recent
أخبار ساخنة

## بينوش وفاينز: رحلة "العودة" بين أسطورة "الأوديسة" وهواجس الإنسان المعاصر

الصفحة الرئيسية
الحجم
محتويات المقال

 

## بينوش وفاينز: رحلة "العودة" بين أسطورة "الأوديسة" وهواجس الإنسان المعاصر

 

بعد غياب دام قرابة ثلاثة عقود منذ تعاونهما الأيقوني في تحفة "المريض الإنكليزي"، يعود الثنائي النجم جولييت بينوش ورالف فاينز ليضيئا الشاشة مجددًا في فيلم "العودة"، وهو عمل سينمائي طموح للمخرج البريطاني أوبرتو بازوليني. لا يكتفي الفيلم باستلهام م "الأوديسة" لهوميروس، بل يغوص في أعماقها ليقدم تأويلاً معاصراً، مستكشفاً من خلالها هواجس الإنسان الأبدية المتعلقة بالحنين، الهوية، الخسارة، ومرارة العودة المتأخرة إلى عالم لم يعد كما كان.


بعد غياب دام قرابة ثلاثة عقود منذ تعاونهما الأيقوني في تحفة "المريض الإنكليزي"، يعود الثنائي النجم جولييت بينوش ورالف فاينز ليضيئا الشاشة مجددًا في فيلم "العودة"، وهو عمل سينمائي طموح للمخرج البريطاني أوبرتو بازوليني. لا يكتفي الفيلم باستلهام م史 "الأوديسة" لهوميروس، بل يغوص في أعماقها ليقدم تأويلاً معاصراً، مستكشفاً من خلالها هواجس الإنسان الأبدية المتعلقة بالحنين، الهوية، الخسارة، ومرارة العودة المتأخرة إلى عالم لم يعد كما كان.
## بينوش وفاينز: رحلة "العودة" بين أسطورة "الأوديسة" وهواجس الإنسان المعاصر

## بينوش وفاينز: رحلة "العودة" بين أسطورة "الأوديسة" وهواجس الإنسان المعاصر

العودة

يأخذنا "العودة" في رحلة لا تشبه السرد التقليدي لملحمة هوميروس. فبدلاً من التركيز على المغامرات البحرية والأحداث الخارقة،

 يختار بازوليني، الذي لفت الأنظار سابقاً بفيلمه "حياة راكدة" (2013) وما حمله من تأملات في العزلة، أن ينسج "أوديسة داخلية". ينطلق الفيلم من عودة أوديسيوس (رالف فاينز) إلى جزيرة إيثاكا بعد غياب قسري امتد عشرين عاماً، قضاها في أتون الحرب ثم في التيه. لم يعد المحارب الجسور الذي عرفه الناس، بل رجل أنهكته المعاناة، غيّرت ملامحه وطبعت صمته بأبلغ تعبير. 

  • يجد وطنه وقد استحال مسرحاً للأطماع؛ زوجته بينيلوبي (جولييت بينوش) أسيرة الحنين والحصار
  •  تواجه ضغوطاً متزايدة من الخطّاب الطامعين في يدها وعرش زوجها الغائب. أما ابنه تيليماك
  •  (تشارلي بلامر)، فقد شبّ في غيابه ليجد نفسه هدفاً لمؤامرات تُحاك في الظل. هكذا، يواجه
  •  أوديسيوس امتحاناً أشد قسوة من ويلات الحرب: امتحان استعادة المعنى، وإعادة بناء الانتماء
  •  وحماية ما تبقى من عالمه المهدد بالانهيار.

 مشروع العودة

لم يكن مشروع "العودة" وليد لحظة عابرة بالنسبة لبازوليني، الذي بدأ مسيرته كمنتج قبل أن يتجه إلى الإخراج.

 فقدراودته فكرة الفيلم لنحو ثلاثين عاماً، وهي مدة تفوق رحلة أوديسيوس الأسطورية نفسها. لم يكن هدفه إعادة صياغة الملحمة بحذافيرها، بل بناء "أوديسة داخلية" تركز على الافتراق، الخذلان، والعجز عن استعادة ما ضاع. تطور السيناريو، بحسب بازوليني، ليصبح قصة عن لمّ شمل لا يكتمل، عن المسافات التي تتسع بين أفراد العائلة الواحدة رغم القرب الجسدي الظاهري، وعن الجراح العميقة التي تمنع الكلمات من تأدية وظيفتها الشافية.

 

  1. يجسد رالف فاينز شخصية أوديسيوس العائد، وقد وجد في معالجة بازوليني منظوراً جديداً لقصة
  2.  يعرفها منذ الطفولة. يقول فاينز: "المفاجأة لم تكن في القصة، بل في معالجتها. أوبرتو حوّلها إلى
  3.  رحلة داخلية، رحلة رجل مكسور، محطّم من الداخل، لا يجد في العودة عزاءً ولا في الوطن ملاذاً.
  4.  عودته ليست انتصاراً، بل مواجهة موجعة مع ما لا يمكن إصلاحه". ويضيف أن اللقاء بين
  5.  أوديسيوس وبينيلوبي يتحول إلى "لحظة مأسوية، ليس لأن أحدهما تغيّر فحسب، إنما لأن المسافة التي
  6.  تفصل بينهما الآن، بعد كل تلك السنوات، صارت أعمق من أي بحر".

 التقدير العالمى

 

## بينوش وفاينز: رحلة "العودة" بين أسطورة "الأوديسة" وهواجس الإنسان المعاصر

في المقابل، تقدم جولييت بينوش، التي لا تزال تحظى بإجماع نادر من التقدير العالمي وتستعد لترؤس لجنة تحكيم مهرجان كانّ السينمائي،

 أداءً لافتاً لشخصية بينيلوبي. ترى بينوش أن التحدي في تجسيد هذه الشخصية يكمن في الإمساك بذلك الخيط الرفيع الذي يفصل الانهيار عن التماسك في مواجهة واقع خانق. "بينيلوبي في هذه النسخة معاصرة جداً،" تقول بينوش، "امرأة تملك الصبر الكوني، لكنها أيضاً متمردة صامتة. ليست مجرد زوجة تنتظر. تواجه الجانب المظلم من البشر، تواجه الخداع والمراوغة بدهاء صامت. التوازن العقلي الذي تحافظ عليه معجزة في ذاته".

  1.  وتضيف أن الشخصية تسعى "للعودة إلى الجوهر، إلى ذاتها
  2.  إلى ذلك البيت الذي لم يعد له جدران بالمعنى التقليدي
  3.  بعدما بات رمزاً لسلام داخلي ضائع، تسعى لاسترداده".

 اختيار اليونان

لم يكن اختيار اليونان كموقع تصوير مجرد خلفية جمالية، بل كان له أبعاد أعمق،

 حيث صُوّر الفيلم في مواقع متعددة هناك، مما أضفى على العمل صدقاً بصرياً وروحياً. وقد انطلق عرض الفيلم من مهرجان تورونتو السينمائي، ليحط رحاله لاحقاً في مهرجان تسالونيك، حيث التقى الثلاثي (بينوش، فاينز، وبازوليني) بالجمهور في لقاء حميمي. بدت أرض الإغريق المكان الأمثل لعرض هذا العمل، ليس فقط لموقعه الجغرافي، بل لأن طبيعة الفيلم تمزج بين الجماليات البصرية والتأمل الفلسفي.

  1. تتحدث بينوش بشغف عن تجربتها الروحية في تسالونيك: "قضيتُ يوماً مذهلاً... زرتُ الأديرة وسرتُ
  2.  في الشوارع، لمستُ الأحجار وتأملتُ الأشجار... كانت رحلةً تلامس الروح... هنا، السماء والبحر
  3.  ليسا مجرد مشهدين طبيعيين، بل مصدران دائماً للإلهام". وكذلك وجد فاينز، بعد زيارته لإيثاكا
  4.  مرتين، صدىً لما يبحث عنه في أعماقه، مشيراً إلى "طاقة لا تُشبِه غيرها" تسكن المكان، ومستدعياً
  5.  قصيدة "إيثاكا" لقسطنطين كفافيس التي تحتفي بالرحلة ذاتها لا بالوصول.

 حدثا مهم

يشكل لقاء بينوش وفاينز مجدداً حدثاً سينمائياً بحد ذاته، كما أشار الناقد أوريستيس أندرياداكيس في تسالونيك، فهذه الكيمياء الخاصة بينهما قادرة على توليد لحظات من العمق العاطفي والصدق التعبيري الذي يجعل من أعمالهما المشتركة تجارب لا تُنسى.

الختام

فيلم "العودة" إذًا، ليس مجرد إعادة سرد لأسطورة، بل هو تأمل سينمائي عميق في العزلة والبحث عن الذات، يعيد تشكيل الأسطورة لتلامس أسئلة الإنسان المعاصر حول الانتماء، معنى الوطن، وإمكانية الخلاص في عالم متغير.


## بينوش وفاينز: رحلة "العودة" بين أسطورة "الأوديسة" وهواجس الإنسان المعاصر


تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent