**خالد شوقي.. ملحمة "شهيد الواجب" الذي أضاء ب روحه سماء مصر**
في زمنٍ تتعالى فيه أصوات الأنا وتتوارى قيم
الإيثار، تبرز من بين ضجيج الحياة قصصٌ استثنائية، لا يصنعها المشاهير أو أصحاب
المناصب، بل أناسٌ عاديون بحياة بسيطة، لكنهم يحملون في صدورهم قلوباً غير عادية. قصة
المواطن المصري خالد محمد شوقي، سائق الشاحنة البسيط، هي واحدة من تلك الملاحم
الإنسانية التي تُكتب بحروف من نور وتضحية، لتُخلّد في سجل الشرف كرمز للبطولة
المطلقة.
![]() |
**خالد شوقي.. ملحمة "شهيد الواجب" الذي أضاء ب روحه سماء مصر** |
البداية
لم يكن يوم الثاني من يونيو الجاري يوماً عادياً
في حياة خالد، ابن محافظة الدقهلية الكادح الذي يكسب رزقه من قيادة صهاريج الوقود.
كعادته، انطلق بشاحنته المحملة بالبنزين، المادة شديدة الخطورة، متجهاً إلى محطة
وقود في مدينة العاشر من رمضان لتفريغ حمولته. كان كل شيء يسير في مساره الروتيني،
إلى أن قرر القدر أن يختبر معدن هذا الرجل الأصيل.
- فجأة، وبلا سابق إنذار، دوى انفجار في خزان الشاحنة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، لتتحول في
- لحظات إلى كتلة من اللهب المتأجج، وتنطلق منها انفجارات داخلية متتالية بثت الرعب في قلوب كل
- من كان في المحطة. كان المشهد أشبه بالجحيم، غريزة البقاء دفعت الجميع إلى الهرب للنجاة
- بأرواحهم، وهو التصرف البشري الطبيعي أمام خطر محدق. لكن خالد شوقي كان استثناءً. ففي
- اللحظة
التي فرّ فيها الجميع مبتعدين عن الموت، ركض هو في اتجاهه.
بشجاعة تتحدى المنطق، هرع خالد إلى مقطورة القيادة، متحدياً ألسنة اللهب التي بدأت تلتهم جسده، وأدار محرك الشاحنة وقادها مبتعداً عن المحطة والمناطق السكنية المجاورة. كان يدرك تماماً أن بقاء الشاحنة في مكانها يعني وقوع كارثة مروعة، انفجار هائل كان سيحول المنطقة إلى رماد ويحصد أرواحاً لا حصر لها. لقد اختار أن يكون هو الدرع الذي يحمي مئات الأرواح، وقدم جسده ثمناً لذلك.
نجاح بطل
نجحت بطولته في إنقاذ مدينة بأكملها، لكن
النيران كانت قد نالت منه. نُقل خالد إلى المستشفى وهو يعاني من حروق بالغة
الخطورة غطت معظم جسده. وفي مشهد مؤثر انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر وهو
على فراش المرض، وبالكاد يقوى على الحديث، تستمع إليه سيدة تروي له حجم بطولته،
فكان رده الوحيد، الذي لخص كل فلسفة حياته وإيمانه، كلمة واحدة: "الحمد لله".
- بعد أسبوع من المعاناة الشديدة، أسلم خالد شوقي الروح إلى بارئها، تاركاً خلفه قصة بطولة ستُروى
- لأجيال. لم يكن رحيله خبراً عادياً، بل تحول إلى حدث وطني. احتشد المئات أمام المستشفى لتوديعه
- وتحولت جنازته في قريته إلى عرس مهيب يليق بالأبطال، حيث خرج أهالي قريته جميعاً لاستقبال
- جثمان "شهيد
الواجب" كما أطلقوا عليه.
لم تكن الدولة غائبة عن تكريم هذا البطل. حيث
أصدر وزير العدل قراراً بصرف منحة قدرها 200 ألف جنيه لأسرة الفقيد. كما أصدرت
وزارة البترول بياناً رسمياً نعت فيه البطل الذي "ضرب أروع أمثلة البطولة
والتضحية". ومن جانبه، قرر جهاز تنمية مدينة العاشر من رمضان إطلاق اسمه على
أحد شوارع المدينة، مع صرف 50 ألف جنيه لأسرته، عرفاناً بتضحيته.
الختام
انتشر اسم خالد شوقي على منصات التواصل الاجتماعي كانتشار النور، حيث نعاه الملايين بكلمات تعبر عن الفخر والأسى. كتب الناشطون والمعلقون والفنانون عنه، مؤكدين أن بطولته الحقيقية لم تكن بحاجة لرتبة أو منصب، بل لضمير حي وقلب لا يخشى النار حين تكون من أجل حياة الآخرين.
لقد أثبت
خالد أن البطولة قيمة إنسانية متجذرة في فطرة الطيبين، وأن رجلاً بسيطاً من عمق
الريف المصري يمكن أن يعطي درساً في الشجاعة والتضحية للعالم بأسره. رحل خالد
شوقي، لكن اسمه حُفر في ذاكرة وطن، وبقيت قصته منارة تضيء دروب الإنسانية، وتؤكد
أن أعظم الأعمال هي تلك التي تنبع من قلب لا يعرف إلا العطاء.