روان أتكينسون في مسلسل Man vs Baby: هل فقد مستر بين قدرته على
إضحاك الجماهير؟
بقلم: محرر الشؤون الفنية
ارتبط اسم الفنان
الإنجليزي القدير
روان أتكينسون في ذاكرة الأجيال المتعاقبة بتلك الشخصية الصامتة، "مستر بين"،
التي غزت شاشات التلفاز في التسعينيات وحولته إلى أيقونة عالمية للكوميديا الجسدية.
واليوم، يعود أتكينسون مجدداً عبر منصة "نتفليكس" في عمله الأحدث Man vs Baby، ليضع إرثه الكوميدي تحت مجهر النقد الرقمي
الحديث. فهل نجح "بين" في استعادة بريقه، أم أن الفوضى العبثية التي
ميزته لم تعد تجد مكاناً لها في عصر البث المباشر؟
 |
| روان أتكينسون في مسلسل Man vs Baby: هل فقد مستر بين قدرته على إضحاك الجماهير؟ |
روان أتكينسون في مسلسل Man vs Baby: هل فقد مستر بين قدرته على إضحاك الجماهير؟
العودة إلى الفوضى من النحلة إلى الطفل
بعد النجاح الذي حققه
مسلسل Man vs Bee، والذي
خاض فيه أتكينسون حرباً ضروساً ضد نحلة عنيدة، اختارت نتفليكس استثمار ذات الصيغة
في مسلسل Man vs Baby. يجسد
أتكينسون شخصية "تريفور بينغلي"، وهو حارس أمن متعثر يجد نفسه في مواقف
لا يحسد عليها.
على الورق، تبدو الفكرة
مثالية لعودة قوية: حارس غريب الأطوار، شقة لندنية فاخرة خلال موسم عيد الميلاد،
وطفل مهجور يحتاج للرعاية. هذه العناصر تشكل بيئة خصبة "للإيفيهات" البصرية
التي برع فيها أتكينسون طوال عقود. لكن، يبدو أن المسافة بين الفكرة والتنفيذ كانت
أطول مما توقع الجمهور.
الكوميديا الجسدية بين
الإرث والقيود الدرامية
تعتمد عبقرية روان
أتكينسون تاريخياً على ما يسمى "التهريج الراقي" أو الـ (Slapstick)، حيث تتحول حركات الوجه الدقيقة وتعثرات
الجسد إلى لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة. في Man vs Baby، حاول أتكينسون استحضار هذا الأسلوب، لكنه اصطدم
بـ "القيود الدرامية".
- المشكلة الأساسية في هذا
العمل تكمن في محاولة دمج الكوميديا العبثية مع "الحبكة العاطفية". فبينما
كان مستر بين شخصية أنانية، طفولية، وغير مبالية بالعواقب (وهو سر إضحاكنا عليه)،
نجد "تريفور بينغلي" في هذا العمل يغرق في فيض من المشاعر الأبوية
والنيات الحسنة. هذه العاطفة الزائدة قيدت حركته الكوميدية، وحولت المواقف التي
كان من المفترض أن تكون "انفجارية" إلى لحظات من التوتر الخافت واللطافة
المبالغ فيها.
تمطيط الحبكة هل كان
المسلسل يحتاج إلى 4 حلقات؟
من المنظور الفني والنقدي،
يعاني Man vs Baby من مشكلة
"الإطالة" التي أصبحت سمة لبعض إنتاجات المنصات الرقمية. المسلسل مقسم
إلى أربع حلقات، مدة كل منها 30 دقيقة، وهي مدة يراها الكثيرون غير مبررة لقصة كان
من الممكن تكثيفها في فيلم سينمائي مدته 90 دقيقة.
- هذا التمدد في السيناريو
أدى إلى ظهور حبكات فرعية لم تضف الكثير للعمل، مثل قصة الأسرة التي تعيش في
القبو، والتي بدت وكأنها "حشو" لسد الفراغ الزمني. حتى الإزعاجات التي
تعرض لها البطل، مثل التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والمفاتيح الرقمية، لم تصاعد
وتيرة الكوميديا كما فعلت "النحلة" في العمل السابق، بل زادت من شعور
المشاهد بالملل في بعض الأحيان.
اعتراف أتكينسون الصادم هل
انتهى الشغف؟
لعل أكثر النقاط إثارة
للجدل حول هذا العمل ليست المسلسل نفسه، بل تصريحات صاحبه. ففي سابقة نادرة، صرح
روان أتكينسون علانية بأنه "لم يستمتع" بتصوير
هذا العمل. وعندما سُئل عن مشهده المفضل، كانت إجابته قاطعة: "لا يوجد".
- هذا الاعتراف يكشف عن أزمة
إبداعية يعيشها الفنان؛ فالكوميديا الجسدية تتطلب مجهوداً شاقاً ودقة متناهية في
التوقيت، وعندما يغيب الشغف عن المبدع، يشعر الجمهور بذلك بوضوح. يبدو أن أتكينسون يجد نفسه اليوم محاصراً بمطالب شركات الإنتاج التي تريد إعادة تدوير "صيغة
مستر بين" في قوالب جديدة لا تناسب بالضرورة عمره الحالي أو تطلعاته الفنية.
الفشل في مواكبة عالم
البث الرقمي
يوضح المسلسل أخطار تحويل
الصيغ الكوميدية الكلاسيكية لتناسب خوارزميات نتفليكس. فبينما كانت حلقات مستر بين
القديمة سريعة، مكثفة، وخالية من الحشو، يأتي Man vs Baby مثقلاً
بالدعاية للمنتجات (مثل العلامة التجارية الشهيرة للشوكولاتة) وبالحبكات العاطفية
التي تهدف لاستقطاب العائلة، مما أفقد العمل "حدته" الكوميدية.
- الجمهور الذي يبحث عن
الفوضى المرحة والدمار العبثي سيشعر بخيبة أمل؛ لأن "الخصم" هنا هو طفل،
والقواعد الأخلاقية والدرامية تمنع البطل من ممارسة عبثه المعتاد تجاهه. النتيجة
هي عمل "آمن" أكثر من اللازم، ولطيف أكثر من اللازم، ولكنه يفتقر إلى
روح الابتكار.
الخلاصة هل ما زال روان
أتكينسون أيقونة؟
لا يمكن لأحد أن يشكك في
مكانة روان أتكينسون كواحد من أعظم الكوميديين في التاريخ، لكن Man vs Baby يثبت أن
الكوميديا الجسدية لا تنتقل دائماً بسلاسة إلى العصر الحديث إذا لم يقترن ذلك بنص
ذكي وشغف حقيقي.
المسلسل قد يكون خياراً
جيداً لمشاهدة عائلية هادئة في خلفية السهرة، لكنه بالتأكيد ليس العمل الذي سيُذكر
في تاريخ أتكينسون بجانب Blackadder أو Mr. Bean. يبدو أن "مستر بين"
قد كبر، ومع نضجه، فقدنا تلك الفوضى الجميلة التي كانت تضحكنا حتى الدموع.
خاتمة المقال:
يبقى السؤال قائماً: هل سيستمر أتكينسون في تقديم
هذه السلسلة من المواجهات (Man
vs...)، أم
أنه سيستجيب لصوته الداخلي الذي يطالب بالتوقف؟ الإجابة قد تحملها الأيام القادمة،
ولكن حتى ذلك الحين، سيظل عشاق "بين" الأوفياء يعودون إلى حلقاته
القديمة بحثاً عن الضحك الحقيقي الذي لم تجده "نتفليكس" في شقتها
اللندنية الفاخرة.