recent
أخبار ساخنة

### **فتنة الدجال ونبوءة أصفهان: قراءة في الجذور التاريخية والدلالات العقدية**

 

### **فتنة الدجال ونبوءة أصفهان: قراءة في الجذور التاريخية والدلالات العقدية**

 

تُعدّ فتنة المسيح الدجال في العقيدة الإسلامية ذروة المحن وأعظم ابتلاء يواجه البشرية منذ خلق آدم إلى قيام الساعة. إنها ليست مجرد علامة من علامات الساعة الكبرى، بل هي اختبار إيماني شامل، يُمتحن فيه اليقين وتتهاوى فيه ثوابت الكثيرين. وفي خضم النصوص النبوية العديدة التي حذّرت من هذه الفتنة ووصفت تفاصيلها، تبرز نبوءة محددة تثير تأملاً عميقاً، تربط بداية ظهور أتباع الدجال بمكان ذي ثقل تاريخي وحضاري فريد: مدينة أصفهان في قلب بلاد فارس (إيران حالياً)، وتخص بالذكر طائفة بعينها كأول أنصاره.

تُعدّ فتنة المسيح الدجال في العقيدة الإسلامية ذروة المحن وأعظم ابتلاء يواجه البشرية منذ خلق آدم إلى قيام الساعة. إنها ليست مجرد علامة من علامات الساعة الكبرى، بل هي اختبار إيماني شامل، يُمتحن فيه اليقين وتتهاوى فيه ثوابت الكثيرين. وفي خضم النصوص النبوية العديدة التي حذّرت من هذه الفتنة ووصفت تفاصيلها، تبرز نبوءة محددة تثير تأملاً عميقاً، تربط بداية ظهور أتباع الدجال بمكان ذي ثقل تاريخي وحضاري فريد: مدينة أصفهان في قلب بلاد فارس (إيران حالياً)، وتخص بالذكر طائفة بعينها كأول أنصاره.
### **فتنة الدجال ونبوءة أصفهان: قراءة في الجذور التاريخية والدلالات العقدية**


### **فتنة الدجال ونبوءة أصفهان: قراءة في الجذور التاريخية والدلالات العقدية**


 

  • إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك
  •  رضي الله عنه: **"يتبع الدجالَ من يهود أصبهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة"**، ليس مجرد
  •  خبر غيبي، بل هو نصٌ غنيّ بالدلالات الجغرافية والتاريخية والعقدية، يفتح الباب أمام أسئلة
  •  جوهرية حول سر اختيار هذا المكان وهؤلاء الأتباع، وكيف يمكن فهم هذه النبوءة في سياق
  •  الماضي والحاضر والمستقبل

 

#### **أصفهان ملتقى الحضارات والجذور اليهودية العميقة**

 

لفهم عمق النبوءة، لا بد من استيعاب مكانة أصفهان التاريخية. لم تكن أصفهان مدينة عادية قط، بل كانت على مر العصور "نصف جهان" (نصف العالم)، كما وصفت في الأدبيات الفارسية، لما حوته من كنوز العمارة والفن والعلم. لكن أهميتها في سياقنا هذا تكمن في كونها واحدة من أقدم وأهم مراكز الوجود اليهودي خارج أرض فلسطين.

 

  1. تعود جذور الجالية اليهودية في إيران إلى أكثر من 2500 عام، وتحديداً إلى السبي البابلي في القرن
  2.  السادس قبل الميلاد. وعندما حرر الملك الفارسي كورش الكبير اليهود، لم يعد جميعهم إلى القدس، بل
  3.  استقر جزء كبير منهم في أنحاء الإمبراطورية الفارسية، ووجدوا في مدن مثل أصفهان بيئة خصبة
  4.  للاستقرار والازدهار.

 وقد شكلوا على مر القرون جالية متماسكة، لها أحياؤها الخاصة – أشهرها حي "اليهودية" أو "جوبارة" الذي لا يزال قائماً – ومعابدها ومدارسها الدينية، وانخرطوا في التجارة والحرف والعلوم، وأسهموا في النسيج الثقافي للمدينة.

 

هذا الحضور التاريخي المستمر للجالية اليهودية في أصفهان حتى يومنا هذا، يجعل من ذكرها في الحديث النبوي أمراً واقعياً وملموساً، وليس مجرد رمز مجرد. فالنص النبوي لا يتحدث عن مكان من الخيال، بل عن بقعة جغرافية حقيقية لها تركيبة ديموغرافية محددة تتوافق مع تفاصيل الخبر.

 

#### **تحليل النبوءة بين الفهم الحرفي والتأويل الرمزي**

 

يتعامل العلماء والمفكرون مع هذا الحديث بمنهجين رئيسيين:

 

**1. الفهم الحرفي (الظاهري):**

وهو المنهج الذي عليه جمهور علماء أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً. يقوم هذا الفهم على أن الأصل في نصوص الوحي، خاصة فيما يتعلق بالأخبار الغيبية، هو حملها على ظاهرها ما لم توجد قرينة قوية تصرفها عن ذلك. وعليه، فإن الحديث يعني أن شخصاً حقيقياً هو المسيح الدجال سيظهر في آخر الزمان، وأن أول جيشه ومنطلَق قوته البشرية سيكونون سبعين ألفاً من اليهود القاطنين في مدينة أصفهان فعلياً، وسيكون لهم زي يميزهم وهو "الطيالسة" (نوع من الأوشحة أو الأردية التي توضع على الكتف والرأس).

 

  • يدعم هذا التفسير أحاديث أخرى تحدد مكان خروج الدجال من جهة المشرق، كما في حديث أبي بكر
  •  الصديق رضي الله عنه: "الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها خُراسان" (رواه الترمذي). وقد
  •  وفّق العلماء بين الحديثين بأن أصفهان كانت تاريخياً جزءاً من إقليم خراسان الكبرى، فيكون بدء
  •  ظهوره من تلك الناحية. هذا التحديد الدقيق يعزز فكرة أن الأحداث ستكون حقيقية ومادية، وليست
  •  مجرد رموز.

 

**2. التأويل الرمزي:**

يرى بعض المفكرين المعاصرين أن النص قد يحمل دلالات رمزية. فـ "أصفهان" قد ترمز إلى مركز فكري أو حضاري معين تنطلق منه أيديولوجيا معادية للحق، و"اليهود" قد لا يُقصد بهم العرق أو الدين حصراً، بل كل من يتصف بصفات معينة كالتمرد على الحق وانتظار مُخلّص زائف يمنحهم السلطة الدنيوية. والرقم "سبعون ألفاً" قد يرمز إلى الكثرة والتنظيم، لا العدد الحرفي.

 

  1. ورغم أن هذا التأويل قد يساعد في ربط النبوءة ببعض الظواهر الفكرية والسياسية المعاصرة، إلا أنه
  2.  يظل اجتهاداً يفتقر إلى الدليل القاطع الذي يصرف النص عن معناه الظاهري الواضح. فالمنهج النبوي
  3.  في الإخبار عن علامات الساعة كان يتسم بالوصف الدقيق والمباشر، ليكون حجة على الناس كافة.

 

#### **الدلالات العقدية والتحذير المستقبلي**

 

لماذا يهود أصفهان تحديداً؟ الإجابة تكمن في صميم العقيدة اليهودية (غير المعترفة بنبوة عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم) التي لا تزال تنتظر "المسيا" أو "المسيح المخلّص" الذي سيعيد لهم مجدهم الدنيوي ويبني لهم مملكة أرضية.

  •  سيأتي الدجال مستغلاً هذا الانتظار الطويل، وسيقدم نفسه على أنه المسيح المنتظر، وسيُجري على
  •  يديه خوارق عظيمة (بإذن الله الكوني لا الشرعي) كإنزال المطر وإخراج كنوز الأرض، وهي أمور
  •  تتوافق مع الصورة المادية للمخلّص الذي ينتظره البعض. فتكون فتنتهم به أشد، وإيمانهم به أسرع.

 

إن الحديث ليس إدانة عرقية، بل هو وصف لحالة عقدية ونفسية ستكون مهيأة لاتباع الباطل عند ظهوره بأبهى صوره.

 

#### ** عبرة تتجاوز الجغرافيا**

 

إن نبوءة أصفهان ليست مجرد معلومة استشرافية للمستقبل بقدر ما هي درس بليغ في الحاضر. إنها تعلمنا أن الفتنة الكبرى قد تنطلق من بؤر غير متوقعة، ومن داخل تراكيب تاريخية ودينية معقدة. كما تحذرنا من أن الانحراف العقائدي وانتظار المخلّصين الدنيويين، بعيداً عن هدي السماء، هو أخصب أرض يمكن أن يزرع فيها الدجال بذور فتنته.

 الختام

وفي نهاية المطاف، يبقى التوجيه النبوي هو الحصن المنيع؛ فالمسلم لا ينشغل بتحديد الأماكن والأوقات بقدر ما ينشغل بتحصين نفسه بالإيمان الصحيح، والعلم النافع، والعمل الصالح، واللجوء إلى الله، والتمسك بما جاء في القرآن والسنة، وحفظ وفهم سورة الكهف التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم عاصمة من فتنة الدجال. فالثبات على الحق هو النجاة الحقيقية.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent