصاعقة. 

لم ترسب ليلى في كل المواد، لكن نتائجها كانت كارثية، وتقديراتها متدنية بشكل مخجل، خاصة في المواد الأساسية. وزاد الطين بلة، عندما ألمح أحد الأساتذة في محاضرة عامة إلى وجود طلاب أهدروا فرصة ثمينة بسبب عدم الجدية، وشعرت ليلى أن الكلمات موجهة إليها مباشرة. وفي نفس اليوم تقريبًا، سمعت أمجد يتحدث مع أصدقائه، معلقًا بسخرية على "بعض الطلاب الذين يظنون الجامعة مكانًا للهو"، قاصدًا الحالة العامة التي أشارت إليها المحاضرة. شعرت ليلى بإهانة مضاعفة وانكسار عميق. حزمت حقائبها في تلك الليلة، وعادت إلى قريتها تجر أذيال الخيبة.

 

**نقطة التحول الثانية**

 


** شرارة أمل في رماد اللامبالاة**

في القرية، عاشت ليلى أيامًا من الحزن الصامت، متظاهرة بأنها في إجازة قصيرة.

 لاحظ الجميع حالتها المتردية، لكن والدها، بحكمته المعهودة، اكتفى بالقول: "أنتِ فخرنا يا ابنتي، وستجدين طريقكِ، ونحن هنا متى احتجتِ للحديث". كانت كلماته بلسمًا، لكنها لم تكن كافية لإخراجها من عزلتها.

 

  • جاء الخلاص على يد الدكتور "حكمت". زارها في منزلها، ودعاها للخروج في نزهة صباحية
  •  للركض، وهو يعلم أنها تحتاج لاستعادة نشاطها الذهني والبدني. وبعد العودة، دعاها إلى مكتبه
  •  وهناك، أزاح الستار عن مفاجأة هزت كيانها: لقد أزال جميع شهاداته وأوسمته المرموقة من على
  •  الجدار الرئيسي، ووضع مكانها صورة شخصية كبيرة لها وهي تبتسم بعفوية. نظر إليها بعينين
  •  تشعان ثقة وقال: "هذه هي الجائزة التي أراهن عليها الآن. أنتِ أهم إنجازاتي المستقبلية، فلا
  •  تخذليني."

 

**العودة إلى القمة**

 

كانت كلمات الدكتور حكمت وصورته المعلقة بمثابة الصدمة الكهربائية التي أعادت ليلى إلى الحياة.

 انهارت بالبكاء للحظات، ثم نهضت بعزيمة فولاذية. في نفس اليوم، حزمت أمتعتها مجددًا وعادت إلى الجامعة، ولكن هذه المرة بروح مختلفة تمامًا. لم يعد أمجد هو الهدف، بل أصبح تحقيق الذات، وإثبات جدارتها لنفسها ولوالدها وللدكتور حكمت هو البوصلة الوحيدة.

 

  • انغمست في الدراسة بشغف لم تعهده من قبل، تسهر الليالي، وتناقش الأساتذة، وتبحث عن المعرفة
  •  بنهم شديد. استدركت ما فاتها، وتفوقت في الفصل الدراسي الثاني، وأبهرت الجميع بقدرتها على حل
  •  أعقد المسائل وتحليل أصعب النظريات. بنهاية العام، لم تكن فقط قد نجحت، بل كانت ضمن قائمة
  •  المتفوقين الأوائل.

 

وذات يوم، بينما كانت تراجع بعض الملاحظات في مكتبة الجامعة، اقترب منها أمجد. لم يكن يحمل نظرة الإعجاب السطحي، بل نظرة احترام وتقدير. سألها بهدوء: "سمعتُ الكثير عن رحلتكِ... هل صحيح أنني كنتُ الشرارة الأولى؟"

 

نظرت إليه ليلى بثقة وهدوء، وابتسمت قائلة: "لقد كنتَ الشرارة، نعم... ولكن الدكتور حكمت هو من أشعل النار، وأنا من حافظتُ عليها متقدة."

 

لم تكن تلك النهاية مجرد بداية لقصة حب تقليدية، بل كانت تتويجًا لرحلة كفاح وإصرار، وإثباتًا بأن أقوى الدوافع تنبع من الداخل، وأن المستحيل يصبح ممكنًا عندما تلتقي الموهبة بالإرادة والتوجيه الصحيح. لقد حققت ليلى المستحيل، ليس فقط بالوصول إلى القمة الأكاديمية، بل بإعادة اكتشاف ذاتها وتحقيق إمكاناتها الكاملة.


** شرارة أمل في رماد اللامبالاة**


تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent