# **ظاهرة "المدرسين العرافين" في بريطانيا: هل يوتيوب وتيك توك مفتاح النجاح أم وهم يضلل الطلاب؟**
في العصر الرقمي الذي نعيشه، تغيرت معالم
التعليم بشكل جذري. لم تعد الفصول الدراسية هي المصدر الوحيد للمعرفة، بل أصبحت
منصات مثل يوتيوب وتيك توك ساحات جديدة يتلقى فيها الطلاب دروسهم. وفي قلب هذا
التحول، برزت في بريطانيا ظاهرة جديدة ومثيرة للجدل تُعرف بـ "المدرسين
العرافين" أو "مؤثري التعليم" (Edu-influencers)، الذين يعدون آلاف
المراهقين القلقين بامتلاك "كرة بلورية" تكشف لهم أسرار الامتحانات
النهائية. فهل هؤلاء المؤثرون هم مرشدون حقيقيون في رحلة التعليم الصعبة، أم أنهم
مجرد بائعين للأوهام يستغلون قلق الطلاب لتحقيق الشهرة والربح؟
![]() |
# **ظاهرة "المدرسين العرافين" في بريطانيا: هل يوتيوب وتيك توك مفتاح النجاح أم وهم يضلل الطلاب؟** |
## **من هم "المدرسون العرافون" وكيف يعملون؟**
في واجهة هذه الظاهرة يقف وقار مالك، وهو مدرس
سابق ونائب مدير مدرسة تحوّل إلى نجم على يوتيوب عبر قناته الشهيرة "Mr
Everything English". بأسلوب جذاب وكاريزما عالية،
يظهر مالك متنكراً أحياناً في هيئة عرّاف، مؤكداً لمتابعيه الذين يتجاوز عددهم 225
ألف مشترك، قدرته على التنبؤ بأسئلة امتحانات شهادة التعليم الإعدادي البريطانية (GCSE)، وتحديداً في مادة الأدب الإنجليزي.
- لا يتردد مالك في التفاخر بنجاحاته السابقة، حيث صرّح في أحد مقاطعه قائلاً: "العام الماضي، توقعت
- موضوع الاختبار كاملاً". هذه العبارة وحدها كفيلة بجذب انتباه آلاف الطلاب الذين يعيشون تحت
- ضغط هائل
لتحقيق درجات عالية تحدد مستقبلهم الأكاديمي والمهني.
يعتمد أسلوب هؤلاء المؤثرين على تحليل
الامتحانات السابقة، وتقارير المصححين، والتركيز على الموضوعات التي لم تُطرح منذ
فترة. ويقدمون هذه التحليلات في صورة "توقعات مستنيرة"، وهو مصطلح يضفي
طابعاً من العلمية والمصداقية على عملهم، لكنه في جوهره يظل مجرد تخمين.
## **سيكولوجية الانجذاب لماذا يقع الطلاب فريسة لهذه التوقعات؟**
لفهم سبب رواج هذه الظاهرة، يجب التعمق في
الحالة النفسية للطلاب في مرحلة المراهقة. امتحانات (GCSE) ليست
مجرد اختبارات عادية، بل هي بوابة العبور إلى المرحلة التالية من التعليم وفرص
العمل، مما يضع على عاتق الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و16 عاماً ضغطاً نفسياً
هائلاً.
1. **القلق
والبحث عن طوق نجاة:** يشعر الكثير من الطلاب بالضياع وسط الكم الهائل من المناهج
الدراسية. في هذا السياق، تبدو فيديوهات "التوقعات" بمثابة طوق نجاة أو
طريق مختصر يضمن لهم النجاح بأقل مجهود ممكن. وكما تقول سارة براونسوورد،
المحاضِرة في جامعة إيست أنغليا: "إذا كنتَ مراهقاً وتستعد لاختباراتك، وقال
لك شخص عبر هاتفك هذا ما سيتضمنه اختبارك... فسيكون الأمر مغرياً جداً لك".
2. **جاذبية
المنصات الرقمية:** يقدم هؤلاء المؤثرون محتواهم بأسلوب ترفيهي وسريع، يتناسب مع
لغة العصر التي يجيدها المراهقون. فهم يكسرون روتين الدراسة التقليدي ويحولون
المراجعة إلى تجربة أكثر تفاعلية ومتعة، مما يجعلهم أكثر قرباً وتأثيراً من
المعلمين في الفصول الدراسية.
3. **بناء
الثقة والمجتمع:** ينجح هؤلاء المؤثرون في بناء علاقة شبه شخصية مع متابعيهم. يشعر
الطلاب بأنهم جزء من مجتمع يتلقى "معلومات حصرية"، مما يعزز ثقتهم في
المؤثر ويجعلهم أكثر استعداداً لاتباع نصائحه دون تمحيص.
## **الوجه المظلم للظاهرة عندما تتحطم الأحلام على صخرة الواقع**
الكارثة الحقيقية تحدث عندما تفشل هذه التوقعات،
وهو ما حدث بالفعل بعد امتحانات مايو الماضي. امتلأت أقسام التعليقات على فيديوهات
مالك وغيره برسائل الغضب والندم من طلاب شعروا بالخيانة.
- كتب أحدهم: "لن أستمع إليك مرة أخرى مطلقاً، يا أخي"، بينما عبر آخرون عن يأسهم الشديد بالقول
- إن مستقبلهم قد "ضاع" وأنهم يفكرون في ترك الدراسة. هؤلاء الطلاب راهنوا بمستقبلهم على
- تخمينات، وركزوا مراجعتهم على الموضوعات المتوقعة فقط، وأهملوا بقية المنهج. وعندما جاء
- الاختبار بأسئلة مختلفة تماماً، وجدوا أنفسهم عاجزين عن الإجابة، وشعروا بأن كل جهدهم قد ذهب
- سدى.
هنا يكمن الخطر الأكبر لهذه الظاهرة: إنها تشجع على **التعلم السطحي الانتقائي** بدلاً من الفهم العميق والشامل للمادة. فالطالب الذي يعتمد على التوقعات لا يسعى لفهم النصوص الأدبية وتحليلها، بل يحفظ إجابات جاهزة حول موضوعات محددة، مما يفقده مهارات التفكير النقدي والتحليل التي هي الهدف الأسمى للتعليم.
## **موقف المؤسسات التعليمية قلق متزايد ودعوة للتفكير المستقل**
لم تغفل الهيئات التعليمية الرسمية عن هذه
الظاهرة المتنامية. فقد أشارت لجنة اختبارات اللغة الإنجليزية "أيه كيو أيه" (AQA)، وهي إحدى أكبر
لجان الامتحانات في بريطانيا، في تقرير لها إلى "تزايد الاعتماد على بعض
قنوات مراجعة الدروس عبر الإنترنت".
- ورغم أن اللجنة اعترفت بأن هذه القنوات "تُعدّ مصدراً مهماً للمراجعة والدعم للتلاميذ" في بعض
- الأحيان، إلا أنها وجهت رسالة حاسمة وواضحة: ما يريده المصححون هو **"تحليل التلاميذ
- الشخصي للنصوص التي درسوها، وليس آراء أشخاص غير معنيين على مواقع التواصل
- الاجتماعي"**.
هذا
التصريح يؤكد على أن الأصالة والتفكير المستقل هما المعيار الأساسي للتقييم، وأن
تكرار آراء اليوتيوبرز لن يؤدي إلى الحصول على درجات عالية.
## **دفاع المؤثرين ونموذج العمل التجاري**
في المقابل، يدافع المؤثرون عن أنفسهم. تيلي
تايلور، وهي طالبة مؤثرة يتابعها أكثر من 110 آلاف شخص على تيك توك، تؤكد أن "هذه
الفيديوهات لا تهدف مطلقاً إلى التضليل". وتضيف: "أشير بصورة واضحة في
فيديوهاتي إلى أنّ المحتوى هو عبارة عن توقعات فقط". وتوضح أنها تبني توقعاتها
على تحليل دقيق لسجلات الاختبارات السابقة وتقارير المصححين، بهدف توجيه الطلاب
نحو الموضوعات الأكثر احتمالاً.
- ومع ذلك، لا يمكن إغفال الجانب التجاري الذي يحرك هذه الصناعة. فكما يكشف بهيمجياني، وهو
- مؤثر آخر في هذا المجال، فقد حقق 5000 جنيه إسترليني من أول فيديو توقعات له. ويؤكد أن معظم
- الدخل يأتي من مقاطع الفيديو التي ترعاها جهات توظيف، وعلامات تجارية في مجالات التجميل
- والتكنولوجيا. هذا النموذج الربحي يطرح سؤالاً مهماً حول الدوافع الحقيقية لهؤلاء المؤثرين: هل
- هدفهم الأول هو مساعدة الطلاب، أم زيادة عدد المشاهدات والمشتركين لجذب المزيد من الرعاة؟
## ** بين السيف ذي الحدين والمسؤولية المشتركة**
تمثل ظاهرة "المدرسين العرافين" سيفاً
ذا حدين. فمن ناحية، يمكن أن تكون هذه المنصات أدوات مساعدة قيمة إذا تم استخدامها
بحكمة كمصدر إضافي للمراجعة وتحفيز الاهتمام بالدراسة. ومن ناحية أخرى، تتحول إلى
أداة تضليل خطيرة عندما تصبح المصدر الوحيد للمعلومة، مما يقوض أسس التعلم الحقيقي
ويعرض مستقبل الطلاب للخطر.
- تقع المسؤولية هنا على عاتق أطراف متعددة: على **المؤثرين** أن يكونوا أكثر شفافية ومسؤولية
- في المحتوى الذي يقدمونه، وأن يركزوا على تعليم المهارات بدلاً من بيع التخمينات. وعلى
- **المؤسسات التعليمية والآباء** تقع مسؤولية توعية الطلاب بمخاطر الاعتماد المفرط على هذه
- المصادر، وتعزيز ثقتهم
بقدراتهم على الفهم والتحليل.
فى الختام
أما **الطلاب** أنفسهم، فيجب أن يدركوا أنه لا يوجد طريق مختصر للنجاح الحقيقي. المعرفة والفهم العميق هما الاستثمار الأضمن لمستقبلهم، بينما تظل التوقعات مجرد سراب جذاب قد يقودهم إلى خيبة أمل كبيرة.
في
نهاية المطاف، يجب أن تكون هذه المنصات الرقمية أداة في أيديهم، لا أن يكونوا هم
أداة في يد خوارزمياتها وصانعي محتواها.