recent
أخبار ساخنة

### **"سأسأل عليك بطريقتي": حينما تحولت الضيافة إلى حرب نفسية في تحفة "اثنين على الطريق"**

الصفحة الرئيسية

 

### **"سأسأل عليك بطريقتي": حينما تحولت الضيافة إلى حرب نفسية في تحفة "اثنين على الطريق"**

 

في سجل السينما المصرية الخالد، هناك مشاهد لا تُمحى من الذاكرة، مشاهد تتجاوز كونها مجرد حوار درامي لتصبح دروساً في الأداء والكتابة والإخراج. أحد أبرز هذه المشاهد وأكثرها عبقرية هو لقاء المواجهة الأول بين "عادل إمام" و"عادل أدهم" في فيلم "اثنين على الطريق" (1983)، وهو مشهد يمثل ذروة الصراع بين البراءة الساذجة والسلطة المطلقة، حيث تُستخدم الكلمات المهذبة كأسلحة أكثر فتكاً من الرصاص.

في سجل السينما المصرية الخالد، هناك مشاهد لا تُمحى من الذاكرة، مشاهد تتجاوز كونها مجرد حوار درامي لتصبح دروساً في الأداء والكتابة والإخراج. أحد أبرز هذه المشاهد وأكثرها عبقرية هو لقاء المواجهة الأول بين "عادل إمام" و"عادل أدهم" في فيلم "اثنين على الطريق" (1983)، وهو مشهد يمثل ذروة الصراع بين البراءة الساذجة والسلطة المطلقة، حيث تُستخدم الكلمات المهذبة كأسلحة أكثر فتكاً من الرصاص.
### **"سأسأل عليك بطريقتي": حينما تحولت الضيافة إلى حرب نفسية في تحفة "اثنين على الطريق"**


### **"سأسأل عليك بطريقتي": حينما تحولت الضيافة إلى حرب نفسية في تحفة "اثنين على الطريق"**

بداية المشهد

يبدأ المشهد بدخول "ممدوح" (عادل إمام)، الانسان البسيط المندفع الذي يمثل المواطن البسيط المسلح بكرامته ومبادئه، إلى قصر "عادل" (عادل أدهم)، رجل السلطة النافذ الذي يمثل القوة الغاشمة المغلفة بالثراء والأناقة. منذ اللحظة الأولى، يرسم المخرج سمير سيف ملامح المعركة غير المتكافئة.

  •  "ممدوح" يدخل متوتراً لكنه مصمم، بينما يستقبله "عادل" بهدوء جليدي يوحي بسيطرة كاملة على
  •  الموقف. السؤال الافتتاحي "أنت مين وعايز إيه؟" ليس مجرد استفسار، بل هو استعراض للقوة
  •  وتحديد للمكانة؛ فأنا صاحب المكان، وأنت الدخيل الذي عليه أن يبرر وجوده.

 العبقرية

العبقرية الحقيقية للمشهد تتجلى في التحول الدراماتيكي الذي يقوده عادل أدهم ببراعة شيطانية. فبعد الصدام الأولي، يغير "عادل" استراتيجيته من المواجهة المباشرة إلى الاحتواء النفسي. يبتسم، يرحب بـ"ممدوح"، ويأمر له بالليمون والقهوة "فوق المضبوط بشعرة".

  1.  هنا، لا تعبر الضيافة عن كرم، بل هي تكتيك لتجريد الخصم من سلاحه. فبتحويل "ممدوح" من
  2.  مُطالب بحق إلى ضيف، يضعه "عادل" في موقف أدنى، ويفرض عليه قواعد اللعبة داخل مملكته.
  3.  مقولته الشهيرة "لا محبة إلا بعد عداوة" تحمل سخرية لاذعة، فهو يعترف بالعداء المبدئي ثم يلفه
  4.  بغطاء من الود المصطنع.

 التلاعب النفسى

يصل التلاعب النفسي إلى ذروته عندما يكشف "ممدوح" ببراءة عن علاقته بـ"حنان" (شمس البارودى)، معتقداً أنه يتحدث إلى والدها الحقيقي. يستغل "عادل" هذه المعلومة بعبقرية، فيتقمص دور الأب المتفهم بكل جوارحه. "أنا والدها... أنت إنسان ذكي جداً ولمّاح". 

  • بهذه الجملة، لا يؤكد "عادل" المعلومة الخاطئة فحسب، بل يمتدح "ممدوح" ليكسب ثقته تماماً
  •  ويجعله يفرغ كل ما في جعبته من معلومات وأسرار. يستمع "عادل" إلى قصة الحب التي نشأت على
  •  متن الباخرة، وإلى حديث "ممدوح" عن فقره وكرامته، وكل ذلك وعيناه الباردتان تحللان الموقف
  •  وتخططان للخطوة التالية.

 

إن أداء عادل أدهم في هذا المشهد يُدرّس؛ فهو "برنس السينما" الذي لا يحتاج إلى الصراخ ليكون مرعباً. هدوؤه، ونبرة صوته التي لا تتغير، ونظراته الثاقبة، وحركاته المحسوبة، كلها ترسم صورة رجل يرى الناس كقطع شطرنج على رقعته الخاصة. في المقابل، يبرع عادل إمام في تجسيد شخصية الشاب المصري الطيب الذي يخلط بين الشجاعة والسذاجة، والذي تنهار دفاعاته أمام هذا الذكاء الشرير.

 الضربة القاضية

الخاتمة تأتي كضربة قاضية، فبعد أن يستدرج "عادل" خصمه ويحصل على كل معلوماته، بما في ذلك اسمه الكامل، يمنحه وعداً زائفاً بالمباركة والقبول، ثم يودعه بابتسامة صفراء وجملة أصبحت أيقونة في تاريخ السينما: "وأنا هبقى أسأل عليك بطريقتي يا ممدوح". هذه الجملة المهذبة ظاهرياً هي في حقيقتها تهديد صريح ومبطن بالقتل.

  1.  إنها الإعلان الرسمي بأن اللعبة قد انتهت، وأن "ممدوح" قد وقع في الفخ
  2.  وأن القوة الغاشمة ستتعامل معه بأساليبها الخاصة التي لا تعرف الشرف أو المبادئ.

 الختام

لقد نجح هذا المشهد في تكثيف الصراع الطبقي والنفسي الذي يدور حوله الفيلم بأكمله، مقدماً مواجهة خالدة بين الخير والشر، ليس بصورتهما التقليدية، بل في صورة أكثر تعقيداً وواقعية، حيث ينتصر الشر أحياناً ليس بالقوة، بل بالدهاء والقدرة على التلاعب بالكلمات والحقائق.

author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent