الضائقة المالية: تعيد تدوير الذهب في الشرق الأوسط
يشهد العالم حالياً ظروفاً اقتصادية غير مسبوقة،
حيث تتصارع الدول مع التضخم المتصاعد، وارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع كلفةالمعيشة. في خضمّ هذه الاضطرابات، برزت ظاهرة إعادة تدوير الذهب كأحد الحلول التي
يلجأ إليها المواطنون لتجاوز الصعوبات المالية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي
لطالما تميّزت بتعلقها بـ "المعدن الأصفر".
الضائقة المالية: تعيد تدوير الذهب في الشرق الأوسط |
لا شكّ أن ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات
قياسية في الآونة الأخيرة زاد من جاذبية إعادة تدويره. فمع تصاعد مخاوف العالم من
الركود الاقتصادي، بات المعدن النفيس ملاذاً آمناً للمستثمرين، مما أدى إلى ارتفاع
الطلب عليه، وبالتالي ارتفاع أسعاره.
لكنّ الأسباب وراء ازدياد نشاط إعادة تدوير الذهب
في الشرق الأوسط تتجاوز مجرد ارتفاع الأسعار. ففي ظلّ الظروف الاقتصادية
الصعبة التي تشهدها المنطقة، يُضطرّ الكثير من الأفراد إلى بيع مجوهراتهم وسبائك
الذهب لتغطية نفقاتهم، أو لمواجهة أزمات مالية غير متوقعة.
- تؤكد بيانات مجلس الذهب العالمي
- في أحدث تقاريره الفصلية "اتجاهات الذهب - الربع الثالث"
- على ارتفاع إجمالي المعروض من الذهب بنسبة خمسة في المئة
- على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2024،
ليصل إلى 3762 طناً.
ويُعزى هذا الارتفاع إلى نمو إنتاج المناجم
بنسبة 3 في المئة، فيما سجلت أحجام الذهب
المعاد تدويره في الربع الثالث ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 11 في المئة على أساس سنوي،
رغم انخفاضها بنسبة 4 في المئة على أساس ربع سنوي، على الرغم من ارتفاع أسعار
المعدن إلى مستويات قياسية.
**ارتفاع الذهب المعاد تدويره: مزيج من الأسباب**
فما هي الأسباب التي تقف وراء هذه الظاهرة؟
- الضائقة المالية:** تُشكل الظروف الاقتصادية المتردية في الشرق الأوسط، والاضطرابات المالية التي تُؤثّر على قطاعات واسعة من المجتمع، دافعاً رئيسياً لدفع الناس إلى بيع مجوهراتهم وممتلكاتهم الذهبية للحصول على السيولة النقدية.
- ارتفاع أسعار الذهب:** لا شكّ أنّ ارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية ساهم في دفع الناس إلى بيع مجوهراتهم القديمة، خاصة مع تزايد الطلب على الذهب كأصل ملاذ آمن في ظلّ المخاوف من الركود الاقتصادي العالمي.
- الظروف السياسية:** لا يُمكن إغفال تأثير الصراعات السياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على نشاط إعادة تدوير الذهب. فالاضطرابات السياسية تؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، مما يدفع بعض الأفراد إلى بيع ممتلكاتهم القيمة للحصول على السيولة النقدية، خاصة في حال اتجاههم إلى الهجرة أو الانتقال إلى أماكن أكثر أماناً.
- تغير عادات الاستهلاك:** مع مرور الوقت، تتغير عادات الاستهلاك لدى الأفراد، وخصوصاً في أوقات الأزمات المالية، فقد يُفضّل البعض استخدام أموالهم في تغطية احتياجاتهم الأساسية، بدلاً من شراء المجوهرات والسلع الفاخرة.
- فرص الاستثمار:** يُعتبر الذهب ملاذاً آمناً، لكنه لا يُدرّ عوائد كبيرة، وبالتالي يُمكن أن يُصبح غير مُناسب للمستثمرين في أوقات ارتفاع أسعار الفائدة، فقد يُفضّل البعض استثمار أموالهم في أصول أخرى تُدرّ عوائد أفضل.
**دور إعادة التدوير في معادلة العرض والطلب**
تُشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى ارتفاع
إجمالي المعروض من الذهب بنسبة خمسة في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث من
عام 2024، ليصل إلى 3762 طناً. وتُلعب إعادة تدوير الذهب دورًا هاماً في تلبية الطلب المتزايد على المعدن النفيس، خاصة
مع الظروف الاقتصادية الراهنة.
**آثار إعادة تدوير الذهب على الاقتصاد**
- * **ارتفاع أسعار الذهب:** يُؤدي ارتفاع المعروض من الذهب نتيجة إعادة التدوير إلى تقليل الطلب على الذهب المستخرج من المناجم، مما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الذهب في المدى الطويل.
- * **تحفيز نشاط التعدين:** يُمكن أن يُساهم ارتفاع أسعار الذهب في تحفيز نشاط التعدين، وذلك من خلال استثمار الشركات في مشاريع جديدة لإنتاج الذهب.
- * **إنشاء فرص عمل:** يُمكن أن يُساهم ارتفاع نشاط إعادة تدوير الذهب في إنشاء فرص عمل جديدة في مجالات جمع الذهب وإعادة تدويره.
- * **تقليل التأثير البيئي:** يُساهم إعادة تدوير الذهب في تقليل التأثير البيئي للنشاط التعديني، من خلال خفض حاجة الشركات إلى التعدين والتخلص من النفايات التعدينية.
**تحديات إعادة تدوير الذهب:**
- * **اللوائح والتشريعات:** تُعدّ اللوائح والتشريعات المُنظمّة لنشاط إعادة تدوير الذهب من أهم التحديات التي تُواجه القطاع، فقد تُعيق بعض اللوائح المُعمّلة في بعض البلدان عمل شركات إعادة التدوير وتُحدّ من نشاطها.
- * **الوعي:** يُعدّ رفع مستوى وعي المواطنين بأهمية إعادة تدوير الذهب من أهم الخطوات لتحقيق الاستدامة في القطاع.
- * **التقنية:** يُعتمد في معظم حالات إعادة تدوير الذهب على تُقنيات قديمّة لا تُوفّر المستوى المطلوب من الكفاءة والتوفير.
- * **النقل:** تُعدّ كلفة نقل الذهب من البلدان النامية إلى المراكز الرئيسية لإعادة التدوير من أهم التحديات التي تُواجه القطاع.
**مستقبل إعادة تدوير الذهب في الشرق الأوسط:**
من المتوقع أن تشهد إعادة تدوير الذهب في الشرق
الأوسط تطوراً كبيراً خلال السنوات
القادمة، وذلك بفضل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تُشهدها
المنطقة، وارتفاع أسعار الذهب، وتزايد الوعي بأهمية إعادة التدوير.
**التوصيات:**
- * **تطوير اللوائح والتشريعات:** يُمكن أن يُساهم تطوير اللوائح والتشريعات المُنظمّة لنشاط إعادة تدوير الذهب في تعزيز القطاع وإزالة العقبات التي تُواجه شركات إعادة التدوير.
- * **تعزيز الوعي:** يُمكن أن يُساهم تعزيز وعي المواطنين بأهمية إعادة تدوير الذهب في زيادة الطلب على الخدمات المُقدّمة في هذا القطاع.
- * **استخدام التقنيات المُتطوّرة:** يُمكن أن يُساهم استخدام التقنيات المُتطوّرة في رفع كفاءة عمليات إعادة تدوير الذهب وتقليل الكلفة.
- * **توفير الدعم المالي:** يُمكن أن يُساهم توفير الدعم المالي لشركات إعادة تدوير الذهب في تعزيز القطاع وتشجيع المزيد من الشركات على دخول هذا المجال.
- * **التعاون بين الدول:** يُمكن أن يُساهم التعاون بين الدول في تبادل الخِبرات والمعرفة في مجال إعادة تدوير الذهب، وذلك من خلال إنشاء منظمات إقليمية للقطاع.
**ختاماً،**
يُعتبر نشاط إعادة تدوير الذهب في
الشرق الأوسط من الظواهر
المُهمة التي تُؤثّر
على سوق الذهب
العالمي، وذلك بفضل
الظروف الاقتصادية الصعبة
التي تُشهدها المنطقة،
والتطور التكنولوجي الذي
يُمكن أن يُساهم
في رفع كفاءة
عمليات إعادة التدوير.
من
المُهم أن تُركز
الدول في المنطقة
على تطوير اللوائح
والتشريعات المُنظمّة لنشاط
إعادة تدوير الذهب،
وتعزيز الوعي بأهمية
القطاع، وذلك لضمان
استدامته وتحقيق فوائده
المُتعددة للأفراد والاقتصاد
ككل.