## كيف التهم التضخم الأرباح في ستة عقود؟ دراسة في تأثير التضخم على الاستثمار طويل الأمد
يُشكّل التضخم هاجساً
مُلحاً للمستثمرين على مر العصور، فهو القوة الخفية التي تقضم تدريجياً من قيمة المدخرات والأرباح على المدى الطويل. خلال
العقود الستة الماضية، شهد العالم تقلباتٍ كبيرة في معدلات التضخم، مما أثر بشكلٍ
عميق على عوائد الاستثمار وغيّر قواعد اللعبة بالنسبة للمستثمرين.
## كيف التهم التضخم الأرباح في ستة عقود؟ دراسة في تأثير التضخم على الاستثمار طويل الأمد |
في هذا التحليل، سنستعرض تأثير
التضخم التراكمي على عوائد الاستثمار، ونناقش استراتيجياتٍ متنوعةٍ للتعامل مع هذه
القوة المُدمّرة.
نصائح مستشارو الثروات
لطالما نصح مستشارو
الثروات عملاءهم بتنويع استثماراتهم بين الأصول الآمنة ذات العوائد المُعتدلة،
والأصول عالية المخاطر التي تُحقق عوائدٍ أعلى.
هذا التنوع يهدف إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على رأس المال وتنميته، وهو
أمرٌ بالغ الأهمية خاصةً في أوقات عدم اليقين الاقتصادي. ولكن، مع تزايد معدلات التضخم، يصبح حساب العائد الحقيقي أكثر تعقيداً، إذ لا
يكفي النظر إلى الأرقام الظاهرية، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار قيمة المال عبر
الزمن.
- في فترات الاضطراب الاقتصادي
- ووسط صعوبة التنبؤ بتحركات السوق
- يلجأ العديد من رجال الأعمال إلى الاستراتيجيات التحفظية
- مثل الاحتفاظ بأموالهم نقداً في حسابات مصرفية
- مُستفيدين من الفائدة المصرفية، خاصةً في فترات ارتفاع أسعار الفائدة.
- هذه الاستراتيجية، وإن كانت آمنةً نسبياً
- ليست خاليةً من المخاطر
- فالتضخم قد يقضي على قيمة الفائدة المُتحصلة، مُحوّلاً العائد الحقيقي إلى رقمٍ سالب.
الغقود الستة الماضية
ولكن، ما الذي حدث خلال العقود الستة الماضية؟ يُقدّر معدل التضخم السنوي المتوسط خلال هذه
الفترة بنحو 4.9%، وهو ما يفوق بكثير
المعدل المُستهدف من قبل البنوك المركزية،
مما يشير إلى أن قيمة العملة قد تآكلت بشكلٍ كبير. يعني هذا أن مليون جنيه إسترليني في عام 1964، على سبيل المثال، لا تُعادل مليون جنيه إسترليني اليوم، بل إن قيمتها الحقيقية أقل بكثير، بسبب التضخم التراكمي.
- ارتفاع معدل التضخم السنوي بشكلٍ كبير خلال بعض الفترات
- مثل سبعينيات القرن الماضي وبعد أزمة وباء كورونا
- حيث تجاوزت نسبة التضخم 10% في بعض البلدان
- يُبرز خطورة التضخم على المدى الطويل.
- هذه الزيادات الحادة في معدلات التضخم تُؤدي
إلى تآكلٍ سريع في قيمة المدخرات والاستثمارات.
أمثلة
لنأخذ مثالاً على ذلك: إذا حقق مستثمرٌ عائداً قدره 16 مليون جنيه
إسترليني من استثمارٍ أوليّ بقيمة مليون جنيه إسترليني، فإن هذا العائد الظاهري قد يبدو مذهلاً، ولكنه قد لا يُمثّل مكسباً حقيقياً عند أخذ
التضخم بعين الاعتبار. فعند بيع أصوله
الاستثمارية اليوم، قد لا تعادل قيمة هذه
الأصول قيمة استثماره الأوليّ من حيث القوة الشرائية.
- في ضوء هذا الواقع
- يُصبح من الضروري إعادة النظر في استراتيجيات الاستثمار التقليدية
- وتبني نهجٍ أكثر شموليةً يأخذ في الحسبان
- عامل التضخم. فلا يكفي التركيز على العائدات الظاهرية
- بل يجب التركيز على العائد
الحقيقي، وهو العائد المُعدّل حسب معدل التضخم.
خقض اسعار الفائدة
على الرغم من أن خفض
أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية قد يُقلّل من ضغط التضخم على المدى
القصير، إلا أن هناك عوامل أخرى قد تُؤثر
على معدلات التضخم، مثل السياسات
الحكومية، وتغيرات المعروض والطلب، والصدمات الخارجية. لذلك،
يجب على المستثمرين أن يكونوا على درايةٍ بهذه العوامل، وأن يتخذوا قرارات استثمارية مُ informed على أساسٍ علميّ.
- تُعتبر الأصول الثابتة، مثل السندات، خياراً استثمارياً آمن نسبياً
- ولكن عائداتها تتأثر بشكلٍ سلبيّ بارتفاع معدلات التضخم.
- السندات الصادرة عن جهاتٍ ذات تصنيف ائتماني ضعيف تحمل مخاطرٍ أعلى
- في حين أن السندات الحكومية تُعتبر أكثر أمناً
- لكن عائداتها قد لا تتجاوز معدل التضخم في بعض
الأحيان.
من ناحية أخرى، تُعتبر الأسهم خياراً استثمارياً ذا إمكاناتٍ
أكبر للنمو على المدى الطويل، مما يجعلها
قادرة على التغلب على التضخم. لكن
الاستثمار في الأسهم يُعتبر أكثر مخاطرةً من الاستثمار في الأصول الثابتة، ويحتاج إلى دراسةٍ متأنيةٍ للسوق وفهمٍ عميقٍ
للمخاطر.
- يُبرز مؤشر فوتسي 250 في بورصة لندن،
- على سبيل المثال، أداءً أفضل من مؤشر فوتسي 100
- في مواجهة التضخم على المدى الطويل
- مما يُشير إلى أهمية اختيار الأسهم بعناية وتنويع الاستثمارات عبر قطاعاتٍ مختلفة.
الختام
يُؤكد هذا التحليل على أهمية إدراك تأثير التضخم
التراكمي على الاستثمارات طويل الأجل. يجب
على المستثمرين أن يكونوا على درايةٍ بمعدلات التضخم وأن يأخذوها بعين الاعتبار
عند تقييم عوائد الاستثمار. التنويع بين
الأصول المختلفة، وإدارة المخاطر بفعالية، والاستعانة بمديري ثروات خبراء، كلها عوامل أساسية لتحقيق النجاح في الاستثمار
على المدى الطويل في ظل وجود التضخم. لا
يكفي تحقيق عوائدٍ مرتفعة ظاهرياً، بل يجب
التركيز على تحقيق عوائدٍ حقيقيةٍ تحافظ على القوة الشرائية للمال عبر الزمن. فالتخطيط الاستراتيجيّ، والبحث الدقيق، والتكيّف مع الظروف الاقتصادية المتغيرة، هي أسرار النجاح في عالم الاستثمار المعقد.