recent
أخبار ساخنة

## السينما حين تعري الطغاة وتقاوم النسيان: قراءة في فيلم "ما زلتُ هنا" وأبعاده العالمية

الصفحة الرئيسية
الحجم
محتويات المقال

 

 

## السينما حين تعري الطغاة وتقاوم النسيان: قراءة في فيلم "ما زلتُ هنا" وأبعاده العالمية

 

لطالما كانت السينما مرآة تعكس الواقع بأفراحه وأتراحه، وأداة فنية قوية قادرة على تجاوز حدود الترفيه لتصبح سلاحاً فعالاً في مواجهة الطغيان وحفظ الذاكرة من النسيان والتزييف. وفي هذا السياق، يبرز الفيلم البرازيلي "ما زلتُ هنا" (I'm Still Here) للمخرج والتر سالس، كنموذج سينمائي رفيع المستوى، لا يكتفي بسرد قصة مؤثرة، بل يغوص عميقاً في جراح الماضي ليكشف بشاعة الديكتاتورية ويحتفي بالمقاومة الإنسانية.

لطالما كانت السينما مرآة تعكس الواقع بأفراحه وأتراحه، وأداة فنية قوية قادرة على تجاوز حدود الترفيه لتصبح سلاحاً فعالاً في مواجهة الطغيان وحفظ الذاكرة من النسيان والتزييف. وفي هذا السياق، يبرز الفيلم البرازيلي "ما زلتُ هنا" (I'm Still Here) للمخرج والتر سالس، كنموذج سينمائي رفيع المستوى، لا يكتفي بسرد قصة مؤثرة، بل يغوص عميقاً في جراح الماضي ليكشف بشاعة الديكتاتورية ويحتفي بالمقاومة الإنسانية.
## السينما حين تعري الطغاة وتقاوم النسيان: قراءة في فيلم "ما زلتُ هنا" وأبعاده العالمية


## السينما حين تعري الطغاة وتقاوم النسيان: قراءة في فيلم "ما زلتُ هنا" وأبعاده العالمية

الفيلم

يأتي الفيلم، الحائز على جائزة الأوسكار المرموقة لأفضل فيلم عالمي لعام 2025، ليروي باللغة البرتغالية فصلاً مؤلماً من تاريخ البرازيل خلال فترة الحكم العسكري (1964-1985).

 مستوحى من مذكرات مارسيلو روبنز بايفا الصادرة عام 2015، التي وثّق فيها اختفاء والده اليساري وعضو الكونغرس روبنز بايفا، ينسج كاتبا السيناريو موريلو هاوزر وهيتور لوريجا حكاية تبدأ من الخاص لتلامس العام. تتبعثر سكينة عائلة برلمانية (يجسد ربها الممثل سيلتون ميلو) ذات يوم أحد حين يُلقي العسكر القبض عليه بسبب انشقاقه عن السلطة العسكرية.

  •  لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد الاعتقال ليشمل زوجته وابنتهما ذات الأربعة عشر عاماً،
  •  ليتعرض الثلاثة لضغط نفسي هائل. ورغم الإفراج عن الأم والابنة، يبقى مصير الأب مجهولاً
  •  مُحاطاً بغلالة كثيفة من الغموض والأخبار المضللة، مما يدفع الأسرة إلى بيع منزلها والرحيل
  •  وتتفسخ طمأنينتها.

 الإبداع

يتجلى الإبداع في "ما زلتُ هنا" في قدرته على صياغة الألم والقهر والخذلان بلغة سينمائية آسرة ومتقشفة.

 يبتعد سالس عن الجماليات اللونية المهندسة التي قد نراها في سينما ويس أندرسون، أو التنقيب النفسي المعقد الذي يميز أفلام تشارلي كوفمان. حتى تقنية "الفلاش باك" تُستخدم بحدود تخدم بناء السرد، لتنقلنا إلى وقائع عام 1970، مع الحفاظ على إحساس بالمعاصرة من خلال التصوير بألوان باهتة مقصودة، تمحو الفواصل الزمنية وتجعل المشاهد يعيش تلك الحقبة. إنها "سينما تُعيد بناء الذاكرة"، كما يرى سالس، الذي يؤمن بأن "الأفلام أدوات ضد النسيان".

 

  1. أداء الزوجة، التي جسدتها ببراعة فرناندا توريس، كان محورياً في نجاح الفيلم وتتويجه، حيث
  2.  حصدت عن دورها جائزة غولدن غلوب. هذه الشخصية، التي تتحول لاحقاً إلى محامية ومرجع
  3.  قضائي للدفاع عن المضطهدين، ترمز إلى صمود المرأة وإسهامها الخلاق في النضال. رحلتها في
  4.  معرفة ملابسات اختفاء زوجها ثم وفاته، ومعاناتها التي تستمر حتى سقوط نظام العسكر وإصدار
  5.  شهادة وفاة رسمية، تمثل دليلاً دامغاً على فظائع الديكتاتورية.

 ضد الفيلم

الفيلم، الذي حورب من قبل اليمين البرازيلي المتطرف عند إصداره في نوفمبر 2024، لا يقدم هجاءً سياسياً مباشراً بقدر ما هو توثيق لعذابات الأفراد وصيانة للذاكرة الجماعية. إنه دعوة "حتى لا ننسى"، ومحطة لفهم التحولات التاريخية، وشهادة على هزائم الطغاة.

  •  ومن خلال أرشيف عائلي وسياسي ثري
  • يمزج "ما زلتُ هنا" بين الروائي والوثائقي بذكاء، مُظهراً 
  • كيف تسير الحياة بعنفوانها رغم بطش العسكر، حيث تلهو العائلة على الشاطئ هازئة بالخوف.

 

ولا يقف هذا العمل منفرداً، بل يندرج ضمن مسيرة سينمائية عالمية طويلة عرت الطغاة. فمنذ "الديكتاتور العظيم" (1940) لشارلي شابلن الذي سخر من النازية، مروراً بأمريكا اللاتينية حيث قدم بابلو لارين في "El Conde" (2023) الجنرال التشيلي بينوشيه كمصاص دماء، وفيلم "أزور" (Azor) الذي كشف استبداد الأرجنتين في الثمانينيات

  1.  و"التاريخ الرسمي" (1985) الذي عالج مأساة الاختفاء القسري وفاز بالأوسكار. وفي أفريقيا، جسد
  2.  فوريست ويتاكر ببراعة شخصية عيدي أمين في "آخر ملوك اسكتلندا" (2006) ونال الأوسكار.
  3.  وحتى آسيا لم تغب عن هذا السجل، كما في فيلم "المقابلة" (2014) الذي تناول بسخرية نظام كوريا
  4.  الشمالية.

 أفلام عالمية

ما يميز هذه الأفلام العالمية، بما فيها "ما زلتُ هنا"، هو أنها مشغولة بحس جمالي فائق وأداء تمثيلي مبهر. فنُبل القضية لم يدفع صُناعها للتفريط بالقيم الفنية لحساب تمرير خطاب سياسي مباشر. ولعل هذه النقطة تضيء على أهمية التوازن بين الرسالة والوسيلة

  • وتدعو للتأمل في بعض التجارب السينمائية التي
  •  في سعيها لفضح الظلم، قد تغرق في المباشرة حد الإسفاف
  •  فتصبح بمثابة محامٍ فاشل عن قضية عادلة.

 

في الختام

 يظل فيلم "ما زلتُ هنا" شاهداً قوياً على أن السينما، حين تلتزم بقضايا الإنسان وتوظف أدواتها الفنية بوعي وإتقان، تصبح قوة لا يُستهان بها في مقاومة النسيان، وتعرية الطغيان، وتخليد النضال من أجل عالم أكثر عدلاً وإنسانية.

## السينما حين تعري الطغاة وتقاوم النسيان: قراءة في فيلم "ما زلتُ هنا" وأبعاده العالمية


تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent