# "تحت النجوم": مهرجان الفيلم القصير في نابل يضيء سماء تونس بالإبداع العالمي والتاريخ العريق
في عناق فريد بين عبق التاريخ وسحر الفن السابع،
تستعد مدينة نابل التونسية، جوهرة الساحل الشرقي، لاحتضان الدورة الثاممة لواحدة
من أبرز التظاهرات السينمائية في المنطقة: **مهرجان "سينما تحت النجوم" (Cinétoile)
للفيلم القصير الدولي**. على مدار ستة أيام حافلة بالفن
والإبداع، تتحول هذه المدينة العريقة، المعروفة بآثارها الرومانية وشواطئها
الذهبية، إلى قبلة لصانعي الأفلام وعشاق السينما من مختلف أنحاء العالم، لتؤكد من
جديد على دور تونس كمنارة ثقافية في قلب البحر الأبيض المتوسط.
![]() |
# "تحت النجوم": مهرجان الفيلم القصير في نابل يضيء سماء تونس بالإبداع العالمي والتاريخ العريق |
- ينطلق المهرجان هذا العام ببرنامج ثري ورؤية طموحة، لا تكتفي بعرض الأفلام فحسب، بل تسعى
- لخلق حوار ثقافي خصب يربط الماضي بالحاضر، ويفتح آفاقاً جديدة أمام مستقبل **الفيلم القصير**
- كشكل فني قادر على
التعبير عن قضايا الإنسان المعاصر بجرأة وعمق.
### **نابل حيث يلتقي التاريخ بالسينما في فضاء مفتوح**
لم يكن اختيار مدينة نابل لاحتضان هذا الحدث
السينمائي الدولي محض صدفة. فهذه المدينة، التي تقع على شبه جزيرة "الوطن
القبلي"، ليست مجرد وجهة سياحية شهيرة، بل هي بوتقة حضارية انصهرت فيها
ثقافات متعددة عبر العصور. من موقع **نياپوليس الأثري** الذي يروي قصص قرطاج وروما،
إلى **حصن الحمامات** الشامخ الذي يحرس الساحل، تقدم نابل خلفية سينمائية طبيعية
تضفي على المهرجان بعداً رمزياً عميقاً.
- يراهن منظمو المهرجان على هذا التمازج بين الفن والتاريخ لخلق تجربة فريدة للجمهور. فبدلاً من
- القاعات المغلقة التقليدية، تتوزع عروض المهرجان في الهواء الطلق، تحت سماء نابل المرصعة
- بالنجوم. هذا الاختيار لا يعزز فقط شعار المهرجان "سينما تحت النجوم"، بل يمثل دعوة مفتوحة
- لدمج الفن في النسيج العمراني والتاريخي للمدينة، مما يحول تجربة مشاهدة الفيلم إلى طقس احتفالي
- يشارك فيه المكان كعنصر فاعل.
### **الدورة الثامنة برنامج غني وتنوع فريد يجسد عالمية السينما**
تأتي الدورة الجديدة محملة ببرنامج سينمائي
استثنائي يضم أكثر من **71 فيلماً قصيراً** من قارات مختلفة، تم اختيارها بعناية
لتعكس التنوع الثقافي والجمالي للسينما العالمية المعاصرة. تتوزع الأفلام المشاركة
على ثلاثة أصناف رئيسية:
* **الأفلام
الروائية القصيرة:** التي تقدم حكايات إنسانية مكثفة ومبتكرة.
* **الأفلام
الوثائقية القصيرة:** التي تسلط الضوء على قضايا واقعية بأساليب سينمائية جريئة.
* **أفلام
التحريك (الأنيميشن):** التي تفتح أبواب الخيال لتعبر عن أفكار معقدة بجماليات
بصرية ساحرة.
- بهذا التنوع، يكرس المهرجان مكانته كأحد أهم المنصات المتخصصة في الفيلم القصير في تونس
- وشمال أفريقيا. فالفيلم القصير، الذي يُعتبر غالباً "مختبر التجارب" و"بوصلة المستقبل" لصناعة
- السينما، يجد في "سينما تحت النجوم" مساحة حقيقية للاحتفاء به، بعيداً
عن هيمنة الأفلام الطويلة.
ويفتتح المهرجان فعالياته بعرض الفيلم التونسي القصير "زيوين"، يليه العمل المغربي "نو كاي"، في إشارة رمزية ذكية لمحور الدورة الذي يركز على الانفتاح المتوسطي وتعزيز جسور التواصل الفني بين ضفتي البحر.
### **المغرب ضيف شرف تعزيز الروابط المغاربية وتكريم سينما متجددة**
استمراراً لتقليده السنوي في تكريم سينما
عالمية، وبعد استضافة ألمانيا (2023) وسوريا (2024)، يحل **المغرب ضيف شرف** على
الدورة الثامنة. هذا الاختيار يحمل دلالات عميقة، فهو يعكس الرغبة في تعزيز
الروابط الثقافية المغاربية، والاحتفاء بالنهضة الملحوظة التي تشهدها **السينما
المغربية الشابة**، خاصة في مجال الفيلم القصير.
- يتمثل الحضور المغربي بشكل أساسي في مشاركة **مهرجان طنجة للسينما القصيرة**، ممثلاً
- بمديره السيد محمد سعيد الزربوح، الذي يشارك أيضاً كعضو في لجنة التحكيم. بالإضافة إلى ذلك
- سيتم عرض باقة من الأفلام المغربية الحديثة التي حصدت جوائز في محافل دولية، مما يتيح للجمهور
- التونسي فرصة الاطلاع على آخر إبداعات جيل جديد من المخرجين المغاربة. يرى القائمون على
- المهرجان أن هذه الاستضافة تمنح التظاهرة بعداً مغاربياً يثري التجربة السينمائية المشتركة، ويفتح
- الباب أمام مشاريع مستقبلية بين البلدين.
### **لجنة تحكيم تجمع الخبرة والإبداع**
لضمان مصداقية الجوائز وقيمتها الفنية، تم
اختيار لجنة تحكيم متوازنة تجمع بين النقد الأكاديمي، والخبرة الإدارية في
المهرجانات، والإبداع الفني. تترأس اللجنة الباحثة والناقدة التونسية المرموقة **لمياء
بلقايد ڨيڨة**، وينضم إليها كل من **محمد سعيد زربوح**، ممثلاً عن المغرب ضيف
الشرف، والممثلة والمخرجة التونسية متعددة المواهب **نجوى زهير**. هذا الثلاثي
سيحمل على عاتقه مهمة تقييم الأفلام المشاركة واختيار الأعمال المتوجة التي ستترك
بصمتها في تاريخ المهرجان.
### **أكثر من مجرد عروض ورشات ونقاشات تثري المشهد الثقافي**
إيماناً بأن دور المهرجانات يتجاوز مجرد عرض
الأفلام، يواصل "سينما تحت النجوم" توجهه نحو بناء فضاء متكامل للتكوين
والحوار. وتتميز هذه الدورة بثلاث مبادرات رئيسية:
1. **ورشة
"يديات صغار":** ورشة تفاعلية موجهة للأطفال يشرف عليها المكون صابر بن
روحة، تهدف إلى تعريف الأجيال الناشئة بأساسيات صناعة الصورة ولغة السينما عبر
ألعاب وتجارب بصرية مبسطة، في خطوة استراتيجية لبناء جيل جديد من الجمهور الواعي
والمحب للفن السابع.
2. **إصدار
مجلة المهرجان:** ولأول مرة، يصدر المهرجان عدده الافتتاحي من مجلته الخاصة. هذا
المشروع التوثيقي والفكري يضم مقالات نقدية، حوارات مع المخرجين المشاركين،
والبرمجة الكاملة للأفلام. وتسعى هذه المبادرة إلى خلق ذاكرة ورقية للمهرجان وأثر
ممتد يتجاوز أيامه الستة، ليصبح مرجعاً للباحثين والمهتمين.
3. **حلقة
نقاشية كبرى:** تحت عنوان **"دور المهرجانات في حياة الأفلام القصيرة ومسيرة
مخرجيها"**، ستجمع الحلقة مخرجين ونقاداً ومنظمي مهرجانات من تونس والمغرب. سيتناول
النقاش إشكاليات التوزيع، والتمويل، وكيف يمكن للمهرجانات أن تتحول من مجرد منصات
عرض إلى حاضنات حقيقية للمواهب الشابة، تساعدهم على الانتقال إلى مشاريعهم الطويلة.
### **الرهان الثقافي السينما كقاطرة للتنمية والسياحة**
لا يمكن فهم أهمية هذا المهرجان بمعزل عن سياقه
التونسي الراهن. ففي ظل التحديات الاقتصادية والسياسية، يأتي "سينما تحت
النجوم" كفعل مقاومة ثقافية ورهان رمزي على قدرة المدن خارج العاصمة على
تنظيم تظاهرات دولية كبرى. إنه يساهم في تحقيق **اللامركزية الثقافية**، ويعيد
توزيع الخارطة الفنية في البلاد.
- كما يلعب المهرجان دوراً هاماً في الترويج **للسياحة الثقافية**، حيث يجذب ضيوفاً دوليين ويسلط
- الضوء على نابل كوجهة لا تقتصر على البحر والشمس، بل كمدينة للفن والتاريخ. وكما يلخص مدير
- المهرجان، أمير وسع البال، الهدف هو "خلق جسر حي بين الأجيال والبلدان"، حيث تصبح السينما
- أداة
للحوار والتفاهم المتبادل.
### **فى الختام**
بين شواطئ المتوسط وآثار نياپوليس، ينسج مهرجان "سينما تحت النجوم" خيوط حكاية متجددة عن علاقة تونس بالفن والعالم. إنه أكثر من مجرد حدث فني؛ إنه فضاء حي للقاء الثقافات، ومنصة للاحتفاء بالصورة كذاكرة جماعية، وبوصلة ترشد المواهب الشابة نحو المستقبل.
ومع كل دورة، يثبت المهرجان أن الشاشات
الصغيرة للأفلام القصيرة قادرة على حمل أحلام كبيرة، وأن سماء نابل، تحت النجوم،
ستظل دائماً مضاءة بنور الإبداع السينمائي.