recent
أخبار ساخنة

### **آثار مصر في مرآة السينما: بين سحر الأسطورة وعبقرية المكان**

الصفحة الرئيسية
الحجم
محتويات المقال

 

### **آثار مصر في مرآة السينما: بين سحر الأسطورة وعبقرية المكان**

 

تمتلك الحضارة المصرية القديمة جاذبية مغناطيسية فريدة، لم تقتصر على إبهار علماء الآثار والمؤرخين فحسب، بل امتدت لتشكل مصدر إلهام لا ينضب لصناع الفن السابع حول العالم. منذ فجر السينما، كانت أهرامات الجيزة الشامخة، ومعابد الكرنك المهيبة، ومقابر وادي الملوك الغامضة، مسرحاً لأحلام وخيالات ومخاوف إنسانية، تحولت إلى قصص وحكايات على الشاشة الكبيرة.

تمتلك الحضارة المصرية القديمة جاذبية مغناطيسية فريدة، لم تقتصر على إبهار علماء الآثار والمؤرخين فحسب، بل امتدت لتشكل مصدر إلهام لا ينضب لصناع الفن السابع حول العالم. منذ فجر السينما، كانت أهرامات الجيزة الشامخة، ومعابد الكرنك المهيبة، ومقابر وادي الملوك الغامضة، مسرحاً لأحلام وخيالات ومخاوف إنسانية، تحولت إلى قصص وحكايات على الشاشة الكبيرة.
### **آثار مصر في مرآة السينما: بين سحر الأسطورة وعبقرية المكان**


### **آثار مصر في مرآة السينما: بين سحر الأسطورة وعبقرية المكان**


  •  لكن هذه العلاقة بين الآثار والسينما لم تكن أحادية البعد؛ بل كانت علاقة مركبة ومعقدة، تتأرجح
  •  بين التوظيف السياحي السطحي، والغوص في الخرافات والأساطير، والاقتراب من الرمزية العميقة
  •  التي يحملها المكان. ويمكن رصد هذا التفاعل عبر محورين رئيسيين: المنظور العالمي الذي غلب
  •  عليه الاستشراق والفانتازيا، والمنظور المصري الذي حاول أن يرى في الأثر مرآة لهويته
  •  وحاضره.

 

#### **المنظور العالمي استشراق بصري وأساطير تجارية**

 

في السينما العالمية، وخاصة هوليوود، تم التعامل مع الآثار المصرية كـ"آخر" غريب ومدهش، أرض بعيدة محملة بالأسرار والكنوز واللعنات. هذا المنظور الاستشراقي لم يكن يسعى بالضرورة لفهم الحضارة، بقدر ما كان يهدف إلى استخدام رموزها كخلفية بصرية مبهرة لأفلام المغامرات والرعب. ويمكن تفصيل هذا التوجه في عدة تيمات رئيسية:

 

**1. أسطورة المومياء ولعنة الفراعنة:**

يُعد اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 نقطة تحول ليس فقط في علم المصريات، بل في الثقافة الشعبية العالمية. القصص التي نسجتها الصحافة الغربية حول "لعنة الفراعنة" التي تطارد كل من يزعج رقاد الملوك، وجدت في السينما أرضاً خصبة. فكان فيلم **"The Mummy" (المومياء)** عام 1932، من بطولة بوريس كارلوف، هو التجسيد السينمائي الأول لهذه الأسطورة.

  1.  لم يكن الفيلم مهتماً بالدقة التاريخية، بل بنى سرديته على فكرة الكاهن الذي يعود من الموت لينتقم
  2.  ويستعيد حبيبته. هذه التيمة أثبتت نجاحها التجاري الساحق، فتم استنساخها في عشرات الأفلام
  3.  اللاحقة، مثل **"The Mummy's Hand" (1940)**، ووصلت إلى ذروة جديدة من الشعبية مع
  4.  سلسلة أفلام **"The Mummy"** الشهيرة في عام 1999، التي مزجت الرعب بالكوميديا
  5.  والمغامرة، ورسخت في أذهان جيل كامل صورة نمطية عن مصر القديمة كعالم مليء بالأفخاخ
  6.  السحرية والتعاويذ القاتلة والمومياوات المتعطشة للانتقام.

 

**2. الملاحم التاريخية والديكورات الضخمة:**

لم تكتفِ هوليوود بالرعب، بل اتجهت أيضاً إلى استغلال عظمة العمارة المصرية في إنتاج أفلام ملحمية ضخمة. يُعتبر فيلم **"The Ten Commandments" (الوصايا العشر)** للمخرج سيسيل دي ميل بنسختيه (الصامتة عام 1923 والملونة عام 1956) مثالاً صارخاً. لم يتم التصوير في المواقع الحقيقية، بل تم بناء ديكورات هائلة وفاخرة في صحراء كاليفورنيا تحاكي المدن والمعابد المصرية.

  •  الهدف لم يكن تقديم التاريخ، بل خلق مشهدية بصرية (Spectacle) تبهر المُشاهد. الأمر نفسه تكرر
  •  في فيلم **"Cleopatra" (كليوباترا)** عام 1963، الذي كاد أن يتسبب في إفلاس شركة الإنتاج
  •  بسبب تكلفته الباهظة، حيث تم بناء روما والإسكندرية في استوديوهات ضخمة. هذه الأفلام، ورغم
  •  قيمتها الفنية، قدمت صورة رومانسية ومبسطة للتاريخ، وركزت على الشخصيات أكثر من الحضارة
  •  نفسها.

 

**3. الفانتازيا والخيال العلمي:**

مع تطور تقنيات الخدع البصرية، تطور معها توظيف الآثار المصرية. فيلم **"Stargate" (بوابة النجوم)** عام 1994 يمثل نقلة نوعية، حيث استبدل السحر والخرافات القديمة بتكنولوجيا الكائنات الفضائية. هنا، الهرم ليس مجرد مقبرة، بل هو مركبة فضائية وبوابة للسفر عبر المجرات. 

  1. هذا التوجه، رغم إبعاده للآثار عن سياقها التاريخي تماماً، إلا أنه يعكس استمرار النظرة إلى الحضارة
  2.  المصرية كشيء "خارق" و"غير أرضي"، لا يمكن تفسير عظمته إلا بقوى خارجية.

 

#### **المنظور المصري الأثر كشاهد على الزمن ومحفز للهوية**

 

على النقيض من النظرة الخارجية، تعاملت السينما المصرية مع الآثار كجزء من نسيجها الوطني، إرث حي يتفاعل مع قضايا المجتمع وهمومه. لم تكن الآثار مجرد ديكور، بل تحولت في كثير من الأحيان إلى رمز أو شخصية صامتة في الفيلم، تشهد على تحولات الزمن.

 

**1. الأثر كرمز اجتماعي وسياسي:**

في فيلم **"الحب فوق هضبة الهرم" (1986)**، لم يكن الهرم مجرد خلفية رومانسية، بل كان رمزاً للعظمة والتاريخ الذي يقف شاهداً على عجز شاب وفتاة عن إيجاد مكان بسيط يجمعهما، فيضطران للجوء إلى سفح الهرم. الأثر هنا يبرز المفارقة بين الماضي التليد والحاضر الخانق. وفي فيلم **"ليه يا هرم" (1993)**، تم استخدام الهرم كإسقاط سياسي مباشر للتساؤل عن ثبات السلطة وتغير الشعوب.

 

**2. التحفة الفنية الخالدة: "المومياء" لشادي عبد السلام:**

يظل فيلم **"المومياء: يوم أن تحصى السنون" (1969)** للمخرج شادي عبد السلام علامة فارقة واستثنائية في تاريخ السينما المصرية والعالمية. الفيلم، المستوحى من قصة حقيقية لاكتشاف خبيئة المومياوات الملكية في الدير البحري، لم يقدم لعنات أو أشباحاً. بل قدم صراعاً فلسفياً عميقاً حول الهوية والانتماء.

  •  الصراع يدور داخل قبيلة "الحرابدات" التي تعيش على سرقة وبيع كنوز أجدادها، بين جيل قديم يرى
  •  في ذلك حقاً مكتسباً ومصدر رزق، وشاب من القبيلة يرفض هذا التدنيس ويعاني من أزمة ضمير.
  •  هنا، الآثار ليست مجرد ذهب وحجارة، بل هي "التاريخ" و"الجذور". نجح شادي عبد السلام في
  •  تقديم صورة بصرية شاعرية، ناطقة بلغة عربية فصحى، ليعيد للآثار المصرية هيبتها الروحية
  •  والفكرية بعيداً عن الاستغلال التجاري.

 

**3. الآثار الإسلامية والحياة الشعبية:**

لم تقتصر السينما المصرية على الآثار الفرعونية، بل أولت اهتماماً كبيراً للتراث الإسلامي، الذي ظهر غالباً في سياق ارتباطه بالحياة اليومية والمعتقدات الشعبية. في ثلاثية نجيب محفوظ، وخاصة فيلم **"بين القصرين"**، كانت مساجد وأزقة القاهرة الفاطمية هي الخلفية الحية لأحداث الرواية. وفيلم **"قنديل أم هاشم"** جعل من مسجد السيدة زينب والممارسات الشعبية المرتبطة به محوراً للصراع بين العلم والإيمان.

  1.  مؤخراً، تناول فيلم **"صاحب المقام" (2020)** علاقة المصريين بالأضرحة والأولياء
  2.  الصالحين، حيث كان ضريح الإمام الشافعي (ورغم تصوير المشاهد في ضريح آخر) هو المحرك
  3.  الرئيسي للأحداث.

 

#### **صورة عالم الآثار بين المغامر الأجنبي والباحث المهمش**

 

لم تكن صورة الآثار هي وحدها التي تشوهت، بل امتد الأمر إلى صورة عالم الآثار نفسه. عالمياً، رسخت سلسلة أفلام **"Indiana Jones"** صورة نمطية لعالم الآثار كمغامر جسور، يحمل سوطاً ومسدساً، ويخوض المطاردات بحثاً عن الكنوز المفقودة. هذه الصورة، رغم جاذبيتها، اختزلت البحث العلمي في مغامرة تجارية.

  •  أما في السينما المصرية، فظلت شخصية عالم الآثار شبه غائبة أو مهمشة، وإن ظهرت، فغالباً ما
  •  تكون في صورة كاريكاتورية أو كشخصية ثانوية. هناك محاولات حديثة لتقديم الشخصية بشكل
  •  مختلف، لكنها لا تزال قليلة، مما يترك الساحة للصورة النمطية الغربية لتظل هي السائدة.

 

**نحو سردية أصيلة**

 

في ختام المطاف، يمكن القول إن السينما قدمت للآثار المصرية خدمة جليلة بالتعريف بها عالمياً، لكنها في الوقت نفسه حبستها في قفص من الصور النمطية والخرافات. السينما العالمية استهلكت الرموز المصرية كمنتج بصري مبهر، بينما حاولت السينما المصرية، في أفضل تجلياتها، أن تجعل من هذه الرموز مرآة تعكس أسئلة الهوية والحاضر.

الختام

 اليوم، ومع التطور الكبير في صناعة السينما والدراما في مصر، تبرز فرصة تاريخية لتقديم سردية جديدة وأكثر أصالة، سردية تستعين بالمتخصصين، وتحترم الدقة التاريخية، وتغوص في الأعماق الفلسفية والروحية لهذه الحضارة العظيمة، لتري العالم أن آثار مصر ليست مجرد ديكور لقصص الخيال، بل هي فصول حية من كتاب الإنسانية الذي لم تُقرأ كل صفحاته بعد.

### **آثار مصر في مرآة السينما: بين سحر الأسطورة وعبقرية المكان**


تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent