## ثورة إنريكي الصامتة: كيف أعاد المدرب الإسباني تعريف هوية باريس سان جيرمان؟
لطالما ارتبط اسم نادي باريس سان جيرمان
الفرنسي، خلال العقد الأخير على الأقل، بسياسة النجوم اللامعة والتعاقدات المدوية
التي تهدف إلى جمع كوكبة من ألمع المواهب العالمية. من زلاتان إبراهيموفيتش مروراً
بنيمار دا سيلفا وليونيل ميسي، وصولاً إلى كيليان مبابي، كان النادي الباريسي
مرادفاً للبذخ الكروي والاعتماد على اللحظات الفردية الخارقة. لكن، ومع قدوم
المدرب الإسباني لويس إنريكي، بدأت رياح التغيير تهب بهدوء ولكن بثبات، معلنةً عن
ثورة صامتة تعيد تشكيل هوية الفريق من الأعماق، وتضع الجماعية والانضباط التكتيكي
فوق أي اعتبار فردي.
![]() |
## ثورة إنريكي الصامتة: كيف أعاد المدرب الإسباني تعريف هوية باريس سان جيرمان؟ |
تولى المسؤولية
منذ توليه المسؤولية الفنية، وضع إنريكي، المعروف بفلسفته الكروية الواضحة وصراحته التي لا تعرف المجاملة،
حجر الأساس لمشروعه: "لا لاعب أكبر من الفريق". هذا الشعار، الذي قد يبدو بديهياً
في عالم كرة القدم، اكتسب في باريس سان جيرمان بعداً خاصاً نظراً لتاريخ النادي
الحديث. ففي مدينة الأنوار، حيث اعتاد الجمهور على الأضواء المسلطة على النجم
الأوحد، جاء إنريكي ليطفئ هذه الأضواء الفردية ويشعل بدلاً منها نور العمل الجماعي
المنظم.
- لم تخلُ البدايات من تحديات وشكوك. فالعروض الباهتة في المراحل الأولى من دوري أبطال أوروبا
- على سبيل المثال، أثارت تساؤلات حول مدى قدرة فلسفة إنريكي على النجاح في بيئة اعتادت على
- حلول فردية. بل إن المدرب الإسباني نفسه رد بسخرية على تساؤلات حول خططه في البطولة
- القارية قائلاً: "لا يمكنكم أن تفهموا". لكن مع مرور الأشهر، بدأت بصمات "اللوتشو" تتضح
- وتحول الفريق تدريجياً إلى وحدة متماسكة، تتمتع بصلابة دفاعية وقدرة على الضغط العالي المنظم
- فضلاً عن بناء اللعب من الخلف بشكل مدروس.
بصمة إنريكى
تكتيكياً، تجلت بصمة إنريكي في عدة جوانب. أولاً، التركيز المطلق على الضغط الجماعي واستعادة الكرة في مناطق متقدمة من الملعب، وهو ما يتطلب لياقة بدنية عالية والتزاماً تكتيكياً من جميع اللاعبين. ثانياً، الحفاظ على توازن دقيق بين الشقين الهجومي والدفاعي، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.
- هذا التحول كان واضحاً بشكل خاص في خط الوسط، الذي كان يُعتبر في بعض الفترات نقطة ضعف
- نسبية، ليصبح تحت قيادة إنريكي محركاً رئيسياً للفريق، قادراً على السيطرة وفرض الإيقاع حتى
- أمام أقوى الخصوم الأوروبية.
التزام إنريكى
إن التزام إنريكي الراسخ بالأداء الجماعي لم يقتصر على الجانب التكتيكي فحسب، بل امتد ليشمل تحولاً ثقافياً أوسع داخل أروقة النادي. فسياسة الاعتماد المفرط على النجوم المستقطبين بمبالغ طائلة، والتي ميزت حقبة الملكية القطرية، بدأت تفسح المجال تدريجياً لنظام يُحدد فيه دور كل لاعب بوضوح ضمن إطار خططي شامل.
- صحيح أن أسماء مثل إبراهيموفيتش ونيمار وميسي قدمت لحظات لا تُنسى لجماهير "حديقة
- الأمراء"، لكن يبدو أن عصر الفريق الذي يعتمد على عبقرية نجم واحد قد ولى بلا رجعة تحت قيادة
- المدرب الإسباني.
.jpeg)
واللافت أن إنريكي لم يكن يخفي رؤيته هذه. ففي تصريحات صحفية متعددة خلال الموسم الماضي، ألمح بوضوح إلى أن تركيزه منصب على بناء فريق للمستقبل، وأن النتائج الفورية قد لا تكون هي الأولوية القصوى في البداية.
هذه النظرة بعيدة المدى بدأت تؤتي ثمارها الآن، حيث وجد باريس سان جيرمان نفسه منافساً قوياً على كافة الجبهات، مقدماً مستويات لافتة في دوري أبطال أوروبا، ومظهراً نضجاً تكتيكياً وقوة جماعية افتقدها في مراحل سابقة رغم وفرة النجوم.
النهج الجماعى
من المفارقات المثيرة للاهتمام أنه من رحم هذا النهج الجماعي الصارم، الذي يقلل من أهمية الفرد لصالح المجموعة، برزت أسماء استعادت بريقها أو اكتشفت إمكانيات جديدة. ولعل أبرز مثال على ذلك هو الجناح الفرنسي عثمان ديمبلي، الذي بدا وكأنه ولد من جديد تحت قيادة إنريكي. فبعد فترات متذبذبة في برشلونة،
- وجد ديمبلي في نظام إنريكي القائم على العمل الجماعي والانضباط التكتيكي، البيئة المثالية لإطلاق
- العنان لموهبته الفذة، ليتحول إلى أحد أخطر أسلحة الفريق الباريسي، بل ومنافساً محتملاً على
- الجوائز الفردية الكبرى.
الختام
إنها ثورة هادئة، لكنها عميقة الأثر. لويس إنريكي لا يسعى فقط لتحقيق الانتصارات، بل لإرساء ثقافة كروية جديدة في باريس سان جيرمان. ثقافة تعلي من شأن الفريق، وتؤمن بأن القوة الحقيقية تكمن في التناغم والانسجام بين جميع العناصر.
وليس في بريق نجم واحد مهما علا شأنه. ومع كل مباراة
تمر، يثبت المدرب الإسباني أن رؤيته ليست مجرد شعارات، بل هي واقع يتشكل، مغيرًا
وجه باريس سان جيرمان ليصبح فريقًا أكثر صلابة، وأكثر جماعية، وربما أكثر قدرة على
تحقيق الحلم الأوروبي المنشود.
