**وصلة رقص تهز "الأمن الأخلاقي" في مصر: جدل أكاديمية دينا للرقص الشرقي وتأثيرها على المجتمع**
شهد المجتمع المصري
مؤخرًا جدلاً واسعًا حول إعلان الراقصة الشهيرة دينا عن افتتاح أكاديمية لتعليم
الرقص الشرقي والفنون الأخرى. هذه القضية، التي بدأت كخبر صغير، سرعان ما تحولت
إلى حديث الساعة، وأثارت ردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض، لتكشف عن تحولات عميقة
في النظرة المجتمعية للفن والقيم الأخلاقية في مصر. المقال التالي يستعرض أبعاد
هذا الجدل، ويحلل جذوره وتداعياته على "الأمن الأخلاقي" المصري.
![]() |
**وصلة رقص تهز "الأمن الأخلاقي" في مصر: جدل أكاديمية دينا للرقص الشرقي وتأثيرها على المجتمع** |
**دينا وأكاديمية الرقص الشرقي شرارة الجدل**
في السابع عشر من
سبتمبر الماضي، استيقظ المصريون على خبر أثار ضجة كبيرة: الراقصة دينا تعلن عن
إطلاق "أكاديمية دينا" لتعليم الرقص الشرقي واللاتيني والأفريقي،
بالإضافة إلى ورش عمل في التمثيل وكتابة السيناريو والعزف والغناء. كان الهدف
المعلن للأكاديمية هو صقل المواهب الشابة وتخريج جيل جديد من الفنانين المحترفين
القادرين على المنافسة محليًا وعالميًا.
- لم يكن الخبر مجرد إعلان فني عادي، بل تحول سريعًا إلى "ترند" على منصات التواصل الاجتماعي.
- كلمات مثل "دينا الرقاصة فتحت مدرسة"، و"ضاع ديننا، وتبددت أخلاقنا"، و"يا ويلنا رقاصة تربي
- أولادنا" انتشرت كالنار في الهشيم. هذا السيل الجارف من التعليقات الغاضبة والممتعضة أظهر
- حساسية قطاع عريض من المجتمع تجاه موضوع الرقص الشرقي، خاصة عندما يرتبط بمؤسسة
- تعليمية تحمل اسم راقصة معروفة.
**التحول المجتمعي والنظرة إلى الفن الأصيل**
تكمن جذور هذا الجدل في
التحولات العميقة التي شهدها المجتمع المصري على مدار العقود الماضية. فقبل عقود
قليلة، كانت راقصات مثل سامية جمال، تحية كاريوكا، سهير زكي، ونجوى فؤاد يُعتبرن
فنانات جميلات قدمن عروضًا فنية شيقة، وأسهمن في بناء القوى الناعمة لمصر عبر مئات
الأفلام والأعمال الدرامية التي لا تزال تُعرض اليوم تحت مسمى "الزمن الجميل"
أو "الفن الأصيل".
- اليوم، تبدو النظرة مختلفة تمامًا. الراقصة دينا، التي تمثل امتدادًا لهذا الفن، وجدت نفسها في مواجهة
- غضب شعبي وبرلماني غير مسبوق. هذه الهزة العنيفة التي تنضح من جوانب مختلفة في المجتمع
- المصري تعكس تغيرًا في المفاهيم والقيم، وتحديدًا منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي. يرى
- الكاتب الصحافي محمود خليل أن التدين الذي انتشر في مصر في تلك الفترة كان تدينًا سطحيًا يعتمد
- على المظهر أكثر من الجوهر، مما أثر على
الأخلاقيات المجتمعية بشكل عام.
**قاعدة عريضة معترضة صوت الغضب الشعبي**
مصطفى، الشاب الثلاثيني الذي يدشن مجموعات على "واتساب" لإغلاق الأكاديمية ومقاضاة دينا، ليس حالة فردية، بل يمثل قاعدة شعبية عريضة. هذه الفئة ترى في أكاديمية الرقص الشرقي تهديدًا مروعًا ونذيرًا مفزعًا يعرض الأمة للخطر ويضعها في خانة ضياع الأخلاق وتبدد القيم وإفساد المتدينين.
- الغريب أن هذه الموجة الهادرة من الغضب التي تكاد تراها في كل ركن، وتتابع هزاتها الارتدادية في
- كل حدب وصوب، لم تمنع وصول عدد مشاهدات فيديوهات الأكاديمية وحصصها الأولى إلى أرقام
- مليونية. وهذا يؤكد أن هناك فضولًا مجتمعيًا لمتابعة هذه الظاهرة، حتى لو كانت المتابعة مصحوبة
- بالشتائم والمطالبة بالإغلاق.
**الأمن الأخلاقي في البرلمان تحركات لمواجهة الكارثة**
لم يقتصر الجدل على
الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي، بل وصل إلى قبة البرلمان المصري. أعلنت عضو مجلس
النواب مي أسامة رشدي أنها ستتقدم بطلب إحاطة رسمي لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي
للمطالبة بإغلاق الأكاديمية، وذلك "حفاظًا وحماية للأمن الأخلاقي".
- ترى النائبة أن الأمن الأخلاقي ركيزة أساسية لاستقرار المجتمع وتماسكه، وأن إنشاء أكاديمية لتعليم
- الرقص الشرقي في هذا "التوقيت الحساس" يمثل محاولة لاستهداف القيم المجتمعية ويؤثر سلبًا على
- النشء والشباب. هذا التصريح أثار تساؤلات حول معايير "الأمن الأخلاقي" في مصر، خاصة عندما
- لا تحظى قضايا أخرى، مثل حوادث الإهمال القاتلة، والفساد، والتحرش بالنساء، بنفس الاهتمام
- البرلماني.
**الرقص الشرقي تاريخ موثق وتدين متحول**
تاريخيًا، الرقص موثق
على جدران معابد المصريين القدماء، وقد مارسه المصريون القدماء للترفيه والأسباب
الدينية والجنائزية وكوسيلة علاجية. ولم يكن يُنظر إليه على أنه مهدد لقيم المجتمع.
وفي العصر الذهبي للفنون المصرية في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، كان الرقص
الشرقي جزءًا لا يتجزأ من القوى الناعمة لمصر، وكانت الراقصات يعتبرن فنانات.
- يؤكد الناقد الفني طارق الشناوي أن مطالب إغلاق الأكاديمية نابعة من "نظرة رجعية وعنيفة ضد الفن
- بشكل عام"، وأن المجتمع المصري بات ينظر إلى الإبداع والفن بنظرة متشددة. هذه الرؤية المتشددة
- وإن لم تكن متمددة في المجتمع المصري كله، إلا أنها تشكل جزءًا كبيرًا من الصوت العالي على
- السوشيال ميديا.
حتى الفنانة مديحة حمدي، المعروفة بارتداء الحجاب وتقديم الأعمال الدينية، دافعت عن الرقص كفن موجود في مصر منذ عصور، معتبرة أن المشكلة تكمن في "بدل الرقص" الحديثة التي تكشف الجسد أكثر من بدل راقصات الزمن الجميل. لكن حتى هذا الرأي أثار غضب "جيوش الفضيلة" عليها، متهمين إياها بعدم احترام الحجاب.
**خاتمة جدل الرقص الشرقي ومستقبل الفن في مصر**
يظل الجدل حول "أكاديمية
دينا" للرقص الشرقي يعكس صراعًا أعمق في المجتمع المصري بين التمسك بالقيم
التقليدية من جهة، والانفتاح على الفنون والإبداع من جهة أخرى. هذا الصراع ليس
جديدًا، لكنه يتخذ أبعادًا جديدة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تتفجر
الآراء وتتضخم المواقف.
فبينما تستمر أكاديمية
دينا في جذب المشاهدات والتعليقات، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيتمكن الفن من
استعادة مكانته كقوة ناعمة ومحرك للثقافة في مصر، أم أن "الأمن الأخلاقي"
بمفهومه المتشدد سيظل يحد من مساحات الإبداع والتعبير؟ إنها قضية لا تتعلق بالرقص
الشرقي فقط، بل بمستقبل الفن والهوية الثقافية في المجتمع المصري.