رحلة الإسراء والمعراج: إكرامٌ إلهيٌّ وتجربةٌ
فريدةٌ
تُعدّ رحلة الإسراء والمعراج من أهمّ الأحداث في
حياة النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهي علامةٌ فارقةٌ في تاريخ الإسلام، وأحد
أهمّ الأحداث التي تُؤكّد على صدق نبوّته، ورسالة الإسلام. ففي هذه الرحلة، صعد النبيّ
-صلى الله عليه وسلم- إلى السماء السابعة، لِيُكلم الله -تعالى- مُباشرةً، ويتلقّى
منه الأوامر الإلهيّة.
رحلة الإسراء والمعراج: إكرامٌ إلهيٌّ وتجربةٌ فريدةٌ
تعريف الإسراء والمعراج:
تُعرّف رحلة الإسراء بأنّها انتقال النبيّ -صلى
الله عليه وسلم- ليلاً من المسجد الحرام في مكة المُكرمة إلى المسجد الأقصى في بيت
المقدس، على دابّةِ البُراق. أمّا المعراج فهو صعود النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع
جبريل -عليه السلام- من بيت المقدس إلى السماوات العُلى، لِيُكلم الله -تعالى- مُباشرةً.
أسباب رحلة الإسراء والمعراج:
كانت لِرحلة الإسراء والمعراج العديد من
الأسباب، أهمّها:
1-تخفيفٌ
لِآلامه وأحزانه: فقد كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قد واجه الكثير من الأذى من
قومه، فكانت هذه الرحلة تخفيفًا لآلامه وأحزانه، وإكرامًا له من الله -تعالى-.
2-إعلاءٌ لشأن
النبيّ: كانت هذه الرحلة إعلاءً لشأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتأكيدًا على
مكانته العظيمة عند الله -تعالى-.
3-الإيناس
والتسلية: كانت من باب الإيناس والتسلية للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتعريفاً له
بمنزلته وقدْره عند الله -تعالى-.
4-بدء مرحلة
جديدة من الدعوة: بدأت بعدها مرحلةٌ جديدةٌ من دعوة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-،
حيث ازدادت قوّة إيمانه، وزاد ثباته على دعوته.
5-تعويضٌ
للنبيّ: كانت هذه الرحلة تعويضًا للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- عمّا لاقاه من أهل
الطائف وتكذيبهم له، كما جاء في القرآن الكريم: (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ
وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً)، [النساء: 47].
6-إعلامٌ بآيات
الله: كانت هذه الرحلة إعلامًا للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- بآيات الله -تعالى- العظيمة،
كما جاء في القرآن الكريم: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)، [الإسراء: 1]، و (لَقَدْ
رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)، [النجم: 18].
7-مواجهة مصاعب
الدعوة: كان في هذه الرحلة من القدرة على مواجهة مصاعب
الدّعوة التي تعترضُه، واطّلاعَه على مشاهد
الأنبياء والمُرسلين، وبعض مشاهد الجنّة والنّار، وغير ذلك مما يُزيد من ثباته في
دعوته.8-
توقيت رحلة الإسراء والمعراج:
تعدّدت آراءُ عُلماء السِّيَر في زمن رحلة
الإسراء والمعراج، وأشهر هذه الأقول ما أرّخه الزُّهريّ، حيث قال إنّها كانت قبل
الهجرة إلى المدينة المُنورة بسنة، وكانت بعد معاناة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من
رحلته إلى الطائف،[٨] فكانت في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من السنة الثانيّة
عشرة للبعثة.
أحداث ليلة الإسراء والمعراج:
التجهيز لرحلة الإسراء والمعراج:
كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مُستلقياً على
ظهره في بيت أُمِّ هانئ، فانفرج سقف البيت، ونزل منه مَلَكان على هيئة البشر،
فأخذاه إلى الحطيم عند زمزم، ثُمّ شقّا صدره، وأخرجا قلبه الشريف وغسلاه بماء
زمزم، وملآه بالإيمان والحكمة.[٩] والحكمة في ذلك تهيئة النبيّ -صلى الله عليه
وسلم- لِما سيُشاهده، وليكون إعدادا له من الناحية اليقينيّة والروحيّة.
ركوب البُراق والإسراء إلى المسجد الأقصى:
ثُمّ جاء جبريل -عليه السلام- للنبيّ بدابّة
البُراق، وهي دابّةٌ أصغرُ من الفَرَس وأكبر من الحِمار، تضعُ حافرها عند مُنتهى
طرفها، فلمّا ركبها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يثْبُت، حتى قال له جبريل -عليه
السلام- أن يثبت، فلم يركبها أحدٌ خيرٌ منه، فثبت النبيّ، وتصبّب عرقاً، ثُمّ
انطلقت بهما إلى بيت المقدس.
العروج إلى السماء:
عُرج بالنبيّ وجبريل إلى السماء الدُنيا، فرأى -صلى
الله عليه وسلم- آدمَ -عليه السلام-، ورحّب به، وردّ عليه السّلام، وأراه أرواح
الشُهداء عن يمينه، وأرواح الأشقياء عن يساره، ثُمّ صعد إلى السماء الثانية، فرأى
فيها يحيى وعيسى -عليهما السلام-، فسلّم عليهما. ثُمّ صعد إلى السماء الثالثة ورأى
فيها يوسف -عليه السلام-، ثُمّ رأى إدريس -عليه السلام- في السماء الرابعة، وهارون
-عليه السلام- في السماء الخامسة، وموسى -عليه السلام- في السماء السادسة، وفي
السماء السابعة رأى إبراهيم -عليه السلام-، وجميعُهم يُسلّمون عليه، ويُقرّون
بنبوّته.
سدْرة المُنتهى:
ثُمّ صعد إلى سدْرة المُنتهى، والبيت المعمور،
ثُم صعد فوق السماء السابعة، وكلّم الله -تعالى-، ففرض عليه خمسين صلاة، وبقيَ
النبيّ يُراجِعه حتى جعلها خمساً، وعُرض عليه اللّبن والخمر، فاختار اللّبن، فقيل
له أنّه أصاب الفطرة، ورأى أنهار الجنّة، اثنان ظاهران، واثنان باطنان، ورأى خازن
النّار -مالِك-، ورأى أكَلَة الرّبا، وأكَلَة أموالِ اليتامى ظُلماً، وغير ذلك
الكثير من المشاهد.
دروس مستفادة من رحلة الإسراء والمعراج:
كانت لِرحلة الإسراء والمِعراج الكثير من
الدُروس والعبر المستفادة، منها ما يأتي:
تعويضُ الله -تعالى- للنبيّ: تعويضُ الله -تعالى-
للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- لصدّ النّاس عنه، وخاصّةً أنّ الحادثة كانت بعد أذى
أهل الطائف له، ومَنعُه من دُخول المسجد الحرام إلا بجوار مِطعم بن عديّ، فعوّضه
الله -تعالى- بفتح أبواب السماء له، وترحيب أهلها به.
تعزيةٌ ومواساةٌ: تعزيةٌ ومواساةٌ من الله -تعالى-
لنبيّه -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة زوجته خديجة -رضي الله عنها- وعمّه أبي
طالب، فأكرمه برؤية آياتٍ من ربّه وأمور أخرى.
فتنةُ النّاس وامتحانهم: بيان مُصدّق النبيّ -صلى
الله عليه وسلم- والمُكذّب له، حيث إنّ الذهاب إلى بيت المقدس لا يكون إلا برحلةٍ
مقدارُها شهرين ذهاباً وإياباً، وسُمّيّ من حينها أبو بكرٍ -رضي الله عنه- بالصّدّيق؛
لتصديقه للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- في مُعجزة الإسراء والمِعراج.
بيان صدق النبيّ: بيان صدق النبيّ -صلى الله
عليه وسلم- بعد وصفه للناس ما يعجز البشر عن وصفه.
أهمية الصلاة: بيان أهمية الصلاة ومكانتها، حيث
إنّها فُرضت في السماء.
أهمية المسجد الحرام والمسجد الأقصى: الدلالة
على أهمية المسجد الحرام والمسجد الأقصى، والربطُ بينهما، وقيامهما على التوحيد
والإخلاص.
أهمية رحلة الإسراء والمعراج:
تُعدّ رحلة الإسراء والمعراج من أهمّ الأحداث في
تاريخ الإسلام، ولها أهمّية كبيرة في حياة المسلمين، فهي:
تأكيد على نبوّة النبيّ: تُثبت هذه الرحلة صدق
نبوّة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ورسالة الإسلام.
مُعجزةٌ إلهيّة: تُعدّ هذه الرحلة مُعجزةً
إلهيّةً لا يُمكن أن يُحَدّثها إلا الله -تعالى-.
مصدر إلهامٍ وإعجاب: تُثير هذه الرحلة إعجاب
المسلمين، وتلهمهم بالثقة بالله -تعالى-، وقوّة إيمانهم.
دليل على رحمة الله: تُظهر هذه الرحلة رحمة الله
-تعالى- بنبيّه -صلى الله عليه وسلم-، وتُؤكّد عل حبة له، واختياره له.
تأكيد على عظمة الله: تُبيّن هذه الرحلة عظمة
الله -تعالى-، وقدرته على كلّ شيء.
دليل على وحي الله: تُؤكّد هذه الرحلة على وحي
الله -تعالى- للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وصدق هذه الرسالة.
ختاماً:
تُعدّ رحلة الإسراء والمعراج من أهمّ الأحداث في
تاريخ الإسلام، وأحد أهمّ الأحداث التي تُؤكّد على صدق نبوّته، ورسالة الإسلام. فهي
رحلةٌ مُميزةٌ، تحمل دروسًا عظيمةً، ومُعجزاتٍ لا تُحصى، وتُثير إعجاب المسلمين،
وتُؤكّد على عظمة الله -تعالى-، وقدرته على كلّ شيء.