recent
أخبار ساخنة

**صيام يوم في سبيل الله: دراسة في الفضل والأجر والثمرات**

 

**صيام يوم في سبيل الله: دراسة في الفضل والأجر والثمرات**

 

تتجسد عظمة الشريعة الإسلامية في تشريعاتها التي تحث على فعل الخيرات والمسارعة إلى الطاعات، ومن بين هذه الطاعات الجليلة يبرز فضل الصيام، تلك العبادة التي تسمو بالروح وتزكي النفس.


**صيام يوم في سبيل الله: دراسة في الفضل والأجر والثمرات**
**صيام يوم في سبيل الله: دراسة في الفضل والأجر والثمرات**

 وتجعلها أقرب إلى الخالق جل وعلا. وقد وردت في السنة النبوية المطهرة أحاديث عديدة تبين فضل الصيام وأجره العظيم، ومن بين هذه الأحاديث ما يحث على صيام يوم في سبيل الله، وهو موضوع يستحق التفصيل والتأمل لاستجلاء معانيه العميقة والوقوف على مقاصده النبيلة.

 

**الحديث النبوي الشريف منطلق البحث والتأمل**

 

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"، وهذا الحديث النبوي الشريف يمثل جوهر موضوعنا، ومنه ننطلق في استكشاف جوانبه المختلفة.

  •  فالحديث يحمل في طياته وعدًا عظيمًا،
  • وجزاءً جزيلًا لمن صام يومًا واحدًا ابتغاء وجه الله
  • مبيناً أن هذا الصيام سبب في إبعاد العبد عن النار مسافة سبعين خريفًا
  •  وهو كناية عن البعد الشاسع والنجاة من العذاب المهين.

 

**تأويلات العلماء في مفهوم "سبيل الله":**

 

لقد تعددت أقوال العلماء في تفسير معنى "سبيل الله" الوارد في الحديث، ويمكن تلخيص هذه الأقوال في اتجاهين رئيسيين:

 

*   **الاتجاه الأول: سبيل الله بمعنى الجهاد في سبيل الله:** يذهب بعض العلماء، وعلى رأسهم أبو الطاهر الذهلي، إلى أن المقصود بصيام يوم في سبيل الله هو الصيام أثناء الجهاد في سبيل الله، وذلك لأن هذا المعنى هو المتبادر إلى الذهن من سياق الحديث، ولأنه يتوافق مع ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه من أن الحديث مختص بالصائم المرابط في سبيل الله. ويشترط أصحاب هذا الاتجاه ألا يكون الصيام مؤثراً في قدرة المجاهد على أداء مهامه المكلف بها، وألا يلحق به الضرر، أو يفوت حقًا لأحد. فالصوم هنا يكون قوة دافعة للمجاهد، ووسيلة لتحصيل الأجر، وبشارة بالنجاة من النار.

 

*   **الاتجاه الثاني: سبيل الله بمعنى كل عمل صالح يبتغي به وجه الله:** يرى جمهور العلماء أن المقصود بـ"سبيل الله" أعم من الجهاد، ويشمل كل عمل صالح يبتغي به العبد وجه الله تعالى، ويطلب به مرضاته، سواء كان هذا العمل جهادًا أو غيره، وسواء كان العبد مقيمًا أو مسافرًا. وهذا الاتجاه يرى أن الحديث يشمل كل من صام بنية خالصة لله، لا يبتغي به رياء ولا سمعة ولا مدحًا من الناس. فالمهم هنا هو إخلاص النية، وحسن القصد، وأن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى. وهذا القول هو الأرجح والأعم، وهو يتفق مع شمولية الإسلام ورحمته الواسعة.

 

**بيان فضل الصيام في سبيل الله وأجره:**

 

إن فضل صيام يوم في سبيل الله عظيم، وأجره جزيل، كما بينه الحديث النبوي الشريف. فقوله صلى الله عليه وسلم "بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" يدل على أن الله سبحانه وتعالى ينجي الصائم من النار، ويعافيه منها، ويجعله بعيدًا عنها. والمباعدة هنا ليست مجردبعد مكاني، بل هي بعد معنوي يتمثل في النجاة من العذاب، والفوز بالنعيم المقيم.

 

  1. وقد فسر العلماء المقصود بـ"سبعين خريفًا" 
  2. بأنها تعني سبعين عامًا، والخريف هو فصل من فصول السنة
  3.  وقد ذكر على سبيل المثال لا الحصر
  4. وذلك لأن الخريف هو أزكى الفصول وأجودها
  5. حيث يجني فيه المزارع ثمار زرعه.
  6.  ويقال أن الخريف هو زمن نضج الثمار وحصاد الزرع
  7. وسعة العيش. وذكر بعض العلماء أن الخريف هو الفصل 
  8. الذي يجمع بين حر الصيف وبرد الشتاء، فهو فصل معتدل ومناسب.

 

وفي رواية أخرى للحديث، ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ". وقد جمع العلماء بين هاتين الروايتين بأن الأولى فيمن صام تطوعًا لله، والأخرى فيمن صام واجبًا. وفي رواية ثالثة، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ". وهذا الحديث يؤكد عظم أجر الصيام في سبيل الله، وأن الله تعالى يجعل بين الصائم والنار حاجزًا منيعًا.

 

**فضائل صيام التطوع وأثره على الفرد والمجتمع:**

 

بالإضافة إلى ما ورد في فضل صيام يوم في سبيل الله، فإن لصيام التطوع بشكل عام فضائل عظيمة وأثراً بالغاً على الفرد والمجتمع، ومن هذه الفضائل:

 

1.  **الوقاية من النار:** الصيام وقاية من النار، وحماية من غضب الجبار، فهو حصن منيع يحفظ العبد من الوقوع في المعاصي والآثام، ويقيه من عذاب جهنم. فالصائم يمتنع عن الطعام والشراب والشهوات، ويكبح جماح نفسه، ويقوي إرادته، فيكون بذلك أبعد ما يكون عن النار.

 

2.  **التقرب إلى الله:** الصيام من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، وهو من الأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى ويرضاها. فالله تعالى قد أضاف الصوم إلى نفسه تشريفًا وتعظيمًا، فقال في الحديث القدسي: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ". وهذا يدل على عظم مكانة الصيام عند الله، وأنه من العبادات التي لا يعلم قدر ثوابها إلا هو سبحانه وتعالى.

 

3.  **تكفير الذنوب والخطايا:** الصيام سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، قال تعالى: "وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا". فالصيام يطهر العبد من الذنوب، ويصفي قلبه من الأدران، ويجعله أقرب إلى الله.

 

4.  **الشفاعة يوم القيامة:** يشفع الصيام للعبد يوم القيامة، كما يشفع القرآن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فالصيام والقرآن هما رفيقان للعبد في الدنيا والآخرة، وهما يعينانه على الفوز بالجنة والنجاة من النار.

 

5.  **دخول الجنة:** الصيام سبب لدخول الجنة، وقد جعل الله تعالى للصائمين بابًا خاصًا في الجنة لا يدخل منه إلا هم، وهو باب الريان، وجعل لهم فيها غرفًا خاصة. فالصيام طريق إلى الجنة، ووسيلة للفوز بالنعيم المقيم.

 

6.  **تطهير القلب:** الصيام يطهر القلب من الغل والحقد والحسد والوساوس الشيطانية، ويجعله أكثر صفاءً ونقاءً، فالصائم يكون أكثر هدوءًا وسكينة، وأقل غضبًا وانفعالًا.

 

7.  **الفرح والسعادة:** للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ففرحة الفطر هي فرحة طبيعية، يشعر بها الصائم بعد صيام يوم كامل، أما فرحة لقاء الله فهي فرحة عظيمة، يشعر بها الصائم عند رؤية جزاء صومه.

 

8.  **استجابة الدعاء:** للصائم دعوة لا ترد، فالصائم أقرب ما يكون إلى الله تعالى، وأرجى لإجابة دعائه، قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم".

 

الختام 

 يتضح لنا عظمة فضل صيام يوم في سبيل الله، وأنه عبادة جليلة الأثر، عظيمة الأجر، سواء كان الصيام في الجهاد أو في أي عمل صالح آخر يبتغي به العبد وجه الله. فمن صام يومًا واحدًا بنية خالصة لله، فقد نال حظًا عظيمًا من الفضل، وحاز على جزاء جزيل، وأصبح قريبًا من ربه، بعيدًا عن ناره. فلنحرص على هذه العبادة العظيمة، ولنجعلها جزءًا من حياتنا، لنفوز بفضلها وننعم بخيرها في الدنيا والآخرة.


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent