**حمى الذهب تشتعل: كيف يضاعف الأثرياء أرباحهم القياسية وتوقعات بـ 5000 دولار للأونصة**
شهد سوق الذهب العالمي
تحولات غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة، حيث عزز المعدن الأصفر مكانته كأحد أبرز
الأصول الآمنة والملاذات الاستثمارية التي لا غنى عنها في أوقات الأزمات الاقتصادية
والتوترات الجيوسياسية. فبعد أن اخترقت الأونصة مستوى 4000 دولار للمرة الأولى في
تاريخها، تتجه أنظار المستثمرين والمحللين على حد سواء نحو مستقبل هذا المعدن
الثمين، وسط توقعات متفائلة بوصول سعره إلى مستويات قياسية لم تشهدها الأسواق من
قبل.
![]() |
**حمى الذهب تشتعل: كيف يضاعف الأثرياء أرباحهم القياسية وتوقعات بـ 5000 دولار للأونصة** |
- هذه "حمى الذهب" ليست مجرد ظاهرة عابرة، بل هي انعكاس لمجموعة من العوامل الاقتصادية
- والسياسية المعقدة التي تدفع كبار المستثمرين والبنوك المركزية إلى مضاعفة حيازاتهم، وبالتالي
- تحقيق
أرباح قياسية.
**الذهب الملاذ الآمن بامتياز في 2025**
شهد عام 2025 انطلاقةقوية لسعر الذهب، مسجلاً أفضل أداء سنوي منذ عام 2015. هذا الأداء المتفوق جعل
المعدن الأصفر يتصدر قائمة الأصول الاستثمارية متجاوزاً بذلك الأسهم وحتى العملات
الرقمية مثل البيتكوين. ويرجع هذا الزخم التصاعدي إلى ستة أسباب رئيسية تدعم
استمرارية صعود الذهب في الفترة القادمة:
1. **توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية:** مع تزايد
الحديث عن احتمالية اتجاه البنك المركزي الأميركي (الاحتياطي الفيدرالي) والبنوك
المركزية العالمية الأخرى إلى خفض أسعار الفائدة لمواجهة التباطؤ الاقتصادي، يصبح
الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين. فأسعار الفائدة المنخفضة تقلل من تكلفة الفرصة
البديلة للاحتفاظ بالذهب الذي لا يدر عوائد دورية، مما يزيد من جاذبيته كوعاء
للقيمة.
2. **استمرار التوترات الجيوسياسية العالمية:** الصراعات الإقليمية،
النزاعات التجارية، والاضطرابات السياسية في مناطق مختلفة من العالم تخلق حالة من
عدم اليقين وتدفع المستثمرين للبحث عن أصول تُعتبر آمنة ومستقرة. الذهب لطالما كان
الملاذ الأول في مثل هذه الظروف، حيث يميل المستثمرون إلى تحويل استثماراتهم من
الأصول الأكثر خطورة إلى الذهب للحفاظ على رؤوس أموالهم.
3. **تفاقم حالة عدم اليقين الاقتصادي:** التحديات الاقتصادية مثل
التضخم المرتفع، النمو الاقتصادي المتباطئ، ومخاطر الركود، تزيد من جاذبية الذهب. يعتبر
الذهب أداة تحوط تقليدية ضد التضخم وتقلبات الأسواق، مما يجعله خياراً مفضلاً
للمستثمرين القلقين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي.
4. **تداعيات الرسوم والتعريفات الجمركية الأميركية:** السياسات
الحمائية والرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة يمكن أن تؤدي إلى
اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وارتفاع تكاليف الإنتاج، مما ينعكس سلباً على
النمو الاقتصادي ويزيد من جاذبية الذهب كأصل مستقر.
5. **استمرار انخفاض الدولار الأميركي:** يرتبط سعر الذهب عادة
بعلاقة عكسية مع قوة الدولار الأميركي. عندما ينخفض الدولار، يصبح الذهب أرخص
للمشترين الذين يحملون عملات أخرى، مما يزيد من الطلب عليه ويدفع سعره للارتفاع.
6. **توسع البنوك المركزية في شراء المعدن النفيس:** تعتبر البنوك
المركزية حول العالم من أكبر المشترين للذهب، وذلك بهدف تنويع احتياطاتها الأجنبية
وتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، بالإضافة إلى تحسين مركزها المالي في
مواجهة الأزمات. هذا الطلب المؤسسي الكبير يمثل دعماً قوياً لأسعار الذهب.
**غولدمان ساكس تتوقع 1300 دولار للأونصة بنهاية 2026 وحاجز الـ 5 آلاف قريب**
في تأكيد على هذه
التوقعات الإيجابية، أصدرت شركة "غولدمان ساكس" للأبحاث تقريراً يشير
إلى أن الذهب سيواصل صعوده اللافت، متوقعاً ارتفاعاً إضافياً بنسبة 6% حتى منتصف
عام 2026. يستند هذا التوقع إلى طلب قوي ومستقر من فئات شرائية رئيسية. وأوضح
التقرير أن المعدن النفيس ارتفع بنحو 60% خلال عام 2025 وحده، وهو ما يضعه على
مسار تحقيق مكاسب من رقمين للعام الثالث على التوالي، وهو أداء استثنائي لم تشهده
السوق منذ أعوام.
تقسم "غولدمان
ساكس" المشترين في سوق الذهب إلى فئتين رئيسيتين:
* **المشترون الملتزمون:** وتشمل هذه الفئة البنوك المركزية،
وصناديق الاستثمار، والمضاربين الكبار. هؤلاء يشترون الذهب بناءً على رؤى اقتصادية
استراتيجية أو كوسيلة للتحوط، بغض النظر عن السعر الحالي. تشير البيانات إلى أن كل
100 طن من مشترياتهم الصافية ترفع سعر الذهب بنسبة 1.7%. هذه الفئة هي المحرك
الرئيسي لاتجاهات الأسعار.
* **المشترون الانتهازيون:** وتشمل الأسر والأفراد في المجتمعات
الناشئة، الذين يدخلون السوق عندما يرون فرصة سعرية مناسبة. هذه الفئة تشكل دعماً
للأسعار عند الهبوط ومقاومة عند الصعود، مما يضيف استقراراً للسوق.
**حصيلة المكاسب 250% في 10 أعوام**
وفقاً لإحصاءات
وتحليلات أجرتها "اندبندنت عربية"، فقد سجل المعدن النفيس مكاسب تجاوزت 250%
منذ عام 2015 وحتى مطلع أكتوبر 2025، بمتوسط زيادة سنوية قدرها 25%. بلغ إجمالي
مكاسب أونصة الذهب خلال الأعوام العشرة الأخيرة نحو 2857 دولاراً.
لنتتبع مسار سعر
الأونصة خلال هذه الفترة:
* **سبتمبر 2015:** 1145 دولاراً.
* **سبتمبر 2016:** 1320 دولاراً.
* **سبتمبر 2017:** 1335 دولاراً.
* **2018:**
تراجع طفيف إلى 1200 دولار.
* **سبتمبر 2019:** ارتفاع إلى 1496 دولاراً.
* **سبتمبر 2020:** بداية رحلة الصعود القياسية لتسجل 1954
دولاراً، مدعومة بجائحة كورونا.
* **سبتمبر 2021:** استقرار الأسواق بعد الجائحة أدى إلى تراجع
بسيط ليسجل 1723 دولاراً.
* **سبتمبر 2022:** استقرار عند 1719 دولاراً.
* **سبتمبر 2023:** عودة الصعود إلى 1913 دولاراً.
* **2024:**
استمرار الصعود ليبلغ 2503 دولارات.
* **أكتوبر 2025:** اختراق مستويات تاريخية وتسجيل 4002 دولار،
محققاً مكاسب بنسبة 60% منذ بداية العام.
**دور البنوك المركزية 15 طناً خلال أغسطس 2025**
تعتبر مشتريات البنوك
المركزية أحد أهم العوامل المؤثرة في زيادة الطلب على الذهب وأكبر محددات الأسعار،
بالإضافة إلى تأثير أسعار الفائدة. تشير بيانات حديثة لمجلس الذهب العالمي إلى
ارتفاع شهية البنوك المركزية لشراء المعدن النفيس، حيث أضافت هذه البنوك 15 طناً إلى
احتياطاتها خلال أغسطس 2025.
- يُعد أغسطس الماضي الشهر السابع والعشرين الذي يشهد زيادة في احتياطيات الذهب للبنوك المركزية
- خلال آخر 28 شهراً، مما يعكس استمرارية هذا الاتجاه لتعزيز مخزوناتها من المعدن النفيس. وقد
- تصدرت البنوك المركزية لكل من كازاخستان وبلغاريا وتركيا والصين قائمة أكبر المشترين خلال
- الشهر الماضي
* **البنك الوطني الكازاخستاني:** أضاف 8 أطنان، ليصل إجمالي
احتياطاته إلى 316 طناً.
* **البنك المركزي التركي:** رفع احتياطاته بمقدار طنين، ليصل
إجمالي احتياطاته إلى 639 طناً بعد إضافة 21 طناً خلال عام 2025.
* **البنك الوطني البلغاري:** سجل أكبر عملية شراء للذهب منذ عام 1997
بإضافة طنين، ليرتفع إجمالي احتياطاته إلى 43 طناً.
* **بنك الشعب الصيني:** أضاف طنين إلى احتياطاته، مسجلاً بذلك
الزيادة الشهرية العاشرة على التوالي، لتتجاوز الاحتياطات الرسمية للصين 2300 طن
للمرة الأولى.
**هل يكسر الذهب مستوى 5 آلاف دولار؟**
يعزز تقرير "غولدمان
ساكس" فكرة أن التغير الجذري في سلوك البنوك المركزية يمثل تحولاً هيكلياً في
طريقة إدارة الاحتياطات، وليس مجرد استجابة ظرفية. وتتوقع أن يستمر تراكم الذهب من
قبل القطاع الرسمي لثلاثة أعوام إضافية على الأقل. تدعم بيانات مجلس الذهب العالمي
هذه النظرة، حيث توقع 95% من البنوك المركزية زيادة في احتياطيات الذهب العالمية
خلال الـ12 شهراً المقبلة، ولم يتوقع أي منها انخفاضاً. بل إن 43% من تلك البنوك
تخطط لزيادة حيازاتها من الذهب، وهي أعلى نسبة منذ بدء الاستطلاع في عام 2018.
- لا تقتصر توقعات "غولدمان ساكس" على الشراء الرسمي فحسب، فبيانات أخرى تظهر أن صناديق
- التحوط وكبار المضاربين زادوا مراكزهم الطويلة على الذهب بصورة ملحوظة، حيث بلغ صافي
- حجم الرهانات على الصعود 73% في سوق العقود الآجلة منذ عام 2014. ورغم أن هذه الموجة من
- الشراء تشير إلى مزيد من الصعود، يحذر البنك من احتمالات تصحيحات تكتيكية في الأسعار على
- المدى القصير، نتيجة العودة المحتملة لتلك الرهانات إلى متوسطها
التاريخي.
يشير التقرير إلى أن
اهتمام الأفراد والمستثمرين يمكن أن يخلق مخاطر صعودية كبيرة على التوقعات
الحالية، مما قد يرفع السعر إلى 4300 دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2026. وفي
سيناريو أكثر تفاؤلاً بشأن مكاسب الذهب، ذكرت "غولدمان ساكس" أن الذهب
قد يقترب من 5000 دولار للأونصة إذا تدفقت استثمارات تعادل 1% فقط من سوق السندات
الأميركية الخاصة إلى المعدن. وبخاصة أن تقلبات الأسواق وزيادة الإقبال على الأصول
الآمنة تجعل هذا السيناريو، وإن بدا بعيداً، غير مستبعد خلال الوقت الحالي.
**الخلاصة**
تُشير جميع المؤشرات
إلى أن "حمى الذهب" ليست في طريقها للتوقف قريباً. فالعوامل الاقتصادية
الكلية، والتوترات الجيوسياسية، والطلب المتزايد من البنوك المركزية والمستثمرين،
كلها تصب في مصلحة استمرار صعود الذهب. ومع توقعات بوصول الأونصة إلى 4300 دولار
بنهاية 2026، واحتمالية لمس حاجز الـ 5000 دولار في المستقبل، يظل الذهب واحداً من
أهم الأصول التي يجب على المستثمرين مراقبتها عن كثب في سعيهم لتحقيق الأرباح
وحماية رؤوس أموالهم.