## هل أنقذ "بريكست" بريطانيا من فخ الحرب التجارية؟ تساؤلات حول استراتيجية ستارمر في مواجهة شبح رسوم ترامب
في خضم التوترات التجارية العالمية المتصاعدة والتحولات الجيوسياسية المتسارعة، تجد المملكة المتحدة نفسها في موقع فريد ومحفوف بالتحديات.
.jpeg)
. فمع عودة
الحديث بقوة عن سياسات حمائية قد ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبرز تساؤل
محوري: هل كان قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) بمثابة طوق نجاة
لبريطانيا، أم أنه جعلها أكثر عرضة لرياح الحرب التجارية العاتية؟ الإعلان الأخير
عن فرض رسوم جمركية أمريكية مقترحة، وإن كانت أقل حدة على بريطانيا مقارنة
بالاتحاد الأوروبي، يضع استراتيجية رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الدبلوماسية
الهادئة تحت المجهر.
**دبلوماسية هادئة في مواجهة عاصفة محتملة**

يبدو أن نهج حكومة ستارمر في التعامل مع التهديد
بفرض رسوم جمركية شاملة من قبل إدارة ترامب يرتكز على مزيج من الهدوء الظاهري
والمفاوضات المكثفة خلف الأبواب المغلقة. هذه الاستراتيجية، التي تستلهم نجاح رئيس
الوزراء الياباني السابق شينزو آبي في بناء علاقة عملية مع ترامب خلال ولايته الأولى،
تعتمد على الدبلوماسية الشخصية، والثناء المدروس، والسعي الحثيث لإيجاد أرضية
مشتركة بعيداً عن الأضواء.
المؤشرات الأولية توحي بأن هذا النهج بدأ يؤتي ثماره جزئياً. فإعلان ترامب عن نيته فرض رسوم جمركية بنسبة 10% كحد أدنى على الواردات العالمية،
- مع تحديد نسبة 20% للاتحاد الأوروبي، بينما اقتصرت النسبة المعلنة تجاه بريطانيا على 10%،
- فسّره البعض في لندن على أنه انتصار دبلوماسي مبكر لستارمر. ويُنظر إلى جهود بناء علاقات
- إيجابية مع معسكر ترامب، بما في ذلك الدعوة الموجهة له لزيارة الملك تشارلز، كعوامل مساهمة في
- هذا التمايز النسبي.
**"ثمار بريكست" أم عبء اقتصادي جديد؟**
.jpeg)
فقد صرح وزير الأعمال في حكومة الظل المحافظة، أندرو غريفيث، بأن هذه
الرسوم، رغم كونها "مخيبة للآمال"، تمثل "ثمرة من ثمار خروج
بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، معتبراً أنها قد تسهم في حماية وظائف وشركات بريطانية. يكمن المنطق وراء هذا الطرح في أن "بريكست" منح المملكة
المتحدة حرية التفاوض بشكل مستقل عن بروكسل، مما سمح لها، نظرياً، بتأمين شروط
أفضل مما لو كانت لا تزال جزءاً من الكتلة الأوروبية التي تواجه رسوماً أعلى
مقترحة.
- ومع ذلك، فإن هذه النظرة المتفائلة تواجه تشكيكاً واسعاً. فنسبة 10% لا تزال تمثل عبئاً اقتصادياً
- كبيراً على المصدرين البريطانيين، وتأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد البريطاني من ضغوط
- تضخمية وتباطؤ في النمو. مجموعات الأعمال، وعلى رأسها اتحاد الصناعات البريطاني (CBI)
- أعربت عن قلقها البالغ. وصفت رئيسة الاتحاد، راين نيوتن سميث، الرسوم المقترحة بأنها "مقلقة
- للغاية"، مؤكدة على عدم وجود رابحين في الحروب التجارية، ودعت الحكومة إلى تبني "نهج متزن
- ومتناسب" يتجنب التصعيد.
**مخاطر اقتصادية وتحذيرات الخبراء**
.jpeg)
أحمد كايا، كبير الاقتصاديين في المعهد
الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية (Niesr)، أشار إلى أن فرض رسوم تتجاوز 10% قد
يدفع بريطانيا إلى حافة الركود، مما يعرض آلاف الوظائف للخطر. ويؤكد الخبراء أن
الرسوم الجمركية، بطبيعتها، تفرض تكاليف إضافية على الشركات والمستهلكين، ليس فقط
في الدولة المستهدفة، بل أيضاً في الدولة التي تفرضها.
- هذه المخاطر الاقتصادية تضع ضغوطاً إضافية على المالية العامة للحكومة. وزيرة الخزانة، راتشيل
- ريفز، ورغم تأكيدها على استعادة الاستقرار المالي، لم تستبعد تماماً اللجوء إلى رفع الضرائب أو
- إجراء تخفيضات إضافية في الإنفاق لمواجهة أي تدهور اقتصادي ناجم عن تباطؤ النمو العالمي أو
- المحلي،
والذي قد يتفاقم بفعل حرب تجارية.
علاوة على ذلك، يحذر محللون مثل ديفيد هينيغ من
المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي من أن استراتيجية السعي لاتفاق منفصل قد
تحمل مخاطرها الخاصة. فبينما قد تنجح بريطانيا في الحصول على صفقة أفضل مبدئياً،
فإن هذا قد يجعلها هدفاً مركزياً لمطالب أمريكية إضافية في المستقبل، ربما تتعلق
بقضايا حساسة مثل قوانين السلامة الرقمية، أو المعايير الغذائية، أو الضرائب على
الشركات التقنية، أو حتى ضريبة القيمة المضافة.
**السياق الدولي وردود الفعل الأوروبية**
يهدف لاستعادة الوظائف والاستثمارات إلى أمريكا، لم يأتِ في
فراغ. فقد سبقه فشل في إتمام اتفاق تجاري شامل بين بريطانيا والولايات المتحدة كان
قيد التفاوض لأسابيع، رغم تلميحات سابقة من ترامب بإمكانية إعفاء بريطانيا.
- على الضفة الأخرى من القناة الإنجليزية، كان رد الفعل الأوروبي أكثر حدة وقلقاً، وهو ما يعكس
- النسبة الأعلى من الرسوم المقترحة (20%). القادة الأوروبيون، من باريس إلى دبلن وروما، حذروا
- من "اضطراب اقتصادي كبير" و"تداعيات ثقيلة" على اقتصاداتهم. رئيسة البنك المركزي الأوروبي
- كريستين لاغارد، أكدت أن الرسوم الواسعة النطاق ستكون ذات تأثير سلبي عالمي. وفي بروكسل
- أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي يمتلك "خطة قوية"
- للرد، مع قائمة محتملة من الأهداف الأمريكية التي قد تطالها إجراءات انتقامية، تشمل قطاعات
- التكنولوجيا والأدوية وحتى سلعاً
استهلاكية شهيرة.
**المستقبل رهان على صفقة سريعة وموازنة دقيقة**
في مواجهة هذا المشهد المعقد، تراهن حكومة
ستارمر على قدرتها على إبرام صفقة اقتصادية سريعة مع واشنطن، ربما خلال أيام،
لتخفيف وطأة الرسوم المعلنة أو حتى إلغائها. النجاح في هذا المسعى سيُعتبر دليلاً
قاطعاً على فعالية النهج الدبلوماسي المتبع، خاصة وأن دولاً أخرى مثل كوريا
الجنوبية واليابان والهند وأستراليا تسعى أيضاً لتأمين اتفاقيات مماثلة.
يظل الهدف المعلن لوزير الأعمال البريطاني، جوناثان رينولدز، هو "البقاء هادئين ومتمسكين بإتمام هذا الاتفاق"، مع التأكيد على أن الحكومة "مستعدة لجميع الاحتمالات" ولن تتردد في استخدام "مجموعة الأدوات المتاحة" للدفاع عن المصلحة الوطنية، مع تجنب الانجرار إلى حرب تجارية مدمرة.
**خاتمة بريكست، سيف ذو حدين في عالم متغير**
إذن، هل أنقذ "بريكست" بريطانيا من فخ
الحرب التجارية؟ الإجابة ليست بسيطة أو قاطعة. لقد منح الخروج من الاتحاد الأوروبي
لندن مرونة تفاوضية مستقلة، سمحت لها بتحقيق نتيجة أولية تبدو أفضل نسبياً من تلك
التي تواجه جيرانها الأوروبيين في ظل التهديدات الحالية. لكن هذه المرونة تأتي
بثمن، يتمثل في زيادة الانكشاف على تقلبات السياسة الأمريكية والحاجة المستمرة
لموازنة دقيقة بين الحفاظ على العلاقة "الخاصة" مع واشنطن والدفاع عن
المصالح الاقتصادية الحيوية.
عناصر الموضوع
.jpeg)