### **حصون إسرائيل المغلقة: حين تخشى الدولة هروب مواطنيها**
في خضم الأزمات الكبرى والحروب، تتجلى أعمق
مخاوف الدول وهواجسها. فبينما تُحشد الجيوش وتُصقل الاستراتيجيات العسكرية لتأمين
الحدود الخارجية، تدور معركة أخرى لا تقل ضراوة على الجبهة الداخلية؛ معركة الحفاظ
على التماسك المجتمعي والثقة في قيادة الدولة. وقد كشف التصعيد الأخير بين إيران
وإسرائيل عن صدع عميق في هذه الجبهة، متجسداً في قرار غير مسبوق اتخذته الحكومة
الإسرائيلية، لا يستهدف العدو الخارجي، بل مواطنيها أنفسهم.
![]() |
### **حصون إسرائيل المغلقة: حين تخشى الدولة هروب مواطنيها** |
1. ما هي الأسباب التي
دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار غير مسبوق بمنع مواطنيها من السفر
للخارج؟
2. كيف كشف هروب
الأثرياء عبر اليخوت الخاصة عن وجود انقسام طبقي في المجتمع الإسرائيلي خلال
الأزمة؟
3. إلى أي مدى يقوّض هذا
القرار وما رافقه من أحداث، فكرة "إسرائيل كملاذ آمن" لمواطنيها؟
4. ما دلالة قيام شركات
الطيران بنقل طائراتها سراً للخارج قبل إعلان الحظر على المواطنين؟
تل أبيب
بعد أن اخترقت الصواريخ الإيرانية سماء تل أبيب، في رد كان أوسع نطاقاً مما توقعه الكثيرون، سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ إجراء جذري: إغلاق كافة المنافذ البرية والجوية والبحرية أمام مواطنيها الراغبين في مغادرة البلاد. القرار
- الذي أعلنته وزيرة المواصلات ميري ريغيف، استثنى السياح والأجانب، مما أزال أي التباس حول
- هدفه الحقيقي. لم يكن الإجراء مجرد تدبير أمني لوجستي، بل كان اعترافاً ضمنياً بخوف السلطة من
- سيناريو الهروب الجماعي؛ خشية من أن يتحول القلق الفردي إلى نزوح جماعي يُفرغ الدولة من
- سكانها في أحلك ساعاتها.
إن هذا القرار يحمل دلالات رمزية خطيرة بالنسبة لدولة قامت سرديتها التأسيسية على فكرة "الملاذ الآمن" لليهود حول العالم. فبدلاً من أن تكون إسرائيل هي الوجهة التي يفر إليها اليهود من الأخطار، أصبحت هي المكان الذي يُمنع مواطنوها من الفرار منه.
هذا التحول القسري من "ملجأ" إلى "حِصن مُغلق" يضرب في صميم المشروع الصهيوني، ويثير تساؤلات وجودية حول مدى قناعة الجيل الحالي من الإسرائيليين بالبقاء والتضحية في ظل تهديد حقيقي ومستمر.
ومما زاد المشهد قتامة
هو ما سبق القرار الرسمي من تحركات سرية كشفتها صحيفة "معاريف" الإسرائيلية. فقبل إعلان الحظر، قامت شركات الطيران الإسرائيلية الكبرى مثل "العال" و"أركيا" و"يسرائير"، بالتنسيق مع المؤسسة الأمنية، بنقل أساطيل طائراتها المدنية إلى مطارات آمنة في قبرص واليونان والولايات المتحدة.
- هذه العملية الاستباقية، التي تمت بعيداً عن أعين الجمهور
- لم تكن مجرد حماية للأصول المادية،
- بل كانت مؤشراً على أن النخب السياسية والمؤسساتية كانت تتوقع الأسوأ
- وتدرك حجم الهلع الذي قد يجتاح الشارع.
لكن القوانين الرسمية
كما هي العادة، لا تسري على الجميع بالقدر نفسه. ففي حين أُغلقت الأبواب في وجه المواطن العادي، كشفت صحيفة "هآرتس" عن وجود طرق التفافية مخصصة للأثرياء. لقد تحولت المرافئ الترفيهية في هرتسليا وحيفا وعسقلان إلى محطات هروب خاصة.
- هنا، ينظم أصحاب اليخوت الفاخرة رحلات بحرية سرية لمجموعات صغيرة، تنقل الأفراد والعائلات
- المقتدرة إلى شواطئ الأمان في جزيرة قبرص، مقابل مبالغ تصل إلى 6000 شيكل (حوالي 1700
- دولار) للفرد الواحد.
هذا "النزوح عبر اليخوت" لا يكشف فقط
عن آلية للالتفاف على القانون، بل يفضح شرخاً اجتماعياً عميقاً. ففي لحظة يُطلب
فيها من الأمة التكاتف والصمود، تبرز امتيازات الثروة لترسم خطاً فاصلاً بين من هم
مجبرون على البقاء لمواجهة الخطر، ومن يملكون ترف شراء النجاة. إن صورة الأثرياء
وهم يبحرون بعيداً عن نيران الحرب، بينما يُحتجز البقية كدروع بشرية ضمنية، هي
صورة مدمرة لأي ادعاء بالوحدة الوطنية.
التواصل الاجتماعى
وقد وجدت هذه الأحداث صداها الواسع على منصات
التواصل الاجتماعي، حيث تحولت إلى مادة للتنديد والسخرية. فرأى معلقون مثل تامر أن
"حكومة نتنياهو تتخذ مواطنيها دروعاً بشرية"، بينما أشار حسني قرماسي
إلى أن الوزيرة "تعلم أن شعبها لصوص، واللص قدماه جاهزتان للهرب". أما
الصحفي مختار الهنائي، فقد لخص المشهد بكلمات مؤثرة، معتبراً فرار الإسرائيليين
عبر اليخوت "بداية نهاية الحكاية"، ودعوة صريحة لهم بالرحيل عن أرض لا
يملكونها.
الختام
في المحصلة، فإن قرار منع السفر وما رافقه من هروب الأثرياء يمثلان أكثر من مجرد خبر عابر في سياق حرب. إنهما يعكسان أزمة ثقة عميقة بين المواطن الإسرائيلي ودولته، ويقوضان السردية التي قامت عليها.
فعندما
تضطر الدولة إلى حبس مواطنيها لمنعهم من الهجرة، وعندما يصبح البحر هو المهرب لمن
استطاع إليه سبيلاً، فإن ذلك يعني أن جدران الحصن لم تعد مصدراً للأمان، بل قيداً
على الحرية، وبوابة لخروج صامت لا يمكن لأي قرار حكومي أن يوقفه على المدى الطويل