**اتفاق تجاري وشيك بين واشنطن ولندن: تطلعات محدودة ودوافع سياسية واقتصادية**
في خطوة تعكس الديناميكيات المتغيرة للعلاقات
التجارية العالمية ومآلات ما بعد "بريكست"، تترقب الأوساط الاقتصادية والسياسية إعلاناً وشيكاً عن إطار اتفاق تجاري جزئي بين المملكة المتحدة والولايات
المتحدة. ورغم أن هذا الاتفاق لا يرقى إلى مستوى اتفاقية التجارة الحرة الشاملة
التي كانت تطمح إليها حكومة حزب "المحافظين" البريطاني عقب الخروج من الاتحاد
الأوروبي في 2020، إلا أنه يحمل في طياته دلالات هامة لكلا الطرفين، مدفوعاً بمزيج
من الاعتبارات الاقتصادية الملحة والضرورات السياسية الداخلية.
![]() |
**اتفاق تجاري وشيك بين واشنطن ولندن: تطلعات محدودة ودوافع سياسية واقتصادية** |
**طبيعة الاتفاق إطار جزئي لا طموح شامل**
أكدت مصادر بريطانية أن الإعلان
المرتقب سيقتصر على "إطار" لاتفاقات جزئية تعالج قضايا تجارية محددة. فمنذ
بدء المفاوضات قبل أسابيع، كان واضحاً أن التركيز ينصب على حلحلة نقاط خلافية معينة بدلاً من صياغة معاهدة تجارية واسعة النطاق. هذا التوجه يعكس واقعية أكبر في
ظل تعقيدات المفاوضات التجارية الدولية والبيئة السياسية الراهنة.
- يتركز جوهر الاتفاق المزمع على تنازلات متبادلة. فمن جانبها، ستقوم الولايات المتحدة بخفض
- التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب بنسبة 25% على صادرات السيارات والصلب
- البريطانية، والتي شكلت عبئاً كبيراً على الصناعة البريطانية. يُذكر أن بريطانيا كانت تتمتع سابقاً
- تحت إدارة الرئيس بايدن، بميزة تصدير 500 ألف طن من الصلب إلى الولايات المتحدة معفاة من
- الجمارك.
في المقابل، ستقدم المملكة المتحدة تنازلات
تتعلق بخفض الضريبة على المنتجات الرقمية، وهي قضية أثارت حفيظة شركات التكنولوجيا
الأمريكية العملاقة. كما ستسمح بريطانيا بوصول أكبر للمنتجات الزراعية والغذائية
الأمريكية إلى أسواقها، وهو ما قد يشمل خفض الرسوم الجمركية المفروضة حالياً على
واردات لحوم البقر الأمريكية (12%) أو حتى إلغاءها.
**الدوافع السياسية والاقتصادية لكلا الطرفين**
.jpg)
فالحكومة تواجه انتقادات داخلية متزايدة بسبب سياساتها الاقتصادية التي لم تحقق النمو المأمول، بل وزادت الأعباء الضريبية على المواطنين المثقلين بارتفاع تكاليف المعيشة. كما أن الخسائر في الانتخابات المحلية الجزئية وصعود حزب "الإصلاح" اليميني بقيادة نايغل فاراغ، يضعان ضغوطاً إضافية على "العمال". لذا، يُنظر إلى هذا الاتفاق، خاصة بعد إعلان اتفاق تجاري آخر مع الهند، كدفعة إيجابية يمكن تسويقها كإنجاز دبلوماسي واقتصادي.
- علاوة على ذلك، تسعى لندن لإبرام هذا الاتفاق قبل التوصل إلى أي تعديلات محتملة على اتفاق
- "بريكست" مع الاتحاد الأوروبي، خشية أن تفرض أي اتفاقية أوروبية قيوداً على معايير السلامة
- الغذائية تعرقل استيراد المنتجات
الأمريكية، أو أن يثير اتفاق مع أوروبا حفيظة إدارة ترمب.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن إدارة ترمب تحتاج إلى إظهار تقدم ملموس في ملف التجارة، وإقناع الأسواق والشركات الأمريكية بجديتها في تفادي حرب تعريفات شاملة عبر التوصل لاتفاقات ثنائية. اعتبار بريطانيا "الإعلان الأول" ضمن سلسلة اتفاقات متوقعة (تشير التقارير إلى 17 اتفاقاً قيد التفاوض مع شركاء كاليابان وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي والصين) يخدم هذه الاستراتيجية.
ولم يكن مستغرباً أن تكون بريطانيا هي الشريك الأول، نظراً لأنها
كانت من الدول القليلة التي لم ترد على تهديدات ترمب الجمركية بإجراءات عقابية
مماثلة، مما يعكس عمق "العلاقة الخاصة" بين البلدين.
**التداعيات الاقتصادية والمخاوف المحتملة**
فور تداول أنباء الاتفاق، شهد الجنيه الاسترليني ارتفاعاً طفيفاً أمام الدولار بنحو 0.4%، مما يعكس تفاؤلاً حذراً في الأسواق.
وبالنظر
إلى الأرقام، يبدو أن بريطانيا قد تكون المستفيد الأكبر على المدى القصير؛
فصادراتها من السيارات وحدها إلى الولايات المتحدة تجاوزت 7.5 مليار جنيه استرليني
العام الماضي، بينما لم تتجاوز وارداتها من الأغذية والمنتجات الحيوانية الأمريكية
1.1 مليار جنيه استرليني.
- ومع ذلك، تظل هناك مخاوف جدية، لا سيما فيما يتعلق بقطاع الزراعة والغذاء في بريطانيا
- فالتفاصيل الدقيقة حول ما إذا كانت التنازلات البريطانية ستشمل تخفيف معايير السلامة الغذائية
- للسماح بدخول منتجات أمريكية لا تتوافق مع المعايير البريطانية أو الأوروبية الحالية، تبقى نقطة
- خلافية. مثل هذا التخفيف قد يثير حفيظة المزارعين البريطانيين ويقوض موقف بريطانيا في أي
- مفاوضات مستقبلية مع الاتحاد الأوروبي.
يبقى الميزان التجاري بين البلدين نقطة جدل
تعتمد على منهجية الحساب، حيث تظهر الإحصاءات البريطانية فائضاً لصالحها، بينما
تشير الأمريكية إلى عجز، ويرجع ذلك غالباً إلى تضمين الخدمات المالية ومناطق "الأوفشور"
البريطانية.
**خاتمة**
يمثل الإطار التجاري الجزئي بين واشنطن ولندن
خطوة براغماتية تعكس المصالح المباشرة للطرفين في ظل ظروف اقتصادية وسياسية معقدة.
ورغم أنه لا يحقق طموحات اتفاق التجارة الحرة الشامل، إلا أنه يوفر متنفساً لبعض
القطاعات الحيوية ويخدم أجندات سياسية داخلية. لكن نجاحه على المدى الطويل سيعتمد
على التفاصيل النهائية، وقدرة الطرفين على إدارة التداعيات المحتملة، خاصة فيما
يتعلق بالمعايير التنظيمية وعلاقات كل منهما مع شركاء تجاريين آخرين، وعلى رأسهم
الاتحاد الأوروبي.
![]() |
**اتفاق تجاري وشيك بين واشنطن ولندن: تطلعات محدودة ودوافع سياسية واقتصادية** |