جواز المخرجة ايناس الدغيدى من الاعلامية هالة سرحان

 

**أرسنال أمام معضلة دفاعية حرجة: شبح 2006 يلوح في الأفق قبل مواجهة ريال مدريد المرتقبة**

 

في عالم كرة القدم، حيث تتغير المعطيات بسرعة وتُصنع اللحظات الحاسمة في أجزاء من الثانية، يجد نادي أرسنال الإنجليزي نفسه أمام اختبار هو الأصعب ربما هذا الموسم، وربما في مسيرة مدربه الطموح ميكيل أرتيتا حتى الآن. ففي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو المواجهة المرتقبة ضد عملاق أوروبا، ريال مدريد، في قمة نارية ضمن منافسات دوري أبطال أوروبا.

**أرسنال أمام معضلة دفاعية حرجة: شبح 2006 يلوح في الأفق قبل مواجهة ريال مدريد المرتقبة**

 تلقى الفريق اللندني ضربة موجعة بإصابة قلب دفاعه البرازيلي الصلب، غابرييل ماغالهايس. هذه الإصابة لا تمثل مجرد غياب لاعب، بل هي بمثابة زلزال يهدد استقرار المنظومة الدفاعية التي بنى عليها أرتيتا جزءاً كبيراً من نجاحات فريقه هذا الموسم، وتفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة وحلول تكتيكية غير تقليدية.

 

**صدى الماضي عندما قهر فينغر الـ"غالاكتيكوس" بدفاع مؤقت**

 

المفارقة تكمن في أن هذا التحدي الراهن يعيد إلى الأذهان ذكريات مواجهة تاريخية أخرى بين الفريقين في عام 2006. 

في ذلك الوقت، كان أرسنال تحت قيادة الأسطورة أرسين فينغر، وواجه فريق ريال مدريد المدجج بنجوم الـ"غالاكتيكوس" في أوج تألقهم – رونالدو نازاريو، زين الدين زيدان، راؤول غونزاليس، روبينيو، ديفيد بيكهام، روبرتو كارلوس، وحتى توماس غرافيسن الذي بدا كجسم غريب وسط تلك الكوكبة. لم يكن أرسنال في أفضل أحواله الدفاعية آنذاك، حيث عانى من غياب ركائز أساسية مثل سول كامبل وأشلي كول بسبب الإصابة.

 

• ومع ذلك، نجح فينغر في نسج خطة دفاعية محكمة، معتمداً على أسماء لم تكن الخيار الأول في
•  الظروف الطبيعية. إيمانويل إيبوي شغل مركز الظهير الأيمن، بينما شكل كولو توريه وفيليب
•  سينديروس ثنائياً غير متوقع في قلب الدفاع، ولعب لاعب الوسط المقاتل ماتيو فلاميني دوراً
•  اضطرارياً كظهير أيسر. النتيجة كانت مذهلة: أرسنال لم يكتفِ بإيقاف مد ريال مدريد الهجومي، بل
•  حافظ على شباكه نظيفة في مباراتي الذهاب والإياب (فوز 1-0 في مدريد وتعادل 0-0 في لندن)،

 ليقصي الفريق الملكي ويتأهل إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى والوحيدة في تاريخه. هذا الإنجاز التاريخي، الذي بُني على صلابة دفاعية غير متوقعة في ظل غيابات مؤثرة، يضع معياراً صعباً ولكنه ملهم لأرتيتا وفريقه الحالي.

 

**الأزمة الحالية غياب غابرييل وثغرة في القلب الأيسر**

 

بالعودة إلى الحاضر، يمثل غياب غابرييل ماغالهايس مشكلة متعددة الأوجه لأرتيتا. اللاعب البرازيلي ليس مجرد قلب دفاع قوي بدنياً وجيد في الكرات الهوائية، بل هو أيضاً اللاعب الأساسي الذي يلعب بقدمه اليسرى في قلب الدفاع.

 مما يوفر توازناً حيوياً في عملية بناء اللعب من الخلف ويشكل شراكة متفاهمة للغاية مع الفرنسي ويليام ساليبا. هذا الثنائي كان حجر الزاوية في السجل الدفاعي المميز لأرسنال هذا الموسم، سواء في الدوري الإنجليزي الممتاز أو في دوري أبطال أوروبا، حيث يُعتبر دفاع "المدفعجية" من الأفضل في القارة العجوز، بل الأفضل إحصائياً وفقاً لمؤشر الأهداف المتوقعة المستقبلة (xGA).

 

ما يزيد الطين بلة هو أن البديل الطبيعي والمنطقي لغابرييل، الإيطالي ريكاردو كالافيوري، الذي تألق

 بشكل لافت في الدوري الإيطالي الموسم الماضي ومع منتخب بلاده في يورو 2024، والذي تم

 التعاقد معه ليكون دعماً استراتيجياً لهذا المركز تحديداً، يعاني هو الآخر من الإصابة. هذا الغياب

 المزدوج يضع أرتيتا في موقف لا يُحسد عليه، مجبراً إياه على البحث عن حلول بديلة قد تكون أقل

 مثالية وتتطلب قدراً كبيراً من الابتكار التكتيكي والمخاطرة المحسوبة.

 

**خيارات أرتيتا بين المتاح والمغامرة**

 

صرح أرتيتا بثقة حذرة: "لدينا بدائل". ولكن هذه البدائل تحمل في طياتها تحديات ونقاط ضعف محتملة. نستعرض هنا أبرز ثلاثة حلول مطروحة على طاولة المدرب الإسباني:

 

1.  **ياكوب كيويور: الخيار الطبيعي المفتقر للخبرة؟**

    البولندي كيويور هو قلب دفاع يلعب بالقدم اليسرى، مما يجعله الخيار الأكثر شبهاً بغابرييل من حيث التمركز الطبيعي. ومع ذلك، يفتقر كيويور للخبرة في المباريات الكبيرة وعالية الضغط. مشاركاته الأساسية هذا الموسم كانت محدودة، ولم يبدأ أي مباراة ضد فرق القمة في الدوري الإنجليزي. وفي دوري الأبطال، كانت مشاركاته الأساسية ضد فرق أقل قوة نسبياً أو في مباريات كانت نتيجتها شبه محسومة. أداؤه الجيد ضد إيفرتون في المباراة الأخيرة قد يمنحه بعض الثقة، لكن مواجهة مهاجم مثل بيتو تختلف كلياً عن التحدي الهائل المتمثل في رقابة كيليان مبابي أو التعامل مع سرعة ومهارة فينيسيوس جونيور ورودريغو. الدفع بكيويور قد يكون الخيار "الآمن" من حيث التمركز، لكنه يحمل مخاطرة كبيرة تتعلق بقدرته على الصمود تحت الضغط الهائل لهجوم ريال مدريد.

 

2.  **بن وايت: العودة إلى القلب أم البقاء في الرواق؟**

    الإنجليزي بن وايت قضى العامين ونصف العام الماضيين كظهير أيمن متألق، لكن بداياته مع أرسنال كانت كقلب دفاع في موسم 2021-2022. نقله إلى قلب الدفاع قد يبدو حلاً أنيقاً على الورق نظراً لخبرته وجودته، لكن هناك عقبتان رئيسيتان: أولاً، معظم خبرته كقلب دفاع كانت في الجانب الأيمن بجوار غابرييل، وليس في الجانب الأيسر محل البرازيلي. هذا التغيير قد يؤثر على توازنه وتفاهمه مع ساليبا. ثانياً، لم يبدأ وايت سوى مباراتين منذ نوفمبر 2024، ولم يكمل 90 دقيقة في أي منهما، مما يثير تساؤلات حول جاهزيته البدنية والذهنية لدور مركزي يتطلب تركيزاً كاملاً طوال المباراة. نقل وايت إلى القلب سيعني أيضاً الحاجة لإيجاد بديل كفء في مركز الظهير الأيمن، مما قد يفتح ثغرة أخرى.

 

3.  **يورين تيمبر: المرونة التكتيكية أم مواجهة فينيسيوس المباشرة؟**

    الهولندي تيمبر، الذي عاد مؤخراً من إصابة طويلة، يمثل خياراً مثيراً للاهتمام بفضل مرونته التكتيكية الكبيرة وقدرته على اللعب في أكثر من مركز دفاعي. رغم أن أرتيتا استخدمه كظهير بشكل شبه حصري، إلا أن تيمبر لعب كقلب دفاع مع أياكس. يتمتع اللاعب بلياقة بدنية جيدة بعد مشاركته كبديل مؤخراً، وهو متكيف مع أسلوب لعب الفريق. الدفع به كقلب دفاع أيسر قد يكون حلاً مبتكراً، لكنه يضع تحدياً مباشراً أمامه: مواجهة الجناح البرازيلي الطائر فينيسيوس جونيور، الذي ينشط غالباً في تلك الجهة. هل يمتلك تيمبر القدرة الدفاعية والسرعة اللازمة لكبح جماح أحد أخطر لاعبي العالم في هذا المركز؟ هذا هو السؤال الجوهري الذي يجب على أرتيتا الإجابة عليه. قد يكون تيمبر هو الحل الأكثر جرأة، لكنه أيضاً ينطوي على مخاطرة تكتيكية كبيرة.

 

**التحدي الأكبر الحفاظ على الحصن الدفاعي أمام طوفان مدريد**

 

نجح أرسنال هذا الموسم في بناء سمعة دفاعية قوية في دوري أبطال أوروبا.

 الفريق استقبل عدداً قليلاً جداً من الأهداف، ويعود الفضل في ذلك بشكل كبير إلى الانسجام والتفاهم بين غابرييل وساليبا. الآن، ومع كسر هذا الثنائي، يواجه أرتيتا تحدياً مزدوجاً: ليس فقط إيجاد البديل المناسب، بل أيضاً ضمان استمرار الصلابة الدفاعية للفريق كوحدة واحدة أمام خصم لا يرحم مثل ريال مدريد.

 

1. الفريق الملكي، بقيادة كارلو أنشيلوتي، يمتلك ترسانة هجومية مرعبة تتمثل في سرعة وفتك كيليان
2.  مبابي، مهارة وقدرة فينيسيوس جونيور ورودريغو على الاختراق، بالإضافة إلى القوة البدنية والقدرة
3.  التهديفية لجود بيلينغهام القادم من الخلف. هذا التنوع الهجومي يتطلب دفاعاً يقظاً ومنظماً وقادراً على
4.  التعامل مع مختلف أنواع التهديدات.

 

**الخلاصة لحظة الحقيقة لأرتيتا وأرسنال**

 

المواجهة ضد ريال مدريد ليست مجرد مباراة في دوري أبطال أوروبا

 بل هي اختبار حقيقي لعمق تشكيلة أرسنال، ولقدرة ميكيل أرتيتا على إيجاد الحلول التكتيكية تحت الضغط وفي ظل الظروف الصعبة. كما فعل فينغر في 2006، يحتاج أرتيتا الآن إلى لمسة من الإلهام والشجاعة لاتخاذ القرار الدفاعي الصحيح. هل سيعتمد على التخصص مع كيويور، أم على الخبرة مع تغيير مركز وايت، أم على المرونة والمغامرة مع تيمبر؟

 

القرار الذي سيتخذه أرتيتا لن يحدد فقط ملامح خط دفاع أرسنال في هذه المواجهة الحاسمة، بل قد يكون له تأثير مباشر على مصير موسم الفريق بأكمله في البطولة الأغلى للأندية الأوروبية. الأيام القليلة القادمة ستحمل الكثير من التفكير والتحليل في معسكر "المدفعجية"، بينما يترقب عشاق كرة القدم كيف سيتعامل المهندس الإسباني مع هذه المعضلة الدفاعية المعقدة في مواجهة العملاق المدريدي.