## قبل تيتانيك... تمرد دي كابريو المبكر وبذور النضج الفني
قد يكون ليوناردو دي
كابريو وُلد عام 1974، لكن نجمه سطع بقوة في سماء هوليوود خلال تسعينيات القرن الماضي.
في غضون سنوات قليلة، انتقل من ممثل واعد إلى اسم يتردد في كل منزل، بفضل أدوار
أيقونية مثل دوره المؤثر كشاب يعاني إعاقة ذهنية في "ما الذي يضايق غيلبرت
غريب؟" (What’s Eating Gilbert Grape)، والذي رشحه للأوسكار، ودوره كالعاشق
المأساوي في النسخة المبتكرة من "روميو وجولييت" (Romeo + Juliet)، وبالطبع، دور جاك داوسون الأسطوري في ملحمة "تيتانيك" (Titanic).
![]() |
## قبل تيتانيك... تمرد دي كابريو المبكر وبذور النضج الفني |
الأدوار الخالدة
لكن بين هذه الأدوار الخالدة، تكمن مرحلة أقل شهرة ولكنها محورية في مسيرة دي كابريو، وهي محاولاته المتعمدة لكسر قالب "الفتى الوسيم" وتقديم أدوار "الفتى السيئ".
أبرز هذه المحاولات كان فيلم "يوميات كرة السلة" (The
Basketball Diaries) الصادر عام 1995، والذي يمثل ذروة
قصيرة ومُربكة لمرحلة التمرد التي خاضها وتخلى عنها سريعاً.
- في "يوميات كرة السلة"، يقدم دي كابريو صورة كاريكاتورية لمراهق متمرد لامبالٍ: يتشاجر، يدخن
- يسرق، وتشع عيناه سخطاً. يتلقى عقاباً جسدياً من معلمه بابتسامة ساخرة، ثم يهرب مع رفاقه (بمن
- فيهم مارك والبيرغ) ليغوص في حياة الشوارع والإدمان على الهيروين. الفيلم نفسه، رغم جرأته، بدا
- عملاً مرتبكاً، بإيقاع غير متجانس وميل واضح للتصنع، ولم يحقق نجاحاً تجارياً يذكر. ورغم أن
- البعض قد يعتبره حاشية في مسيرته، إلا أنه كشف عن جرأة مبكرة لدى دي كابريو في تجسيد
- شخصيات منفرة، بعيدة كل
البعد عن أدواره المعتادة آنذاك.
يوميات كرة السلة
لم تكن "يوميات
كرة السلة" المحاولة الوحيدة. فبعده بفترة، انضم إلى طاقم فيلم "شهرة" (Celebrity) لوودي آلن، حيث جسد
دور نجم سينمائي شاب متقلب ومزعج، في محاولة أخرى لكسر صورة الفتى الوديع. كان هذا
الدور يتقاطع مع حياته الصاخبة آنذاك، حيث كان هو ومجموعة أصدقائه من النجوم
الشباب (أمثال توبي ماغواير) تحت مجهر الصحافة الصفراء.
- أما التجربة الأكثر إثارة للجدل فكانت فيلم "دونز بلم" (Don’s Plum)، وهو فيلم مستقل منخفض
- الميزانية جمع دي كابريو وأصدقاءه في جلسة حوارية مرتجلة كشفت عن جوانب مظلمة، بما في ذلك
- مشهد يهدد فيه دي كابريو شخصية نسائية بألفاظ نابية. الفيلم أثار حفيظة النقاد ولم يعرض على نطاق
- واسع.
الشاطىء
وحتى أنه كان مرشحاً بقوة لدور باتريك بيتمان في
"مختل أميركي" (American
Psycho)، وهو
دور كان سيختبر أقصى حدود قدرته على تجسيد القسوة.
- ومع ذلك، ظلت صورة دي كابريو في التسعينيات محصورة إلى حد كبير في الفتى الوسيم ذي الجاذبية
- الرومانسية، كما في "روميو وجولييت" و"تيتانيك". بدت ملامحه البريئة وكأنها تخونه عندما يحاول
- الغوص في عوالم أكثر قتامة. لذا، لم يكن مستغرباً أن يعود مع بداية الألفية الجديدة إلى أدوار البطولة
- التقليدية الأكثر أماناً.
لكن اللافت أن انطلاقته
الكبرى في "ما الذي يضايق غيلبرت غريب؟" كانت أداءً دقيقاً أقرب لـ"ممثل
الأدوار المركبة" منه إلى نجم شباك. مغامراته في أدوار "الفتى السيئ"
خلال التسعينيات، رغم تعثرها النسبي، كانت محاولة واعية لمقاومة القوالب النمطية.
النضج الحقيقى
النضج الحقيقي أتى
لاحقاً. عندما تحرر دي كابريو من سطوة الوسامة وأصبح أكثر استعداداً لتجسيد القبح
والضعف الإنساني، تمكن من تقمص شخصيات فاسدة ومعقدة ببراعة وعمق لافتين، كما في "جانغو
طليقاً" (Django Unchained)، "ذئب وول ستريت" (The Wolf of Wall Street)، ومؤخراً "قتلة
زهرة القمر" (Killers of
the Flower Moon).
- ومن المفارقات المثيرة، أن مشهد العقاب الجسدي الذي تلقاه في "يوميات كرة السلة" بعصا خشبية
- تكرر بعد نحو ثلاثة عقود في "قتلة زهرة القمر"، حيث يتلقى عقوبة مذلة من عمه (روبرت دي
- نيرو). الفرق شاسع: في الأول، كانت نظرة ساخرة متحدية تحمل جاذبية شبابية؛ أما في الثاني
- فالمشهد عبثي ومذل، يفضح هشاشة الشخصية.
الختام
هذا التحول يكشف أن دي
كابريو لم يعد معنياً بالحفاظ على وقاره أو صورته كنجم وسيم. لقد تبنى ما يمكن تسميته "الوقاحة الفنية" التي تحرره كممثل، وهو ما لم يكن قد أتقنه بعد
في أيام "يوميات كرة السلة". في تلك التجارب المبكرة، نرى بذور الممثل
الجريء الذي سيصبح عليه لاحقاً، بذور زُرعت مبكراً، لكنها احتاجت إلى عقدين من
الزمن لتنضج وتثمر، مقدمةً لنا أحد أعظم ممثلي جيله.
.jpg)