recent
أخبار ساخنة

### **أصل البطاطا: اكتشاف علمي ثوري يكشف علاقتها القديمة بالطماطم ويعيد كتابة تاريخ التطور**

 

### **أصل البطاطا: اكتشاف علمي ثوري يكشف علاقتها القديمة بالطماطم ويعيد كتابة تاريخ التطور**

 

لطالما كانت البطاطا، بدرناتها النشوية المغذية، حجر الزاوية في غذاء ملايين البشر حول العالم. تحتل المرتبة الرابعة كأهم محصول غذائي بعد القمح والأرز والذرة، وقد شكلت تاريخ الأمم، وأنقذت شعوباً من المجاعة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من مطابخ عالمية لا حصر لها. لكن على الرغم من أهميتها القصوى، ظل أصلها الجيني الدقيق لغزاً محيراً للعلماء لعقود طويلة. كيف تطورت هذه النبتة لتنتج درنات تحت الأرض بهذا الحجم وهذه القيمة الغذائية؟

لطالما كانت البطاطا، بدرناتها النشوية المغذية، حجر الزاوية في غذاء ملايين البشر حول العالم. تحتل المرتبة الرابعة كأهم محصول غذائي بعد القمح والأرز والذرة، وقد شكلت تاريخ الأمم، وأنقذت شعوباً من المجاعة، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من مطابخ عالمية لا حصر لها. لكن على الرغم من أهميتها القصوى، ظل أصلها الجيني الدقيق لغزاً محيراً للعلماء لعقود طويلة. كيف تطورت هذه النبتة لتنتج درنات تحت الأرض بهذا الحجم وهذه القيمة الغذائية؟
### **أصل البطاطا: اكتشاف علمي ثوري يكشف علاقتها القديمة بالطماطم ويعيد كتابة تاريخ التطور**


### **أصل البطاطا: اكتشاف علمي ثوري يكشف علاقتها القديمة بالطماطم ويعيد كتابة تاريخ التطور**

  • اليوم، يكشف فريق دولي من الباحثين في دراسة علمية تاريخية نُشرت في مجلة "Cell" المرموقة
  •  عن إجابة لم تكن في الحسبان. فالبطاطا الحديثة التي نعرفها ليست مجرد نتاج تطور خطي من
  •  أسلاف برية، بل هي ثمرة حدث تهجين قديم ومفاجئ بين سلفين متباعدين: أحدهما ينتمي إلى فصيلة
  •  البطاطا البرية، والآخر، بشكل مذهل، ينتمي إلى سلالة الطماطم القديمة. هذا الاكتشاف لا يحل لغز
  •  البطاطا فحسب، بل يقدم رؤية جديدة جذرية لكيفية نشوء الأنواع في عالم النبات.

#### **اللغز الطويل البحث عن أصول الدرنة الذهبية**

 

قبل هذه الدراسة، كان الإجماع العلمي يميل إلى أن البطاطا المستأنسة (Solanum tuberosum) قد تطورت من خلال عمليات انتقاء وتدجين قام بها المزارعون القدماء في جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية، وذلك من أنواع برية محلية تمتلك درنات صغيرة. كانت الفكرة السائدة أن التحورات الجينية العشوائية، مع مرور آلاف السنين من الزراعة الانتقائية، هي التي أدت إلى ظهور الأصناف الحديثة ذات الدرنات الكبيرة.

 

  • ومع ذلك، واجه العلماء تحديات في تحديد الأسلاف البرية المباشرة بدقة. كانت هناك فجوات في
  •  السجل الجيني، ولم يتمكنوا من تفسير القفزة التطورية التي أدت إلى ظهور الدرنة كعضو تخزين
  •  فعال بهذا الشكل. لقد كان الأمر أشبه بامتلاك أجزاء من قصة ملحمية دون معرفة الفصل الأكثر
  •  أهمية فيها.

 

#### **فك الشفرة الوراثية دراسة غير مسبوقة**

 

لحل هذا اللغز، قام فريق من الباحثين بقيادة علماء من "معهد الجينوم الزراعي" في شنتشن بالصين، بمهمة ضخمة وغير مسبوقة. لقد قاموا بتحليل تسلسل الجينوم الكامل لـ 450 نوعاً من البطاطا المزروعة و56 نوعاً من البطاطا البرية وأقاربها. وكما أوضح تشيانغ تشانغ، المعد الرئيسي للدراسة، فإن "جمع عينات من البطاطا البرية أمر صعب للغاية، مما يجعل هذه البيانات أشمل مجموعة بيانات جينومية للبطاطا البرية يتم تحليلها على الإطلاق".

 

من خلال مقارنة هذه الجينومات، تمكن العلماء من بناء شجرة عائلة مفصلة للغاية للبطاطا، وتتبع مسارات الجينات عبر ملايين السنين. وهنا كانت المفاجأة الكبرى.

 

#### **الأسلاف المدهشة قصة نباتين شكّلا مصير العالم**

 

أظهر التحليل الجيني أن البطاطا الحديثة هي في الأساس هجين قديم، حيث يتكون تركيبها الجيني من مصدرين رئيسيين:

 

1.  **المساهمة الأولى (60%): سلالة "إيتوبيروسوم" (Etuberosum)**

    هذه مجموعة من ثلاثة أنواع برية موطنها تشيلي. هذه النباتات تشبه إلى حد كبير نباتات البطاطا الحديثة في شكلها الخارجي، ولكنها تفتقر إلى الميزة الأهم: إنها لا تنتج درنات صالحة للأكل. لقد ساهمت هذه السلالة بنحو 60% من المادة الوراثية للبطاطا الحديثة، وقدمت الجينات الأساسية اللازمة للنمو القوي، والأهم من ذلك، الجينات المسؤولة عن نمو أجزاء النبات تحت الأرض.

 

2.  **المساهمة الثانية (40%): سلالة الطماطم القديمة**

    هنا يكمن الاكتشاف الأكثر ثورية. وجد الباحثون أن الـ 40% المتبقية من جينوم البطاطا تأتي من سلف قديم للطماطم. هذا لا يعني أن البطاطا تهجنت مع الطماطم التي نضعها في السلطة اليوم، بل مع سلف مشترك قديم انشق عن سلالة البطاطا قبل ملايين السنين.

    والأمر المذهل هو أن هذه السلالة هي التي حملت الجين الحاسم المسؤول عن تكوين الدرنات. بمعنى آخر، "فكرة" صنع الدرنة جاءت من عائلة الطماطم، لكنها لم تكن لتتحقق لولا وجود "الآلية" اللازمة للنمو تحت الأرض التي قدمتها سلالة "إيتوبيروسوم".

 

#### **تهجين قديم يعيد كتابة قواعد التطور**

 

أكدت الدراسة أن هذا التهجين لم يكن سلسلة من التبادلات الجينية المتفرقة، بل كان حدثاً واحداً قديماً وفاصلاً. وتشير التقديرات إلى أن سلالتي الطماطم والبطاطا بدأتا في التباعد قبل حوالي 14 مليون سنة، وانتهى هذا الانفصال قبل 9 ملايين سنة. حدث التهجين المصيري في وقت ما بعد هذا الانفصال، مما أدى إلى ولادة السلف المباشر لجميع أنواع البطاطا (البرية والمزروعة) التي نعرفها اليوم.

 

  1. وقالت ساندرا ناب، عالمة النبات في متحف التاريخ الطبيعي البريطاني
  2.  تعليقاً على النتائج: "هذه الخلاصة تُظهر بوضوح أنه تهجين قديم
  3.  وليس تبادلات جينية لاحقة متعددة".

 

هذا الاكتشاف له آثار تتجاوز قصة البطاطا. فهو يتحدى الفكرة التقليدية في علم الأحياء التطوري التي تقول إن الأنواع الجديدة تنشأ بشكل أساسي من خلال تراكم التحورات العشوائية البطيئة. بدلاً من ذلك، يبرز الدور المحوري والقوي للتهجين (Hybridization) كقوة دافعة للتطور.

لورِن ريسبيرغ، الباحث المشارك في الدراسة والأستاذ في جامعة كولومبيا البريطانية، وصف الأمر بأنه "تغيير جذري"، مضيفاً: "بينما كان يُعتقد سابقاً أن التحورات العشوائية هي المصدر الرئيسي لظهور أنواع جديدة، نتفق الآن على أن أهمية دور التهجين قد قُلِّلَت بشكل كبير".

 

#### **سر النجاح العالمي التكاثر اللاجنسي**

 

لم يكن تكوين الدرنة هو العامل الوحيد في نجاح البطاطا. فمن العناصر الأساسية الأخرى التي ورثتها البطاطا الحديثة قدرتها على التكاثر اللاجنسي. بدلاً من الاعتماد الكلي على البذور الناتجة عن التلقيح، يمكن زراعة البطاطا ببساطة عن طريق غرس درنة (أو جزء منها) في الأرض، لتنمو وتنتج نباتاً جديداً مطابقاً وراثياً للنبات الأم.

  • هذه الخاصية أتاحت للمزارعين القدماء الحفاظ على الأصناف الممتازة ونشرها بسرعة وسهولة، مما
  •  ضمن استقرار المحصول. وعندما نقل المستكشفون الأوروبيون البطاطا من أمريكا الجنوبية إلى بقية
  •  أنحاء العالم في القرن السادس عشر، كانت هذه الميزة هي مفتاح انتشارها السريع وتكيفها في بيئات
  •  جديدة.

 

#### **مستقبل البطاطا نحو ثورة زراعية جديدة**

 

إن فهم الأصل الجيني الدقيق للبطاطا ليس مجرد إنجاز أكاديمي، بل يفتح الباب أمام مستقبل واعد لتحسين هذا المحصول الحيوي. يعمل مختبر سانوين هوانغ في شنتشن، أحد المشاركين في الدراسة، حالياً على الاستفادة من هذه المعرفة لتطوير بطاطا هجينة قادرة على التكاثر بكفاءة باستخدام البذور الحقيقية (True Potato Seed)، بدلاً من الدرنات.

 

زراعة البطاطا من البذور بدلاً من الدرنات لها فوائد هائلة:

*   **سهولة النقل والتخزين:** يمكن تخزين ونقل ملايين البذور في مساحة صغيرة، على عكس الدرنات الضخمة والثقيلة التي تتطلب ظروف تخزين خاصة.

*   **خلو من الأمراض:** الدرنات يمكن أن تنقل الأمراض الفيروسية والبكتيرية من جيل إلى جيل، بينما تكون البذور عادةً خالية من هذه الأمراض.

*   **تسريع برامج التربية:** يسمح التكاثر عبر البذور بتهجين أصناف مختلفة بشكل أسرع وأكثر كفاءة، مما يسرّع من تطوير أصناف جديدة ذات مقاومة أعلى للأمراض والجفاف، أو ذات قيمة غذائية أفضل.

 

#### **فى الختام**

 

في النهاية، قصة أصل البطاطا هي أكثر من مجرد تاريخ لنبات. إنها شهادة على القوة المدهشة للتطور، حيث يمكن لحدث تهجين قديم بين قريبين متباعدين—الطماطم والبطاطا—أن يغير مسار الزراعة والتاريخ البشري.

 هذا الاكتشاف لا يمنحنا فقط تقديراً أعمق للوجبة المتواضعة في طبقنا، بل يزودنا بالأدوات الجينية اللازمة لتأمين مستقبل هذا المحصول الحيوي وضمان الأمن الغذائي للأجيال القادمة في مواجهة تحديات تغير المناخ. لقد تحول لغز الماضي إلى خريطة طريق واضحة لمستقبل أكثر استدامة.

### **أصل البطاطا: اكتشاف علمي ثوري يكشف علاقتها القديمة بالطماطم ويعيد كتابة تاريخ التطور**


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent