## الهبوط الكارثي: حين تُفسد النهايات أفلاماً رائعة
تُعدّ النهايات السينمائية بمثابة الهبوط الأخير
للطائرة؛ فمهما كانت الرحلة سلسة وممتعة، يمكن لهبوط سيء أن يطمس جمال التجربة
بأكملها ويترك انطباعاً سلبياً دائماً. في عالم السينما، حيث يُستثمر الوقت والعاطفة في متابعة قصص وشخصيات تتطور على مدى ساعة أو ساعتين، تصبح اللحظات
الأخيرة حاسمة بشكل لا يصدق.
![]() |
## الهبوط الكارثي: حين تُفسد النهايات أفلاماً رائعة |
إنها الفرصة الأخيرة للمخرج
لربط الخيوط، وتقديم الخاتمة المنطقية أو المفاجئة، وترك المشاهد بشعور بالرضا أو
التأمل أو حتى الصدمة المدروسة. لكن، ويا للأسف، تاريخ السينما حافل بأمثلة لأفلام
بدأت ببراعة، أسرت الجماهير بحبكتها المتقنة وشخصياتها العميقة وأجوائها المشوقة،
لتتعثر في أمتارها الأخيرة بنهاية مخيبة للآمال، أو غير منطقية، أو مبتذلة، أو حتى
مسيئة للعمل ككل.
هذه النهايات المفسدة
حيث يبدو وكأن صانعي الفيلم استنفدوا أفكارهم قبل الوصول إلى خط النهاية. وفي أحيان أخرى، تكون المشكلة في "تحوّل مفاجئ" (Plot Twist) يُفترض به أن يكون ذكياً، لكنه يأتي مفتعلاً أو غير مبرر، فيُبدد كل التشويق والمنطق الذي بُني سابقاً. وقد يكون السبب خطأ في تقدير استقبال الجمهور، كاختيار نهاية سوداوية بشكل مفرط في فيلم كان يتجه نحو الإلهام.
- أو العكس. بل إن عوامل خارجية قد تتدخل أحياناً، كما حدث مع النسخة الصينية من فيلم "Fight
- Club" التي شهدت تدخلاً رقابياً أزال النهاية الأصلية الفوضوية واستبدلها بنص يضمن "انتصار
- السلطات"، مما أفقد الفيلم رسالته الأصلية تماماً.
- فيما يلي، نستعرض مجموعة من الأفلام التي تُعتبر أمثلة بارزة على هذه الظاهرة، أفلام كانت تسير
- بثبات نحو مرتبة "الكلاسيكيات" أو على الأقل "الأعمال الجيدة جداً"، لولا أن نهاياتها ألقت بظلال
- قاتمة
على إرثها:
.jpeg)
1. **
أمضى
الفيلم معظم وقته في بناء جو خانق ومثير للريبة داخل ملجأ تحت الأرض، معتمداً على
الحرب النفسية بين شخصياته الثلاث (جون غودمان، ماري إليزابيث وينستيد، جون غالاغر
جونيور). الشكوك تحوم حول ادعاءات غودمان بوجود هجوم خارجي. لكن في الدقائق
الأخيرة، تخرج البطلة لتكتشف أن "الغزو الفضائي" حقيقي بالفعل، وينقلب
الفيلم فجأة إلى فيلم أكشن ومواجهة مع كائنات فضائية. هذا التحول المفاجئ في النوع
والوتيرة بدد بشكل كبير التوتر النفسي الذي تم بناؤه ببراعة لساعة ونصف، وشعر
كثيرون أنه نهاية غير متجانسة مع روح الفيلم الأساسية.
2. **Baby Driver (بيبي السائق) - 2017:**
تميز
فيلم إدغار رايت بإيقاعه الموسيقي المبتكر ومطاردات السيارات المصممة ببراعة. النصف
الأول والثاني من الفيلم كانا بمثابة سيمفونية بصرية وسمعية ممتعة. لكن الفصل
الأخير، الذي يتضمن المواجهة النهائية مع شخصية جون هام، يتحول إلى "ميلودراما
أكشن" تفتقر إلى الخفة والذكاء اللذين طبعا الأجزاء السابقة. النهاية تبدو
تقليدية ومبالغاً فيها مقارنة بابتكارية الفيلم، وكأن المحرك الإبداعي قد تعطل
فجأة.
3. **Bad Times at the El Royale (أوقات عصيبة في إل رويال) - 2018:**
بدأ
الفيلم كقصة غامضة ومثيرة تجمع شخصيات متنوعة في فندق حدودي مهجور، مع إيقاع يشبه
أفلام تارانتينو المبكرة. الأجواء كانت مشحونة والغموض يتصاعد. لكن مع دخول شخصية
كريس هيمسوورث، زعيم الطائفة الدينية، في الجزء الأخير، يفقد الفيلم تماسكه ويتحول
إلى فوضى عنيفة ومطولة تفتقر إلى التشويق الذكي الذي ميز بدايته، لتصبح النهاية
مملة ومبالغاً فيها.
4. **Fight Club (نادي القتال) - 1999 (النسخة الصينية):**
النهاية
الأصلية للفيلم أيقونية: الراوي (إدوارد نورتون) ومارلا (هيلينا بونهام كارتر) يراقبان
تفجير المباني التي تضم سجلات الائتمان. لكن في الصين، تم استبدال هذا المشهد بنص
يظهر على الشاشة يفيد بأن الشرطة كشفت المخطط واعتقلت الجميع ومنعت الانفجارات. هذه
النهاية المفروضة لا تدمر فقط الرسالة الفوضوية للفيلم، بل تحوله إلى قصة انتصار
للسلطة، وهو نقيض تام لروح العمل الأصلي.
.jpeg)
5. **Happiest Season (أسعد موسم) - 2020:**
فيلم
كوميدي رومانسي عن علاقة مثلية خلال عطلة عيد الميلاد. طوال الفيلم، كان هناك
انسجام واضح وتوتر جذاب بين شخصية آبي (كريستين ستيوارت) وشخصية رايلي (أوبري
بلازا)، بينما كانت علاقة آبي بشريكتها هاربر (ماكنزي ديفيس) تبدو متوترة وسامة
أحياناً بسبب عدم قدرة هاربر على الإفصاح عن علاقتهما لعائلتها المحافظة. قرار آبي
في النهاية بالعودة إلى هاربر، رغم كل الإشارات السلبية، بدا للكثيرين غير مقنع
ومخيباً للآمال، خاصةً بالمقارنة مع الكيمياء الواعدة مع رايلي.
6. **Indiana Jones and the
Kingdom of the Crystal Skull (إنديانا جونز ومملكة
الجمجمة الكريستالية) - 2008:**
رغم
الانتقادات التي طالت بعض المشاهد (مثل مشهد الثلاجة الشهير)، احتفظ الفيلم بجزء
كبير من روح المغامرة الكلاسيكية لسلسلة إنديانا جونز. لكن الذروة التي تتضمن
تفعيل مركبة فضائية وكشف كائنات فضائية ذات جماجم كريستالية، دفعت الفيلم بعيداً
جداً في منطقة الخيال العلمي الصرف، وبطريقة اعتبرها الكثيرون سخيفة وغير متناغمة
حتى مع العناصر الخارقة للطبيعة (الدينية/السحرية) في الأجزاء السابقة. النهاية
بدت كأنها من فيلم مختلف تماماً.
7. **The Lord of the Rings: Return
of the King (سيد الخواتم: عودة الملك) - 2003:**
رغم
كونه ختاماً ملحمياً لواحدة من أعظم الثلاثيات السينمائية، يعاني الفيلم من مشكلة "النهايات
المتعددة". بعد المعركة النهائية وتدمير الخاتم، يستمر الفيلم في تقديم مشاهد
ختامية متتالية: التتويج، العودة إلى شاير، وداع فرودو. كل مشهد يبدو وكأنه
النهاية، لكن الفيلم يستمر، مما أدى إلى شعور بالإطالة المفرطة والإرهاق لدى بعض
المشاهدين، وجعل الوداع الأخير أقل تأثيراً بسبب التكرار.
8. **The Magnificent Ambersons (آل أمبرسون الرائعون) - 1942:**
تعتبر
النسخة الأصلية المفقودة لأورسون ويلز تحفة فنية لا تقل عن "المواطن كين".
لكن تدخل الاستوديو وفرض نهاية سعيدة ومختصرة على الفيلم بعد أداء ضعيف في العروض
التجريبية أدى إلى تشويه رؤية المخرج. النسخة المتاحة حالياً لا تزال تحمل بصمات
عبقرية ويلز، لكن النهاية المفروضة تبدو مبتورة وغير متسقة، تاركةً إحساساً دائماً
بما كان يمكن أن يكون عليه الفيلم.
.jpeg)
9. **Now You See Me (الآن تراني) - 2013:**
فيلم
إثارة وتشويق حول مجموعة من السحرة الذين ينفذون عمليات سرقة كبرى. بنى الفيلم
جواً من الغموض حول كيفية تنفيذ خدعهم المستحيلة. لكن الكشف النهائي عن أن العقل
المدبر هو عميل الـ
FBI الذي كان يطاردهم (مارك رافالو)، وأن هناك
منظمة سحرية سرية حقيقية ("العين")، بدا للكثيرين حلاً سهلاً وغير
مُرضٍ، يقوض المنطق الداخلي للفيلم ويحول الألاعيب الذكية إلى مجرد "سحر
حقيقي".
10. **Pay It Forward (إسداء الخدمات) - 2000:**
فيلم
درامي يهدف إلى الإلهام، حول فكرة طفل (هالي جويل أوزمنت) يبدأ سلسلة من الأفعال
الطيبة. طوال الفيلم، تتصاعد المشاعر الإيجابية والأمل في التغيير. لكن النهاية
تأتي صادمة ومفاجئة بشكل مفرط، حيث يُقتل الطفل أثناء محاولته للدفاع عن زميل له. هذه
النهاية السوداوية والمأساوية بدت متناقضة تماماً مع رسالة الفيلم، وتركت
المشاهدين بشعور بالصدمة والخيانة بدلاً من الإلهام.
11. **Psycho (سايكو) - 1960:**
تحفة
ألفريد هيتشكوك لا تزال مرعبة ومؤثرة. الكشف عن أن نورمان بيتس هو القاتل متنكراً
بزي والدته هو لحظة سينمائية أيقونية. لكن المشهد الذي يليه مباشرة، حيث يقوم طبيب
نفسي بتقديم شرح مطول ومباشر للحالة النفسية لنورمان، يُعتبر غالباً نقطة ضعف. هذا
الإفراط في التفسير (Exposition)
يقلل من قوة الغموض والتأثير النفسي الذي بناه الفيلم
ببراعة، ويبدو كأنه إضافة غير ضرورية لجمهور ربما فضل استنتاج الأمور بنفسه.
12. **Remember Me (تذكرني) - 2010:**
دراما
رومانسية من بطولة روبرت باتينسون، كانت تسير بشكل جيد كقصة عن الحب والفقدان
والتصالح مع الماضي. لكن النهاية كشفت أن شخصية باتينسون كانت في مكتب والدها في
مركز التجارة العالمي صباح يوم 11 سبتمبر 2001، لحظة وقوع الهجمات الإرهابية. هذا
الربط المفاجئ والمأساوي بحدث تاريخي حقيقي اعتُبر مستغلاً عاطفياً بشكل فج وغير
لائق، وحوّل الفيلم من دراما شخصية إلى مادة للسخرية والنقد اللاذع.
13. **Spectre (طيف) - 2015:**
بعد
النجاح الهائل لـ "Skyfall"، كانت التوقعات
عالية لعودة سام مينديز لإخراج فيلم بوند آخر. بدأ الفيلم بمشهد افتتاحي مذهل في
المكسيك. لكن بمجرد الكشف عن أن بلوفيلد (كريستوف فالتز) هو الأخ غير الشقيق لبوند
وأن كل أشرار حقبة دانيال كريغ كانوا يعملون لصالحه، بدأت الحبكة تتداعى. النهاية
التي تتضمن مواجهة في مقر مهجور ومحاولة بوند إنقاذ مادلين سوان بدت باهتة،
متوقعة، ومخيبة للآمال مقارنة بالصراعات النفسية العميقة في الفيلم السابق.
14. **
عودة
قوية لإم نايت شيامالان إلى أفلام الإثارة النفسية، مع أداء مذهل لجيمس مكافوي الذي
يجسد شخصاً لديه 23 شخصية مختلفة. التوتر يتصاعد مع التلميح بظهور شخصية خارقة
تُعرف بـ "الوحش". لكن عندما يظهر "الوحش"، يتضح أنه ليس مجرد
شخصية أخرى، بل كائن خارق للطبيعة بالفعل، قادر على تسلق الجدران ومقاومة الرصاص. ثم
تأتي المفاجأة الأكبر في المشهد الأخير: الفيلم هو في الواقع جزء ثانٍ سري لفيلم
شيامالان "Unbreakable"
(غير قابل للكسر). هذا التحول المفاجئ نحو الخوارق
والربط بعالم سينمائي آخر، رغم كونه مفاجئاً، إلا أنه غيّر طبيعة الفيلم بالكامل
وأضعف التركيز النفسي الذي كان نقطة قوته.
15. **Sunshine (شروق الشمس) - 2007:**
فيلم
خيال علمي فلسفي وذكي لداني بويل، يتبع طاقم مركبة فضائية في مهمة لإعادة إشعال
الشمس المحتضرة. معظم الفيلم عبارة عن دراما نفسية متوترة حول العزلة والتضحية
والضغوط الهائلة. لكن في الثلث الأخير، يتحول الفيلم فجأة إلى فيلم رعب دموي (Slasher) مع ظهور
قائد مهمة سابقة مشوه ومجنون يطارد الطاقم. هذا التغيير الحاد في النوع والنبرة
اعتُبر غير متجانس ومُقحماً، وأضعف الجوانب الفلسفية والدرامية التي بنتها القصة
بعناية.
16. **The Village (القرية) - 2004:**
مثال
آخر على "لعنة النهاية" في أفلام إم نايت شيامالان. الفيلم يقدم نفسه
كدراما تاريخية تدور أحداثها في مجتمع معزول في القرن التاسع عشر، يعيش في خوف من
مخلوقات تسكن الغابة المجاورة. التحول الكبير في النهاية يكشف أن "القرية"
ليست تاريخية، بل هي محمية معاصرة أُنشئت في العصر الحديث بواسطة أشخاص قرروا
الانعزال عن العالم الخارجي، وأن "المخلوقات" هي مجرد خدعة للحفاظ على
السكان داخل الحدود. هذه النهاية، التي رآها الكثيرون سخيفة وغير منطقية، قوضت
الدراما والمصداقية التي حاول الفيلم بناءها.
17. **The World’s End (نهاية العالم) - 2013:**
الفيلم
الثالث والأخير في ثلاثية "كورنيتو" لإدغار رايت (بعد Shaun of the Dead و Hot Fuzz). يجمع الفيلم بين الكوميديا والخيال العلمي والمشاعر الإنسانية
حول مجموعة أصدقاء يحاولون إكمال جولة أسطورية في حانات مسقط رأسهم، ليكتشفوا أن
البلدة قد تم استبدال سكانها بنسخ آلية فضائية. الفيلم كان مضحكاً ومليئاً بالأكشن
الذكي حتى المواجهة النهائية مع "الشبكة"، الكيان الفضائي المسؤول. الحوارات
الطويلة والمحاولة الفلسفية لشرح دوافع الفضائيين أدت إلى تباطؤ كبير في الإيقاع
وفقدان للزخم الكوميدي والأكشن الذي كان يميز الفيلم، مما جعل النهاية تبدو
مُطوّلة وغير مُرضية مقارنة ببقية العمل.
في الختام،
فيلم رائع بنهاية سيئة يشبه وجبة
فاخرة تُقدم مع حلوى فاسدة؛ الطعم المر الأخير قد يطغى على كل ما سبقه. هذه
الأمثلة تذكرنا بأن فن صناعة الأفلام لا يقتصر فقط على البدايات الجذابة والمنتصف
المشوق، بل يتطلب أيضاً براعة خاصة في الهبوط الأخير، تلك اللحظات الحاسمة التي
تختتم الرحلة وتحدد إرث الفيلم في أذهان جمهوره.
أسبلة واجوبة
.jpeg)